رياض سيف رجل وضع بصمته المتميزة في سورية من تسعينات القرن الماضي حتى اندلاع ثورة الحرية للشعب السوري عام ٢٠١١م.
قدّم للكتاب جاد الكريم الجباعي، لن نقف عندها، لأننا سنتابع السيرة من صاحبها. كما كتب المحرران أكرم البني وأسامة عاشور مدخلا على السيرة التي دونوها عن لسان صاحبها رياض سيف نفسه.
من التصنيع إلى العمل العام.
أصرّ رياض سيف ومنذ بداية حديثه في سيرته الذاتية عن توصيف نفسه بأنه صناعي وليس تاجرا. مميزا بين الصناعي الذي يعمل لتطوير إمكانات بلاده وطاقات العاملين فيها لتجعلها متطورة ومنتجة، فهي بهذا الشكل تفيد العمال وصاحب المنشأة الصناعية والمجتمع والدولة. أما التاجر فعينه دوما على كيفية حصوله على الربح في أي صفقة تجارية.
تحدث رياض سيف عن أنه دمشقي الأصل من حي الميدان، وأن عائلته كانت تمتلك بعض الأراضي في بلدة ببيلا وأنه حاول أن يستثمرها في بداية انطلاقته في مجال الأعمال. وأنه لم يستمر في ذلك لأن الأرض كانت صغيرة والإستثمار الزراعي لم يجذبه. لذلك قرر أن يعمل في مجال الاستثمار الصناعي.
تحدث رياض سيف عن الصناعة في سورية في مرحلة ما قبل استلام البعث الحكم في سورية ١٩٦٣م. قدم رأيا يجد من يدعمه كثيرا في هذه المرحلة، وهو أن مجموع ما صدر من مراسيم وتشريعات حول التأميم والإصلاح الزراعي، وتقييد النشاط الاقتصادي، قد ادى الى تدهور الحالة الاقتصادية في سورية، فقد قارن بين الاقتصاد السوري في العقد الذي سبق انقلاب ١٩٦٣م وما بعده فوجد أن الحالة الاقتصادية متطورة قبل الإنقلاب، وتدهورت بعد ذلك. حيث لم يتم دعم أي عمل اقتصادي حقيقي في سورية، كما كانت جميع قطاعات أعمال القطاع العام محكومة بإدارات مرتبطة بالأمن وشبكة فساد السلطة، كانت حريصة على مكاسبها الشخصية، على حساب العمل الإقتصادي العام. يؤكد رياض سيف على أن مرحلة حافظ الأسد منذ انقلاب ١٩٧٠م وتحوله وعائلته والعصبة حوله إلى حاكم مطلق لسورية ودخولها في الفشل الإقتصادي.
وبالعودة إلى رياض سيف وقناعته بالعمل الصناعي، فقد قام مع أخوين له ببناء معمل منسوجات عام ١٩٦٣م، بدأ ينمو ويكبر حتى اصبح شركة أديداس الجديدة عام ١٩٩٣م، حيث نجح عربيا وعالميا. وأصبحت الشركة ذات رأسمال كبير جدا، واردها يحسب بالدولار الأمريكي.
هذا وكان النظام قد فتح مجالا لدخول بعض المستقلين بنسب ضئيلة في انتخابات مجلس الشعب الذي كان حكرا على حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي تعمل وفق توجهات النظام وأجهزته الأمنية.
كان لدى رياض سيف توجه أن يخدم القطاع الصناعي لسورية عبر مجلس الشعب التشريعي، مع إدراكه لصوريته وانعدام تأثيره، مع ذلك قرر أن يدخل في انتخابات عام ١٩٩٤م. عن مدينة دمشق من فئة المستقلين.
رياض سيف في مجلس الشعب.
قرر رياض سيف أن يدخل انتخابات مجلس الشعب عن دورة عام ١٩٩٤م. عن فئة المستقلين في مدينة دمشق. اعتمد في دعايته الإنتخابية على مطالب حقيقية، كما قام بكثير من الجلسات الحوارية مع الناس مناقشا مشاكلهم، وباحثا معهم عن المخارج الممكنة. كان ذلك متناقضا مع المتعارف عليه في الانتخابات النيابية السورية، بأنها شكلية وصورية ومحتكرة للنظام وجبهته الوطنية التقدمية. كما لفت نظر أجهزة الأمن توجهات رياض سيف، فقررت محاربته والتضييق عليه. واستمر مصرا على أن ينجح في عمله الذي نذر نفسه له. وبالفعل حصلت الإنتخابات ونجح فيها نجاحا باهرا. ووصل الى مجلس الشعب واصبح يقوم فيه بدوره، في متابعة كل أحوال البلد خاصة في مجال الصناعة ومصالح مجموع الناس. لكنه وجد أمامه بنية فساد واستغلال وهيمنة مطلقة على البلد أمنيا واقتصاديا وسياسيا. وأن أي محاولة لمواجهة السلطة سيكون مصيرها السحق والتنكيل. وهذا ما حصل مع رياض سيف نفسه. واجه شبكة الفساد، تحدث عن صفقة الخليوي، بعد ذلك، التي كانت من نصيب رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد. وخسرت الدولة السورية بسببها مئات مليارات الليرات السورية.
كانت الحرب على رياض سيف معلنة ووحشية من النظام. تقصد إسكاته أو تطويعه، وبأي ثمن.
أكد رياض سيف على اعتماد النظام في قمع الشعب ونهبه على قانون الطوارئ الذي فرض في سورية منذ عام ١٩٦٣م حتى عام ٢٠١١م. وجاء بعده قانون الإرهاب الأسوأ. وبكل الأحوال جعل قانون الطوارئ الانسان السوري ضحية دائمة للنظام وأمنه وشبكة فساده.
قررت السلطة وأجهزتها الأمنية تفشيل رياض سيف وانهائه سياسيا وماديا، وذلك بعد محاولات ترغيب وترهيب قام بها كثير من القيادات الأمنية لعله يكون من مبيضي صفحة النظام وأزلامه، لكنهم فشلوا. انتقلوا بعد ذلك إلى البطش به. فاتهموه بأنه اعتمد على جمع الأموال والإستثمار فيها بشكل غير شرعي، مع العلم أن صيغة جمع المال والاستثمار به. كانت هي الصيغة الشائعة في سورية تحت علم النظام وهو المستفيد الأول منها. كانت بداية رياض سيف وإخوته في شركة ٤٠٠ للقمصان عام ١٩٦٣م، التي نجحت والتحق بها الأصدقاء والأقرباء ممن لديه المال ويريد الاستثمار. وفي عام ١٩٨٤م أصبح عند رياض سيف شركته المستقلة عن أخوته. وعندما سألته الأجهزة المختصة عن الأموال التي يستثمرها في شركته اديداس عام ١٩٩٤م، أخبرهم بأنه يستثمر ٢٥٠ مليون ليرة سورية لأقربائه وأصدقائه. كان هذا الذريعة عند النظام ليتم تصفية شركة أديداس لتحويل مالها للمستثمرين. الشركة التي باعت ماقيمته عشرة ملايين دولار للخارج، و٥٠٠ مليون ل س في الداخل السوري. باع رياض سيف أغلب حصته في الشركة البالغة ٣٠ بالمئة من رأسمال الشركة لإعادة المال للمستثمرين. بقي له مع ابنه ٢٠بالمئة من الشركة فقط . ثم باع بقية حصته لينقذ ما يمكن انقاذه من الشركة. ومع ذلك أصبح مدينا للدولة فوق ذلك ب ١١٢مليون ليرة سورية فوق كل خساراته عام ١٩٩٨م. كل ذلك كان تحت بند ضرائب ادعتها اجهزة النظام الإقتصادية، وذلك عشية انتهاء دورة مجلس الشعب الذي حاول به أن يقوم بدور إصلاحي تغييري حقيقي.
كان لخطف إياد ابن رياض سيف واختفائه في رحلة بحرية ملتبسة. الضربة الإنسانية الأقوى على رياض سيف. ها هو النظام يستهدف حياة ولده. وهي كانت الرسالة الأبلغ التي وصلت إلى رياض سيف. بأن النظام مستعد لكل شيء مع خصومه؛ القتل والسجن والخطف.
وهكذا انتهى الدور التشريعي ١٩٩٤- ١٩٩٨م. بنكبات على كل المستويات على رياض سيف الذي لم ييأس من القيام بدوره ولم يتراجع عنه.
العودة للإنتخابات التشريعية التالية.
كان قرار رياض سيف بعد انتهاء الدور التشريعي لمجلس الشعب عام ١٩٩٨م. أن يبتعد عن الشأن العام. بسبب فشله بتحقيق أي فائدة عامة للناس، ونتائجه الكارثية عليه شخصيا، ماديا مع اختفاء ابنه.
لكن المتغيرات التي حصلت في سورية في السنوات الأخيرة ما قبل عام ٢٠٠٠م ووفاة حافظ الأسد وتسليم بشار السلطة بعده، كانت أغلب ملفات البلد قد وصلت لبشار الأسد الوريث للسلطة، أصبح مسؤولا عنها ومتابعا لها. فقد وصلت توصيات من بشار إلى رياض سيف أنه مرضي عن عودته للإنتخابات دورة أخرى في مجلس الشعب. مما شجعه على خوض التجربة مرة أخرى. حصل ذلك بدعم من العائلة والأصدقاء. حاربته أجهزة الدولة كلها. لكنه كان يحتمي بدعم بشار الأسد له. ونجح في الوصول إلى مجلس الشعب مرة أخرى. استمر بالقيام بدوره. حارب زراعة القطن في سورية، حيث تؤدي إلى ملوحة الأرض وفقدان ثروتها المائية الجوفية وجفاف بعض الأنهار و الينابيع. كما تصدى لصفقة الخليوي التي كانت من نصيب رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد. حيث خسرت الدولة السورية مئات مليارات الليرات السورية. عند قضية الخليوي خسر رياض سيف دعم بشار الأسد الذي كان يريد أن يستثمره اقتصاديا. عاد الضغط والإساءة على رياض سيف. خاصة بعد أن نشر كتيب في مجلس الشعب وخارجه. عن واقع صفقة الخلوي في سورية. مما أدى إلى دخوله السجن أول مرة عام ٢٠٠١م. بعد مضي سنة تقريبا على تنصيب بشار الأسد رئيسا لسورية. كما واجه تغول اجهزة الدولة على الصناعيين. كما استفاد من القوانين الأوروبية الداعمة للإقتصاد السوري. وكيف تنهبها أجهزة الدولة الأمنية. كما عمل على محاربة الإحتكار السياسي من النظام للمجلس وقراراته. حارب الفساد، عمل لتخفيف الضرائب على الغزول. شارك مع مأمون الحمصي في فضح صفقة الخلوي آنفة الذكر.
تحدث رياض سيف عن محاولة محمد مخلوف والد رامي وخال الرئيس بشار الأسد اغراء رياض سيف بتعويض خسارته المالية التي وصلت إلى ٣٥٠ مليون ليرة سورية، وأن يعطى فوقها ١٥٠ مليون ليرة سورية، على أن يطوي ملف الخليوي بالكامل وعدم التكلم به ابدا. لكنه رفض ذلك. ونشر رأيه وسجن بسببه.
رياض سيف وربيع دمشق.
كان قد أعلن بشار الأسد عن تحولات تطال العمل السياسي في سورية. موحيا الإستعداد لتقديم بعض التنازلات الديمقراطية في سورية. وبغض النظر عن مصداقية ذلك. من بشار الأسد وسلطته. فقد وجدها اغلب السياسيين والناشطين المدنيين وجمعيات حقوق الإنسان فرصة للحضور والتعبير عن مطالبهم ومطالب الشعب في الديمقراطية وكل الحقوق الشعبية.
كانت البدايات من الإعلان عن جمعية أصدقاء المجتمع المدني، ثم تبعها فتح منتدى الحوار المدني في منزل رياض سيف نفسه. حيث رافق ذلك إصدار وثيقة بيان وقعه ٩٩ شخصية سياسية ثقافية سورية في ايلول عام ٢٠٠٠م. ثم تلاه بيان الألف بداية عام ٢٠٠١م. كما تم الإعلان عن تشكيل لجان إحياء المجتمع المدني.
عمل رياض سيف على تفعيل منتدى الحوار المدني في بيته. وكانت باكورة نشاطه محاضرة لشيخ المثقفين السوريين أنطوان مقدسي عن المجتمع المدني السوري. ثم جلسة لمحمد سعيد الحلبي حول ذات الموضوع. وختمت بجلسة جمال باروت عن الجمعيات الأهلية ايضا. كما اتبعها بجلسات عن الواقع الإقتصادي السوري لكل من نبيل مرزوق رياض الأبرش وعارف دليلة. وبعدها جلستان للتحدث عن الحقوق المدنية للدكاترة شبلي الشامي ويوسف سلامة.
كانت التفاعلات بين ناشطي المنتدى قد توصلت إلى تشكيل لجنة منتدى الحوار المدني مؤلف من ١٤ عضو. كما واكب نشاط منتدى الحوار المدني مناشط منتديات أخرى مثل منتدى جمال الأتاسي وجمعيات حقوق الإنسان. حيث وصل تعدادها في المدن السورية إلى ١٧٠جمعية ومنتدى.
تابع رياض سيف نشاطه، كان مؤمنا بضرورة خلق حزب يحمل أفكاره المنصبة على ضرورة التغيير الوطني الديمقراطي في سورية، دون الخوض في الجانب العقائدي. كان يود تسميتها حركة السلم الإجتماعي. وكتب وثائقها الأساسية أيضا.
في هذه الفترة اشتد الضغط على رياض سيف لدوره في فضح قضية الخليوي، وبدأت الضغوط الأمنية عليه. وكان أولها رفع الحصانة عنه لكونه عضو في مجلس الشعب. ثم مثل أمام القضاء بسبب مناشطه العامة ومنها عمله لبناء حركة السلم المجتمعي. تهمته كانت العمل لإسقاط نظام الحكم واثارة النعرات المذهبية. كما تابع نشاط منتدى الحوار المدني في منزله. حيث قدم رضوان زيادة محاضرة عن التغيير الديمقراطي في سورية. كما طور النظام وسائله في محاربة نشاط المنتديات حيث أصبح يرسل عناصر الأمن مع بعض البعثيين للمشاكسة والتشويش وخلق بلبلة في الندوات و تخوينها أيضا. بحيث تدخل الأمن بعد محاضرة رضوان رضوان زيادة، وقيد نشاط المنتدى، ثم تم إغلاقه في آذار ٢٠٠١م، كما شمل الإغلاق المنتديات الأخرى إلا منتدى جمال الأتاسي.
لم يتوقف نشاط رياض سيف في منزله وبشكل دائم. كما حصل مستجد على نشاطه حيث حضر ممثلين عن الأحزاب الكردية السورية. وطرحت مطالبها الديمقراطية والثقافية، خاصة في قضية التجنيس لكثير من المحرومين الجنسية السورية منهم.
توقف النشاط في المنتدى لفترة تحت الضغط الأمني. لكن رياض سيف أعاد فتحه ليقدم د برهان غليون محاضرة فيه عن التغيير الديمقراطي في سورية. في آب ٢٠٠١م. وكان من نتائجها المباشرة سجن رياض سيف في اليوم الثاني للمحاضرة.
السجن الأول لرياض سيف.
كان من نتائج فتح رياض سيف لمنزله ومنتداه لمحاضرة برهان غليون في آب ٢٠٠١م. السبب المباشر لإعتقال رياض سيف في اليوم الثاني. كما اعتقل بعده عارف دليلة ووليد البني وكمال اللبواني. ثم فواز تللو و حبيب عيسى من ناشطي إعلان دمشق. حيث عبر هذا عن تصعيد في المواجهة الأمنية من النظام مع ناشطي ربيع دمشق. وعرضوا على محاكمات صورية. حكم عليهم بسنوات سجن تصل للبعض حتى خمس سنوات. أما عارف دليلة فقد حكم عشر سنوات. وحكم على رياض سيف خمس سنوات سجن.
ينتقل رياض سيف ليتحدث عن تجربة السجن الأولى له وأنه أرادها أن تكون فرصة له لتنمية كل ما يحتاجه من معرفة حول سورية منذ النشأة للآن. وعلم عن التاريخ الوطني لممثلي الشعب السوري أيام الإستعمار الفرنسي. ورفضهم تقسيم سورية إلى ثلاث دول، علوية في الساحل و درزية في الجنوب والوسط للسنة. وذلك عام ١٩٣٥م. وكيف انتصر الانتماء الوطني العروبي لسورية وسقط التقسيم الفرنسي لها.
كان للدور الوطني لرياض سيف صدى عند الدول الأوروبية، فقد حصل على جائزة فايمر لحقوق الإنسان الألمانية عام ٢٠٠٣م.
وبعد مضي ثلاث ارباع المدة للسجن على رياض سيف عام ٢٠٠٥م. حضر الى السجن غازي كنعان وكان وزيرا للداخلية، في محاولة لاستمالة رياض سيف عبر منحه إعفاء ربع المدة من مدة سجنه. لكنه كان جذريا في مواقفه. واصراه على مطالب الديمقراطية والتغيير والإصلاح. مما أثر على عودة المعاملة السيئة له داخل السجن. لكنه كان يتأقلم دوما وينجح في التكيف وترويض ظروفه، ومنع الإساءة له ممن يوكل اليه ذلك من السجناء عن طريق ادارة السجن. استمر رياض سيف في السجن حتى انتهاء مدة الحكم عليه عام ٢٠٠٦م. وكان قد وقع على إعلان دمشق الديمقراطي وهو في السجن. حيث حضر حسن عبد العظيم ممثلا للإعلان للسجن بصفته محاميا ووقع على اعلان دمشق وأنه منه ومعه.
يتبع…