قبيل حوالي أسبوعين من انعقاد الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية في مدينة جنيف السويسرية، والتي ينظر إليها بأنها ستكون مفصلية وحاسمة في مسيرة اللجنة منذ انطلاقها قبل أكثر من عام، برزت رسالة أرسلتها منظمات كردية إلى مكتب المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون المشرف بشكل مباشر على أعمال اللجنة الدستورية، تطالب بزيادة التمثيل الكردي داخل اللجنة، لا سيما ضمن قائمة المعارضة، على اعتبار أن التمثيل الكردي فيها لا يتناسب مع حجم الأكراد داخل سورية.
وخاطبت، الخميس الماضي، كل من “قوى المجتمع المدني الأكرادستاني”، و”تجمع فجين”، و”حركة البديل الكردي – عفرين”، و”المنصة الجماهيرية لوحدة الصف الكردي في روج افاي كوردستان”، و”منظمة المجتمع المدني الكردي في أوروبا”؛ في الرسالة مسؤولة الشؤون السياسية في مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، كاندس كارب.
وجاء في الرسالة، التي أرسلتها المنظمات الخمس: “لا يخفى عليكم أن الشعب الكردي في سورية شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين ويشكل القومية الثانية بعد القومية العربية، وقد ظلمه التاريخ بتقسيم أرض كردستان بين دول أربع إثر اتفاقية (سايكس بيكو)، ولم ترحم هذه الدول بدورها الشعب الكردي، فطبقت عليه قوانين عنصرية تجلت في إعلان الحرب عليه كلما طالب بأبسط حقوقه، واستخدمت معه، ولاتزال، جميع وسائل القمع والإرهاب من إبادة وتهجير وتجويع وتجهيل وتغيير ديمغرافي لمناطقه”.
وأشارت الرسالة إلى أنه “إثر قيام الثورة ضد النظام السوري كان مئات الآلاف من الأكراد السوريين من أوائل المحتجين السلميين، مطالبين بحقوقهم القومية التي حرموا منها طيلة ما يقارب من قرن. كما دافع الأكراد عن أرضهم ببسالة في مواجهة الهجمات الإرهابية التي شنتها ما تسمى بالقاعدة ودولة الخلافة في العراق والشام (داعش) ومثيلاتها من المنظمات التكفيرية”.
وأضافت المنظمات في رسالتها: “اليوم وبعد كل هذه التضحيات الجسام، لم يُنصف شعبنا مرة أخرى من قبل الهيئات الدولية المشرفة على سير العملية التفاوضية في جنيف وفي تشكيل قوام اللجنة الدستورية، حيث تَمثل شعب تعداده أكثر من ثلاثة ملايين بشخص وحيد فقط، بينما تَمثل بعض المنصات التي لا يتجاوز عدد أعضائها مئة شخص بخمسة أشخاص، وكذلك المليشيات المسلحة التكفيرية”.
واعتبرت الرسالة أن “هذا التمثيل الهزيل للشعب الكردي في اللجنة الدستورية يضر بمفهوم العدالة الدولية، ويضعها في مقتل أراد لها أعداء شعبنا من الدول الغاصبة لأرض كردستان”.
ونوهت المنظمات في الرسالة إلى أن “طريقة تمثيل المكونات لا تتناسب مع الكتلة السكانية للأكراد، ولا تتفق مع الرقعة الجغرافية للمناطق الكردية، بحيث تم توزيع التمثيل في هيئة التفاوض بناء على توصيات خارجة عن إرادة الشعب الكردي والمكونات المتعايشة معه في (روج افا)، وجاءت نسب التمثيل في وفدي المعارضة والنظام وفق معايير أحادية، واستبعاد ممنهج للمكون الكردي ضمن الوفدين، بالإضافة إلى الاستحواذ على الثلث الأخير من مؤسسات المجتمع المدني، وتوزيع تمثيله بين النظام والمعارضة اللذين يتعمدان إقصاء الأكراد من أية عملية سياسية أو دستورية”.
وطالبت المنظمات في الرسالة: “إننا كمنظمات مدنية كردية وشخصيات مستقلة ونخب أكاديمية نطالب بإعادة النظر في قوام اللجنة الدستورية، وضرورة تمثيل الشعب الكردي تمثيلاً عادلاً فيها، بما يتناسب مع وجوده التاريخي والحقيقي في سورية، وتضمين حقه في الدستور السوري الجديد وفق بنود فوق دستورية وبضمانات دولية، بالإضافة إلى إنصاف جميع مكونات الشعب السوري في دولة اتحادية مدنية ديمقراطية”.
وتعتبر المنظمات الموقعة على الرسالة، منظمات كردية مستقلة لا ترتبط بالطرفين الكرديين الأقوى في سورية، الإدارة الذاتية وحزب “الاتحاد الديمقراطي- PYD” من جهة، أو “المجلس الوطني الكردي” والأحزاب الكردية المتحالفة مع المعارضة السورية من جهة أخرى، وهي بذلك لا تتمتع بوزن داخل الوسط السياسي الكردي، أو على الأرض شمال وشرق سورية، إذ تفرض “الإدارة الذاتية” بدعم عسكري من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) سيطرتها على مساحات واسعة من شمال وشرقي البلاد.
وأكدت أمل حمو من المنسقية العامة لـ”المنصة الجماهيرية لوحدة الصف الكردي في روج افا كوردستان”، إحدى الجهات الموقعة على الرسالة، أنهم كمنظمات ليسوا ضمن الإدارة الذاتية، بل إنهم مستقلون ويعملون للدفاع عن الهوية الكردية.
وحول الرسالة أوضحت في حديث مع “العربي الجديد”، أنها نتاج “عمل تشاركي وتجمعي لعدة قوى مدنية ونخب سياسية مستقلة لإيصال صوت الأكراد إلى مراكز القرار، وكانت هذه الخطوة بمثابة تذكير المجتمع الدولي، بما قدمه الأكراد من خدمات وتضحيات كانت لها الدور الكبير في خدمة الإنسانية جمعاء، وهي أيضاً محاولة للحصول على نسبة أكثر لتمثيل الكرد في المحافل الدولية وفي لجنة صياغة الدستور”.
وأشارت حمو إلى أن “حصر التمثيل الكردي في طرف واحد، أو لصالح طرف واحد أمر خاطئ وهذا ما يسعى النظام والأتراك إليه، لذلك نحن نرى أن من الظلم بحق الأكراد ربط نسبهم بالمجلس الوطني أو بـ(قسد) فقط، مع الملاحظة بأن التمثيل الكردي في لجنة صياغة الدستور لا يشمل حتى (قسد)”.
وحول التفاعل مع الرسالة أوضحت حمو أنه “إلى الآن لم يتلقوا ردا رسميا من قبل مكتب المبعوث الأممي”، إلا أنها عبرت عن أملها بأن “يكون الرد إيجابياً، والقبول بزيادة نسبة تمثيل الأكراد بالشكل الذي يتناسب مع عددهم ورقعتهم الجغرافية والتاريخية”.
بدوره، قال محمد إسماعيل، ممثل “قوى المجتمع المدني الكردستاني” في لندن، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الرسالة التي أرسلت إلى مكتب المبعوث الأممي، رسالة احتجاج على التمثيل الكردي الهزيل في اللجنة الدستورية، الأمر الذي يشكل إهانة للمجتمع الدولي ولهيئاته التي تدعي بأنها تناصر الشعوب المظلومة” بحسبه.
وأضاف إسماعيل: “بشكل عام التنسيق ضروري مع كل طرف يقف إلى جانبنا في تحصيل ما نطمح إليه، لكن مع الأسف (المجلس الوطني الكردي) لو كان قوياً ومدعوماً لكان من المفروض أن يكون له نسبة لا تقل عن نصف نسبة تعداد الأكراد في سورية، التي تشير إليها سلطات النظام سابقاً بأنها تشكل %15 من تعداد السكان في سورية، أي قرابة 3 ملايين كردي، بينما بالحقيقة فإن نسبة الأكراد هي أكثر من ضعف هذه النسبة، وإذا تمت إضافة نسبة الأكراد الذين تغربوا في دمشق وحماة وحلب والساحل السوري، وقسم كبير من هؤلاء لن ينكروا أصلهم الكردي، وفي ظل نظام ديمقراطي في سورية المستقبل”.
ورأى إسماعيل أن “غياب تمثيل الإدارة الذاتية في الأجسام المعارضة، يؤثر على وجود الأكراد في مسار الحل السياسي السوري”، معتبراً أن “الحل لهذه المشكلة، بالإضافة إلى مشكلة التمثيل الحقيقي للشعب السوري المعارض للنظام، هو بإيجاد أو تشكيل هيئة جديدة تمثل بشكل فعلي الشعب السوري المعارض للنظام”.
وأوضح أن “مشكلة نسبة التمثيل الكردي في هيئات المعارضة لن تحل إلا إذا تم تشكيل هيئة جديدة تمثل كافة أطياف المعارضة للنظام والداعين إلى تغييره، حيث يجب أن تكون نسبة الأكراد فيها تعكس التعداد العام للأكراد في سورية”.
ويعتقد إسماعيل بأن “الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة جو بايدن، ستعمل من أجل تشكيل منصة جديدة ليكون هنالك نسبة تمثيل للأكراد فيها أفضل من النسبة الموجودة في الائتلاف الحالي”، معتبراً أن “الائتلاف الذي حاز على اعتراف دولي في السابق بات أداة بيد تركيا، ما جعل الدول تسحب دعمها له”، بحسبه.
وخلال حديثه، قدم إسماعيل شرحاً للحصص داخل قائمة المعارضة ضمن اللجنة الدستورية، مؤكداً أن التمثيل الكردي يقتصر على شخص واحد من بين الأعضاء الخمسين، ما يشكل نسبة 00.5.
وفي حال أخذ المبعوث الأممي هذه الرسالة على محمل الجد، فمن المتوقع طرح خلاصتها خلال الجولة المقبلة من أعمال اللجنة الدستورية، في 25 من الشهر الحالي، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من السجالات داخل أروقة عمل اللجنة.
المصدر: العربي الجديد