حاجة السوريّ لأكثر من قشّة

عبد السلام حاج بكري 

يحمل اجتماع حزن السوريين من طرفي الصراع على حاتم علي، المخرج والممثل، دلالات كثيرة، ومؤشرات يجب أن نقرأها بتمعن -كسوريين- فقد يكون في بعضها ملامح طريق يجمعنا، أو يهدينا إلى سبيل للخروج من الاستعصاء الذي يلفّنا منذ عشر سنوات.
اجتماع الموالين والمعارضين على الحزن انعكاس لا شعوري على رغبة دفينة بالاجتماع، وبما أنّ الاجتماع على حالة فرحٍ مؤجل، جاءت مغادرة مخرج سوري طيب بما عجزت عنه محاولات دول العالم ومنظّماته الكونيّة.
رغم أنّ حاتم علي لا يمثّل سوى حالة فنية تحمل بعض التميّز، إلا أنّه في لحظة لا وعيّ عبرت سماء السوريين، عبّروا بحزنهم على مغادرته عن سعيهم وبحثهم الحثيث عن البطل المخلّص، الموحِّد الجامع، الذي يحمل مصباحاً سحرياً باستجابته لاحتياجاتهم، يخلّصهم من معاناتهم من ألفها إلى يائها.
نعم، السوريون منذ زمن يبحثون على كاوا المخلّص، عن عمر أو صلاح الدين، عن ذلك المارد يخرج من مصباح ما، من مكان ما، وغير مهمّ من أي طائفة أو مدينة كان، السوريون فقط يريدون الخلاص، ولا يهمهم اسم ناطور الكرم، وهذا يشترك فيه كل السوريين من كنف النظام ومن كنف النزوح واللجوء وكانتونات التشبيح.
ذلك المجرم المقبور، والد هذا المجرم، الداهية اللئيم، الذي قرأ بدقة ما يعتمل في صدور السوريين من أحلام بالبطل المخلّص، لجأ للقضاء على أحلامهم من خلال اغتيال وتغيّيب أي شخصية يجتمع عليها بعض السوريين، فيرسم نهاية الحلم بمقتل البطل، وتبقى الساحة شاغرة للحكم الطائفي المجرم.
منذ شكّل مع عمران وجديد اللجنة الثلاثية، كان ينسق معهما تصفية المنافسين، ويحضّر سرّاً للتخلّص من شريكيه، صلاح ومحمد، نجح معهما بتغيّيب الأقوياء على الساحة السورية، وعندما حان موعد تسلّمهم السلطة، غدر بهما وانفرد بها كما خطط، ولا شك أنّ رعاية دولية كانت تسانده في خطواته.
وتابع الخبيث مخططه مع كل شخصية سورية برزت بعد أن استتبت له السلطة، فأفنى كبار الضباط في حرب تشرين التمثيلية، كما غيّب الوجوه الثقافية والفنية والرياضية البارزة، ولا نذكر الوجوه السياسية لأنّه لم يترك وجهاً سياسياً بارزاً مذ كان يعمل مع اللجنة الثلاثية، ومن ثم الخماسية وصولاً لللجنة الأحد عشر.
قضى حافظ على نفوذ آل إسماعيل والخيّر في القرداحة، لكونهما عائلتين عريقتين تحظيان بحضور شعبي واسع في الوسط العلوي، ورفع إلى الواجهة شخصيات عسكرية وسياسية من الأسر الصغيرة غير المعروفة اجتماعياً.
في الوسط الثقافي، برز في سبعينيات القرن الماضي شاعر أحبّه السوريون، وتشكّلت حوله حالة جمعية لا يسمح بها نظام التفرّد والديكتاتورية، فهمّش الأسد الشاعر ثم نفاه، ليموت في منفاه، إنّه نزار قباني، وفعل الأمر نفسه مع ابن طائفته أدونيس، لكن ثقافة هذا الأدونيس لم تكن كافية لإخراجه من عباءته الطائفية، فتحوّل بوقاً للطاغية ابن الطاغية عندما هبّ السوريون مطالبين بالحرية.
ولا يخرج عن فكرة تغيّيب أي بطل محتمل ما فعله حافظ الأسد في حقل الرياضة أيضاً، حيث عمد إلى تكسير مجاديف أي نجم حظي بمحبة جمهور الرياضة، وهو كبير جداً في سورية، فمنع لاعب كرة القدم “عبد القادر كردغلي” من اللعب مدى الحياة، وهو الذي سطع نجمه في ثمانينيات القرن الماضي، والأمر ذاته ينطبق على نجوم آخرين، كفراس قصاص وبشار سرور.
الابن، ورث خطة عمل أبيه، حيث صفّى أهم معارضيه، مشعل تمو، واعتقل وهدّد البارزين منهم، ممن نَشَطَ عندما أعلن نيته إطلاق ربيع في سورية، خشية اجتماع الناس حولهم، وهو الذي يدرك وراثةً أنّ السوريين ينتظرون هذا المخلّص.
وفي الثورة السورية، كان أبرز ما قام به الأسد إلى جانب إجرامه في المذابح والتهجير هو تصفية كل شخصية معارضة حظيت بقبول شعبي، وبذل في سبيل القضاء على شخصيات برزت كل ما بوسعه، حتى إنّه استعان باستخبارات عالمية من أجل اعتقال بعضهم، كما فعل مع المقدّم حسين الهرموش، الذي تحوّل إلى بطل شعبي منذ أعلن انشقاقه عن جيش الأسد وتشكيله حركة الضباط الأحرار.
ولا شك أنّ له يداً طويلة في تغيّيب الضابط المنشق عبد الرزاق طلاس، الذي غدا في مرحلة ما قبلة أحلام السوريين، وهذا النظام، كلّف عملاءه التخلّص من العقيد يوسف الجادر (أبو فرات)، الذي برز وطنياً مخلصاً صادقاً أحبّه جنوده والسوريون، وأوكل لربيبته داعش تصفية الشخصيات المدنية والعسكرية الفاعلة في كل منطقة سورية وصلت إليها، فقتلت وغيّبت كثيرين، مثل الأب باولو وكمال حمامي وآخرين.
وفي هذا السياق، ألا تستشعرون معي أنّ هذا النظام تعاون مع دول إقليمية فاعلة في الشأن السوري واستخدم جماعة الإخوان المسلمين لإبعاد الضباط المحترفين عن الجيش الحر، وكذلك في تصدير قيادة فاسدة ورخيصة للمعارضة، لا تحظى بالرضى الشعبي، فغاب البطل عن أحلام السوريين حتى اللحظة.
حاتم علي، المخرج، والإنسان الطيب، هو نموذج مصغّر عن البطل الذي يبحث السوريون عنه، غير أنّ السوريين مفجوعون حتى بأحلامهم، مستنقع يغوصون فيه، نظام قاتل هناك، ومعارضة وضيعة قليلة القدر هنا، يحتاج السوريون أكثر من قشة كي يعوموا، لكن، لا بطل منقذ، ولا نار تشتعل في قمة جبل ما، ولا صهيل خيل في الصحراء.

المصدر: ليفانت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى