يلعب الدستور دورًا أساسيًا في حفظ حقوق المواطنين في الدولة وضمان المساواة بينهم، خاصة إن كان مواطني هذه الدولة من خلفيات دينية ومذهبية وعرقية متنوعة كما في سوريا.
ولعب النظام السوري على هذا التنوع منذ تسلّم حافظ الأسد سدة الحكم في عام 1971، والذي حاول على مدى سنوات طويلة أن يفرّق بين السوريين ويستغل التنوع في المجتمع بشكل يخدم مصالحه للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة.
عنب بدي التقت أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق سابقًا، والباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” حاليًا، طلال مصطفى، للحديث عن المكونات السورية ودورها، ودور العدالة الانتقالية وأهميتها، في مستقبل سوريا.
دروس مستفادة من الثورة السورية
لجأ النظام السوري إلى الحل الأمني منذ انطلاق المظاهرات الشعبية التي نادت برحيله في آذار 2011، وانقسم السوريون بين مؤيد للنظام ومعارض له، وشريحة أخرى اختارت الصمت، وصولًا إلى الوضع الحالي الذي شهد دمار سوريا بشكل كبير.
وهو ما فتح باب الجدالات حول الثورة السورية بحد ذاتها ومسؤولية النظام عما حصل، خاصةً أن الأخير يلعب على وتر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل الثورة، ومقارنتها بالأوضاع الحالية.
كما فتح باب الجدال حول علاقة المكونات السورية ببعضها البعض، مع محاولات النظام السوري وأطراف إقليمية أخرى، تصوير الصراع في البلاد على أنه صراع طائفي بالأساس.
يرى أستاذ علم الاجتماع طلال مصطفى، أن الثورة السورية أعطت درسين هامين للسوريين.
الأول، أن الوضع السياسي القائم في سوريا، لم يكن قابلًا للاستمرار بهذه السلطوية الاستبدادية التي يمارسها النظام السوري، والذي يحاول ويتمنى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتجاهل أسباب الثورة السورية.
والثاني، أن المكونات الاجتماعية التقليدية، التي تعود إلى ما قبل الدولة الحديثة في سوريا، هي قوى متجذرة إلى حدٍ كبير، قادرة على استعادة قواها وأساليبها، مستفيدةً من دعم النظام السوري الاستبدادي لها، وفق ما قاله مصطفى لعنب بلدي.
وأضاف أن النظام يجد في صراعات المكونات السورية، المذهبية والطائفية والقبلية، الوسائل المناسبة لاستمراره في الحكم.
المخرج بناء مؤسسات
مع استمرار الصراع السوري لفترة طويلة، ودخول أطراف دولية وإقليمية على خط هذا الصراع، لم يعد الحل بيد السوريين أنفسهم، فالسياسة الدولية تفرض تشابكات في العلاقات والملفات الدولية، وما يحصل في سوريا قد يؤثر على أزمة في أوكرانيا، وبالتالي أثر هذا التعقيد بشكل مباشر على المجتمع السوري.
ويعتقد الدكتور مصطفى، أن المخرج الأساسي من هذا التصدع الاجتماعي السياسي السوري، يتمثّل “ببناء مؤسسات مجتمعية، على أسس وطنية حديثة راسخة، وهذا الأمر، يحتاج إلى أطر فكرية وتنظيمية، وإلى الوقت الكافي لنضوجها”.
ويرتبط هذا الحل برأي مصطفى بالديمقراطية وترسيخها “وهو طريق طويل وليس سهلًا”.
معتبرًا أن “أمام الجيل السوري الجديد مهمة شاقة تبدأ بالاعتراف بأنه ما من طرق مختصرة للديمقراطية والازدهار، وأن الطريق يبدأ من التثقيف، واستيعاب المبادئ الحقيقية للديمقراطية، ومنع الأنظمة السلطوية من السيطرة عليها”.
العدالة الاجتماعية ضرورة
وعن الشكل السياسي الممكن، والذي يمكنه ردم تفاوت الحقوق والتطور، ضمن الوحدة الوطنية السورية، قال الدكتور طلال مصطفى، “لا يختلف اثنان على نجاح النظام السوري وحلفائه في شيطنة الثورة السورية عام 2011، من خلال عسكرتها، وتحويلها إلى حرب مركبة، ذات صبغة طائفية”، وبالتالي فإن ما وصل إليه الحال مرتبط أساسًا بالنظام السوري.
ويرى أن الخروج من هذا الوضع لا يمكن إلا بحلٍ سياسي انتقالي، برعاية دولية ومحاكمة مجرمي الحرب السورية من جميع الأطراف، وإنجاز دستور جامع يتوافق مع مبادئ دولة المواطنة، ويتضمن حرية الاعتقاد الديني، كحقٍ لجميع الأديان والطوائف.
وأضاف الدكتور مصطفى أما الحل الثاني والمرتبط بالحل الأول فيتمثل بالعدالة الاجتماعية، والتي يجدها ضرورةً لسوريا، وشرطًا لنهوضها من الكارثة الاقتصادية والمعيشية الحالية التي يعيشها معظم السوريين، حيث تتركز الثروة في أيدي أمراء الحرب في النظام السوري، وبعض التنظيمات العسكرية المعارضة.
العدالة الاجتماعية هي “التوزيع العادل والمنصف للثروة والموارد الاقتصادية، وتكافؤ الفرص من خلال تكريس الدولة الجديدة لها، وإشراك السوريين في صنع القرارات الاقتصادية والسياسية، التي تُعدّ الأساس لتعزيز التنمية اللامركزية في سوريا الموحدة سياسيًا ومجتمعيًا”.
هوية وطنية قسرية
وحول الهوية الوطنية السورية ومحدداتها، قال الدكتور طلال مصطفى لعنب بلدي “يعد موضوع الهوية في سوريا من الموضوعات الاشكالية في مجال الفكر السياسي، والممارسات السياسية لدى معظم التيارات السياسية الرئيسية (القومية العربية، الإسلامية، الاشتراكية، اليسارية، القومية الاجتماعية السورية).
وهي تيارات تتضمن مجموعة من المغالطات السياسية والثقافية، حول المحددات والمرجعيات الخاصة بها، بحسب رأيه.
ويعتقد مصطفى أن سوريا تعيش أزمة هوية وطنية واضحة المعالم، فهي برأيه “أزمة مركبة ومعقّدة، تتجلى من خلال تعبير السوريين عن أنفسهم في الفضاء السوري بهويات مختلفة”، (قومية، دينية، مذهبية، طائفية، عشائرية، وطنية، عقائدية).
وبرأيه، ” عمل النظام على مسارين بالنسبة لروابط الوطنية السورية، حيث كرّس على أرض الواقع الروابط التقليدية، ما قبل الدولة الوطنية المعاصرة (العائلة والقبيلة والطائفة والدينية في المؤسسات المجتمعية السورية كافة)”.
أما المسار الثاني “فكرّس من خلاله هوية قومية عربية متخيلة شكلية قسرية على مجموع المواطنين، من خلال الانتساب إلى تنظيمات سياسية قسرية، (طلائع البعث، شبيبة الثورة، حزب البعث، التنظيمات الشعبية والنقابية الرديفة لحزب البعث)، وتم اختزال الوطنية السورية بالتنظيمات البعثية ذاتها، والتي اختزلت بالأسد نفسه بعد رفع شعار سوريا الأسد”.
ويرى الدكتور مصطفى أن هذه القسرية أوجدت أزمة هوية وطنية لدى المواطن السوري، بين الخضوع لهذه الهوية القسرية، وإنعاش وتكريس الهويات الفرعية، “وهذا أدى إلى فشل النظام في تمثّل أسس الدولة العصرية الحديثة، الحاملة للحرية والعدالة والمساواة”.
المصدر: عنب بلدي