يستمر الجدل حول المخاطر المحتملة التي تهدد مدينة الباب في منطقة (درع الفرات) بريف حلب الشمالي الشرقي كون المدينة محط اهتمام النظام وحليفته روسيا بسبب موقعها على الطريق إم4 ووقوعها في منتصف الطريق الذي يصل مدينة حلب بمدينة منبج أكبر مدن ريف محافظة حلب، وعوامل وميزات استراتيجية أخرى تتمتع بها الباب، والتي تعزز فرضية اهتمام النظام وحلفائه بالمدينة، وبالتالي تبدو المخاوف من خسارتها حقيقية وإن لم تكن هناك دلائل ميدانية تؤشر لذلك في الوقت الحالي.
جدل حول مصير الباب
تعتبر مدينة الباب أكبر تجمع سكني وتجاري في مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب، وتؤوي المدينة وريفها المحيط أعداداً كبيرة من المهجرين والنازحين من مناطق سورية مختلفة وفدوا إلى المنطقة تباعاً في الفترة التي تلت تحريرها في العام 2017 في إطار العملية العسكرية “درع الفرات” التي دعمها وشارك فيها الجيش التركي ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، وخلال هذه الفترة شهدت الباب انتعاشة غير مسبوقة في القطاعات الخدمية والتجارية والعمرانية، وافتتح فيها سوق الهال الشهير مجدداً، لكنها بقيت تعاني من الفوضى الأمنية والتي ما تزال الهاجس الذي يؤرق ساكنيها والفعاليات المدنية والعسكرية على حد سواء.
ساد القلق بين الأهالي في مدينة الباب مؤخراً بسبب المعلومات والأخبار التي تم تداولها حول احتمالية شن النظام والميليشيات الروسية هجوماً برياً بهدف السيطرة على المدينة، معلومات أكدها مدير المكتب السياسي في “فرقة المعتصم” التابعة للجيش الوطني، مصطفى سيجري، في تصريح له قال فيه، إننا “نحذر المجتمع الدولي ومجموعة أصدقاء الشعب السوري من عدوان روسي محتمل على مدينة الباب السورية”.
تصريحات حاولت مؤسسات المعارضة العسكرية والمدنية لاحقاً نفيها والتقليل من أهميتها باعتبارها لا تستند إلى أي وقائع ميدانية حقيقية، أو تحركات للنظام وحلفائه بهذا الاتجاه، وسرعان ما تحول الجدل إلى سجال شارك فيه أخيراً، كل من رئيس “الحكومة المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، ووزير الدفاع في الحكومة، اللواء سليم إدريس، ونفى المسؤولان في تصريحاتهما وجود أي خطر يتهدد مدينة الباب في الوقت الحالي، عاد سيجري مرة أخرى ليصرح، وقال في تغريدة، إن “إخفاء المعلومات الدقيقة والرسمية حول النوايا الروسية من قِبل وزارة الدفاع والحكومة المؤقتة ودون اتخاذ أي إجراء والإصرار على نفيها بدعوى الحرص على المزاج العام يعيدنا بالذاكرة إلى مأساة حلب وريف حماة وإدلب”.
جدية المخاطر
يبدو أن فرضية اهتمام النظام وحلفائه بمدينة الباب لها مبررات جيوسياسية تدعمها، ويتجلى ذلك في الموقع الذي تتمتع به المدينة على الطريق الدولي إم4 الذي يصل مناطق شمال شرقي سوريا بحلب وصولاً إلى ساحل المتوسط، مروراً بعين عيسى ومنبج، بالإضافة إلى الثقل البشري والاقتصادي الذي تمثله الباب في ريف محافظة حلب وموقعها الجغرافي الذي يتوسط ريف المحافظة الشمالي الشرقي، والسيطرة على الباب يسهم إلى حد ما في تعزيز السيطرة في منبح ومنها نحو مناطق شرقي الفرات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، وبالأخص شمالي الرقة، ويدعم تحرك النظام وروسيا العسكري والسياسي الأخير في عين عيسى فرضية مساعي الاستحواذ على المناطق المحيطة بالطريق إم4.
الناشط السياسي بلال صطوف قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إن ” الحديث الذي يدور حول وجود عملية عسكرية تستهدف مدينة الباب بريف حلب يشبه إلى حد بعيد ما كان يدور حول وجود عملية عسكرية تركية على عين عيسى، أي أنها تهديدات غير جدية ويصعب تنفيذها على الأرض”، وأضاف صطوف، أنه ” وقوع مدينة الباب على الطريق الدولي إم4 يجعلها بالفعل محط اهتمام النظام وحلفائه، حيث تحاول روسيا السيطرة على هذا الطريق بهدف تحقيق حلمها في وصول بري بين موانئ المتوسط وبحر قزوين وبالتالي الوصول إلى الموانئ الروسية، لكن في المقابل يعتبر هذا الطريق مغلقا في وجه القوات الروسية بحكم سيطرة القوات الأميركية على الجزء الشرقي منه في منطقة الرميلان شمال شرقي سوريا، وبالتالي فإن فرضية قدرة روسيا على إحكام السيطرة على الطريق الاستراتيجي معدومة في الوقت الحالي ولذلك تقل احتمالية شن هجوم على الباب، في الوقت الحاضر على الأقل، ولأن ذلك لن يحقق لها فائدة فعلية وفي المقابل سينتج عن هكذا تحرك تضرر كبير في العلاقة مع تركيا التي تحاول دعم الاستقرار في المنطقة التي تضم عشرات الآلاف من المهجرين والنازحين”
وأشار صطوف، إلى أن ” أهمية مدينة الباب بالنسبة لتركيا تكمن في كونها منطقة خزان بشري وقد يتسبب احتلالها من قبل النظام وحلفائه في حركة نزوح اتجاه الحدود التركية، كما أنها ستكون بداية متوالية لسقوط مدن أخرى، لكن الاستراتيجية التركية تهدف إلى خلق منطقة آمنة على طول الحدود، لذلك هي تهدف إلى أبعاد الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالدرجة الأولى ومن ثم قوات روسيا ونظام الأسد بالدرجة الثانية، وأي محاولة روسية للسيطرة على المدينة تعتبر تهديدا للأمن القومي التركي”
ومن الأسباب الأخرى التي لا تجعل مدينة الباب هدفاً للقوات الروسية في الوقت الحالي، بحسب صطوف “هو خلو المنطقة من أي تنظيمات جهادية تعتبرها روسية جماعات إرهابية، فلا يوجد أي ذريعة لروسيا لشن عملية عسكرية الآن على المدينة، ومن المؤكد أن ردة الفعل التركية على أي عملية تستهدف المنطقة تجعل احتمالية هذه العملية ضعيفة جداً، فالسؤال هو هل ستضحي روسيا باتفاقها الميداني مع تركيا في إدلب، وبالتالي احتمالية انطلاق عمليات تستهدف مناطق السيطرة الروسية في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي من أجل السيطرة على مدينة الباب ؟ الجواب برأيي لا لن تفعل ذلك”.
الاستعداد لكل الاحتمالات
يرى فريق في المعارضة أن التعامل بجدية مع التهديدات التي من الممكن أن تتعرض لها مدينة الباب أجدى من الدخول في سجالات النفي والتأكيد، ويتم ذلك من خلال تقوية الدفاعات العسكرية للمنطقة وتنظيمها والاستنفار والجاهزية العسكرية للتعامل مع أي طارئ، كما أن دعم الاستقرار في الباب التي تعاني من الفوضى الأمنية يسهم إلى حد كبير في التقليل من المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها المدينة خلال الفترة القادمة.
القائد العسكري في “فرقة المعتصم”، الفاروق أبو بكر، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “التهديد الروسي للباب قائم بغض النظر عن وجود حشود حالية من عدمها، فالروس يعتبرون الباب منطقة خارجة عن التفاهمات والاتفاقيات المبرمة بينهم وبين الأتراك وهي غير مشمولة بمعارك درع الفرات”، وأضاف أبو بكر “دعونا نأخذ الأمر على محمل الجد وكلٌ يعمل ما عليه، الناشطون ومسؤولو الحراك بالمظاهرات، والفصائل العسكرية بالتحصين والإعداد، والسياسيون بإيصال الرسائل للدول لتقوم بواجباتها وخاصة الدول الضامنة، لنتحرك جميعاً بعيداً عن الشخصنة والحظوظ النفسية”.
من جهته قال المحاضر في العلوم السياسية، محمد بقاعي، إن “الباب هي جزء أساسي من عملية درع الفرات التي شنتها تركيا ضد داعش في سوريا وقد تأثرت المدينة بالمعارك مما أدى الى دمار جزء كبير منها وقد عملت تركيا مع المجلس المحلية في المدينة لإنعاش المنطقة والتي ستصبح لاحقاً من أكبر التجمعات البشرية في المناطق المحررة شمال غربي سوريا، فالباب اليوم يسكنها قرابة 200 ألف سوري، والكلام الحالي عن أي عملية عسكرية يهدد كتلة بشرية كبيرة يثير القلق بالفعل “.
وأضاف بقاعي، أن “تصريحات سيجري والمخاوف على مدينة الباب يجب أن يؤخذ على محمل الجد على الرغم من أني استبعد شن عملية عسكرية من هذا النوع وفي هذا التوقيت، لأن هناك تفاهمات روسية تركية لا يمكن هدمها بهذه الطريقة، وللباب رمزية كبيرة بالنسبة لتركيا ومسألة التنازل عنها بهذه الطريقة لا يمكن أن تتم”.
وأشار بقاعي إلى أن الجدل القائم حول الباب يمكن إدراجه في إطار “المناكفة السياسية ولا تحمل جدية لجهة تحققها، والباب لا تمتلك أهمية كبيرة كما يروج وذلك برغم وقوعها على الطريق إم4، أي أن أهمية الباب لا ترقى إلى أن تضحي روسيا لأجلها بالتفاهمات والاتفاقات مع تركيا، لذلك استبعد وجود أي عملية عسكرية في الوقت الحالي، وفي حال وجود معلومات من هذا النوع كان من الأجدى مناقشتها مع المؤسسات العسكرية للثورة ومع الطرف التركي واتخاذ الإجراءات الضرورية بعيداً عن التصريحات العلنية، كما أنه لم يصدر أي تصريحات أو تحركات تركية تشي باقتراب معركة تجاه مدينة الباب “.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا