السوري بين عامين: هل تكون السنة الجديدة فاتحة انفراج؟!

رأي الملتقى

مع بداية السنة الميلادية الجديدة ٢٠٢١ كان لزامًا إجراء تقييم عاجل لأهم الأحداث ذات الصلة بقضية الشعب السوري وما تشهده سورية من تحولات وما تعانيه من ويلات. السنة المنصرمة كانت حافلة جدًا بالأحداث التي أصابت سورية والعالم عمومًا وتركت آثارها عليها وعلى العالم أجمع أيضًا.
١ – وباء كورونا:
كان انتشار الوباء سريعًا في بلاد العالم فأجبر الجميع على إجراءات احترازية ووقائية غير معهودة وغير مسبوقة غيرت كثيرًا من الوقائع الحياتية للناس والأنظمة والحكومات والدول. وكان لسورية نصيب كبير منها إلا أن الوفيات الكثيرة التي حصدت أعدادًا كبيرة نسبيًا من أبناء سورية ولا سيما الأطباء والجسم الطبي لفتت الأنظار إلى غياب السلطة الحاكمة وتخليها عن أبسط مسؤولياتها تجاه أبناء الشعب السوري أقله في المناطق الخاضعة لسيطرته الأمنية.. فلم تتخذ أية إجراءات وقائية ولم تقدم أية رعاية للناس وكثيرًا ما كانت الخدمات الصحية غائبة أو خائبة حتى في المستشفيات وخاصة الحكومية منها. فكثرت الإصابات فيما ترك الجسم الطبي يواجه الخطر الوبائي بمفرده دونما أية مساعدة حكومية. وإن يكن هذا الاستهتار بالناس وأبناء الشعب سمة ونهج النظام السوري المجرم وليس جديدًا عليه، إلا أنه يؤكد مجددًا عدم أهليته للبقاء أو الاستمرار في حكم سورية وبالحديد والنار.. حتى قيل في هذا الصدد أنه يتعامل مع الوباء بمنطقه الحاقد أي سورية المفيدة بالمعنى الانتقائي الذي أراد منه التخلص من أكبر عدد من أبناء الشعب السوري بما يساعده في بقائه واستمراره.
٢ – الصراع على السلطة والأموال العامة:
كما هي العادة في نهج العصابات كافة وبكل أنواعها حيث تتقاتل عند اقتسام سرقاتها، كانت الخلافات بين أطراف السلطة الحاكمة على اقتسام الأموال العامة المنهوبة وتوزيع الحصص ونسبتها فيما بينهم؛ الدليل الكافي لإثبات طبيعة ذلك النظام الذي يتحكم بسورية وخيراتها ويفتك بشعبها منذ عقود. الأرقام الفلكية لثروات فردية لبعض أجنحة وأطراف النظام ممن مارسوا كل أنواع التشبيح والابتزاز والنهب والسرقة والتسلط على الشعب السوري، تبين مدى توغل أطراف السلطة جميعًا في نهب موارد سورية وتوظيفها لمصالحهم الخاصة الشخصية الأمر الذي يسقط كل شرعية تمثيلية للنظام إياه ويسقط معه كل ادعاءاته بالدفاع عن سورية في مواجهة مؤامرات خارجية؛ فهو شريك أصيل في تنفيذها والتآمر على شعب سورية العربي.
٣ – التصفيات الأمنية:
التغييرات الأمنية وتصفيات ضباط أمنيين كبار يدلل بوضوح على مدى عمق أزمة النظام وفشله التام في إدارة أي شأن من شؤون البلاد بما فيها الشأن الأمني الذي برع أصلاً فيه وتخصص في تفاصيله الإجرامية، فيما يتضح مدى هيمنة قوى الاحتلال الروسي من جهة والإيراني من جهة ثانية وما بينهما من تنافس على الهيمنة تترجمه تلك التغييرات والتصفيات. ما يؤكد أن النظام لم يعد إلا أداة – واجهة للاحتلال الأجنبي سلمه سورية وأباحها له عبر اتفاقيات – تمليك فقط من أجل ضمان بقائه في السلطة والتسلط فقط على رقاب السوريين وأعناقهم.
٤ – الانتخابات الأميركية:
لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأميركية طرف أساسي فاعل في القضية السورية، تحتل جزءً من أرضها وترعى جناحًا انفصاليًا عنصريًا كرديًا على حساب وحدة سورية وهويتها العربية. إضافة إلى تسهيلات لوجستية وعملانية وميدانية لكل من روسيا وإيران وتركيا تمارس أدوارًا وظيفية تتقاطع أو تتكامل ولكنها تبقى في إطار الخط الأميركي العام وضمنا ” الإسرائيلي “.. فضلًا عن امتداداتها في ميليشيات داعش وغيرها تحركها وتستخدمها كيفما تشاء.
واستنادًا إلى وقائع الأحداث منذ اندلاع الثورة السورية والموقف الأميركي المتذبذب منها؛ فقدت الولايات المتحدة كل مصداقية لها في كل المجالات التي تدعي حرصها عليها وتمسكها بها من أول الدفاع عن حقوق الإنسان إلى التمسك بالديمقراطية ورفض التعذيب والاعتقال دون محاكمة وصولًا إلى تحدي قرارات الشرعية الدولية واستعمال الأسلحة المحرمة دوليًا ومنها السلاح الكيماوي وسواه. وجميعها انتهاكات متكررة وأصيلة في نهج النظام السوري وطبيعته الإجرامية؛ دون أن تتخذ أميركا أية إجراءات بحقه كما تدعي؛ مكتفية بالوعود الكاذبة والإدانات اللفظية. ومن اللافت أن بعض النشطاء السوريين راحوا يتطلعون إلى دور أميركي فاعل ضد النظام مع الرئيس المقبل بايدن استنادًا أيضًا إلى تصريحات ومواقف كلامية ووعود لا ترقى إلى مستوى الالتزام.
وإذا كان معروفًا أن سياسة النظام في أميركا لا يصنعها شخص الرئيس وإنما قوة المال والصناعة والسلاح والنفط وهي مجموعة المصالح العملاقة التي تحكم أميركا فعليًا؛ فمن المؤسف أن يستمر بعض السوريين في انتظار موقف أميركي إيجابي لصالح الشعب السوري وهو ما لم يحدث حتى الآن ولن يحدث لأن مصلحة أميركا في بقاء النظام واستنزاف سورية بالوضع الذي هي عليه. خطورة مثل هذا الانتظار أنه يعبر عن قصور في فهم طبيعة الدور الوظيفي للنظام من جهة وإغفال حقائق الموقف الأميركي الذي يلهث وراء مصالحه المادية وأمن الكيان الصهيوني؛ من جهة أخرى. في الجانب الثاني يحول مثل هذا الانتظار الموهوم دون العمل المجدي لتشكيل إطار وطني جامع ينتزع الشرعية الشعبية ويفرض باسمها مطالبه على جميع الأفرقاء ولا يكون مستجديًا على أبواب الدول كما هي حال الائتلاف.
إن تلاعب الأميركيين ببعض أطراف ” المعارضة ” كان أحد أسباب التيه والضياع وعدم تبلور الإطار الوطني الحر الموحد. فيما تبخرت كل الوعود الأميركية وتحولت إجراءات يعاني منها الشعب السوري ذاته وليس النظام كما هو الحال في قانون قيصر.
قد يكون مفهومًا للبعض انتظار دعم أميركي على قاعدة الدفاع عن الديمقراطية؛ في بداية الثورة أما أن يستمر هذا الانتظار إلى الآن فهو غير مفهوم وغير مقبول وغير لائق بأي سوري وطني حر شريف.
٥ – معارضة ” المعارضة:
كانت ظاهرة ارتفاع الصوت الوطني السوري ضد الائتلاف ومنصاته التفاوضية وسحب شرعية تمثيله لأي خط وطني؛ ضرورة ملحة بعدما وصل التردي والفساد والارتهان للنفوذ الأجنبي إلى درجة فاقعة مرفوضة لا بل أصبح يشكل خطرًا على مصالح الشعب السوري وتواطؤ على تضحياته وشهدائه ومعتقليه ومطالبه أيضًا.
إننا في ملتقى العروبيين السوريين نرى أن هذا التعبير عن رفض الائتلاف وسياساته ونهجه؛ من قبل التشكيلات الوطنية السورية قد تأخر كثيرًا وأنه كان مطلوبًا منذ عدة سنوات. ولو كان تم لأمكن توفير كثير من التضحيات وحماية كثير من الأرواح وإنقاذ أموال كثيرة وصرفها في مساعدة الشعب السوري وفي تنمية المناطق المحررة وتعزيز مقومات صمودها. أما وقد حصل وعقد مؤتمر وطني وتتوالى اللقاءات والأنشطة لبلورة التمثيل الوطني الصحيح؛ فإن ملتقى العروبيين يحذر من تكرار تجربة امتداد نفوذ القوى الأجنبية إلى الإطارات المزمع تشكيلها. كما نرى أنه ما لم تتوفر لها الاستقلالية الوطنية التامة وحرية القرار والعمل فإنها سوف تقع في ذات المطبات المربكة والمعيقة وقد تتحول إلى أداة بيد تلك القوى الأجنبية فتفقد قدرتها على تمثيل الإرادة الشعبية وقيادة النضال الشعبي.
٦ – وفاة حاتم علي:
كان وقعها على الشعب السوري محزنًا باكيًا نظرًا لما مثلته أعماله الفنية المبدعة من تعبير حر عن الواقع الشعبي من جهة وعن وحدة الهوية والمصير التي تشد أبناء الشعب السوري إلى تاريخهم الواحد وبالتالي إلى مصيرهم الواحد أيضًا.
لقد كان الحزن العام على حاتم علي عاطفة شعبية صادقة تثبت تهافت كل الدعوات والمشاريع الطائفية والمذهبية والانفصالية العرقية العنصرية.. لقد أكدت وحدة الحزن السوري الشعبي على وفاته أصالة الهوية الوطنية الواحدة الجامعة لكل السوريين وصحة تمسكهم بهويتهم الواحدة وانتمائهم الوطني الموحد. وهذا يشير إلى المستقبل الذي لا يمكن إلا أن يقوم على أسس الحرية الوطنية والهوية العربية المتحررة من الاستبداد والقهر والظلم والعنصرية والطائفية أيضًا. وهي الأسس التي كان حريصًا على إبرازها في أعماله الدرامية والتاريخية وهي التي أكسبته نجاحه وشعبيته ومحبة الناس له.
إن ملتقى العروبيين السوريين يتمنى أن تكون السنة الجديدة فاتحة انفراج وخير على شعبنا الأبي المنكوب وطلائعه الوطنية الحرة الشريفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى