بعد مرور عام على إقرار الإدارة الأميركية “قانون قيصر” لمعاقبة النظام السوري، بعد مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه في 19 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، ومرور ستة أشهر على دخوله حيّز التنفيذ الفعلي في 17 يونيو/حزيران الماضي، يتواصل فرض حزمات العقوبات على هذا النظام لتصل إلى ست مساء أول من أمس الثلاثاء، ولتصبح شاملةً 110 أفراد وكيانات من النواة الصلبة للنظام، أو الداعمين له بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى الرغم من أن القانون صمّم لإجبار النظام على الانخراط جدياً في المسارات السياسية الرامية لإيجاد حل للأزمة السورية، من خلال حصاره عبر العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، إلا أن الواقع، حتى الآن على الأقل، يشير إلى عدم تجاوب النظام مع كل هذه الضغوط وما سبقها من عقوبات أميركية وغربية. إذ لا يزال، وبدعم من حلفائه، لا سيما الروس والإيرانيين، يماطل في الانخراط الحقيقي بأي عملية سياسية. وقد برز ذلك بشكل رئيسي من خلال تعاطيه السلبي مع مسار اللجنة الدستورية. وتبقى الأسئلة حول الخيارات الأخرى لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وما إذا كان لديهم المزيد من الأدوات الأخرى، غير العقوبات الاقتصادية والسياسية، لإحداث خرق أو تغيير حقيقي في سلوك النظام، يجبره على الجلوس جدياً إلى طاولة التفاوض وصياغة الحل النهائي للأزمة السورية.
هذا السؤال طرحته “العربي الجديد” على الممثل الأميركي الخاص للتواصل بشأن سورية، جويل ريبرون، خلال إيجاز هاتفي مع الصحافيين خصصه للحديث عن الحزمة الأخيرة (السادسة) من العقوبات فور صدورها مساء أول من أمس الثلاثاء. وأشار ريبرون في معرض رده على السؤال إلى أنه “لا يجب التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية، إذ يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جداً مع مرور الوقت”. وتابع ريبرون: “مضت ستة أشهر على دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، ونرى أنه ليس لنظام الأسد وحلفائه رد عليه، بمعنى ليس لديهم أي رد على الضغط الاقتصادي والعزلة السياسية التي فرضت بموجب هذا القانون، وأعتقد أنه يمكن مراقبة ما سيحصل في الأشهر المقبلة لنرى أنه سيكون لهذا الضغط تأثير أكبر لناحية تقييدهم وإجبارهم على التوصل إلى حل سياسي، والتخلي عن سعيهم لغزو عسكري في نهاية المطاف”.
إلا أن ريبرون أشار إلى أنّ هناك “بعض الأدوات الأخرى التي يمكننا استخدامها، والتي نعتزم استخدامها”، موضحاً إياها بالقول: “ثمة الكثير من أدوات المساءلة (المحاسبة)، على سبيل المثال يتم اتخاذ بعض إجراءات إنفاذ القانون الآن، وكذلك بعض إجراءات العدالة الجنائية، وأود أن أشير مثلاً إلى المحاكمات التي تقوم بها ألمانيا لبعض الأعضاء الرئيسيين والسابقين في نظام الأسد بسبب الفظائع التي يُزعم أنهم شاركوا فيها. وأعتقد أنكم ستشهدون على المزيد من الأمور المماثلة، ولكن المحصلة النهائية هي أنه ثمة نطاق واسع من الضغط”.
وشملت الحزمة السادسة من العقوبات الأميركية والتي صدرت مساء الثلاثاء، حوالي 18 فراداً وكياناً من الداعمين للنظام، في مقدمتهم أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام بشار الأسد وعدد من أفراد عائلتها. كما شملت العقوبات لينا محمد نذير الكناية وهي مسؤولة في مكتب رئاسة الجمهورية، وزوجها محمد همام مسوتي لكونهما يديران أنشطة تجارية لصالح أسماء الأسد وزوجها. وطاولت العقوبات كذلك اللواء كفاح ملحم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السورية، إلى جانب عدد من الشركات الاقتصادية المهمة، على رأسها البنك المركزي، وتلك التي يستخدمها النظام في تعاملاته المالية والاحتيال على العقوبات الغربية.
وعلى الرغم من أنّ أسماء الأسد كانت في طليعة من شملتهم العقوبات بموجب قانون “قيصر” خلال حزمته الأولى، إلا أنّ الإدارة الأميركية أعادت زج اسمها في الحزمة الأخيرة إلى جانب والدها وعدد من أقاربها الذين تستخدمهم في إدارة أنشطة تجارية لصالحها وصالح زوجها بشار الأسد. وترمي الإدارة الأميركية من ذلك إلى زيادة الحصار على أسماء الأسد الباحثة عن دور قيادي داخل النظام، بعد تحجيم دور متنفذين تقليديين ضمن الدائرة الضيقة للنظام، لا سيما رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وعدد من المقربين منه.
في السياق، رأى الصحافي السوري أيمن عبد النور، وهو باحث وعضو المجلس الاستشاري عن سورية في “معهد الشرق الأوسط” بواشنطن، أنّ هناك “مروحة من الأدوات التي يمكن استخدامها للضغط على النظام في المرحلة المقبلة”، معتبراً في حديث مع “العربي الجديد” أنّ “تعيين جويل ريبرون كمبعوث أميركي خاص لسورية حرك الملف السوري بشكل كبير على أصعدة عدة، بعد أن كان أصابه الكسل في ظلّ إدارته من قبل السفير جيمس جيفري. والآن العقوبات أصبحت أعمق، إذ طاولت المصرف المركزي والعديد من أفراد عائلة أسماء الأسد”.
وتابع عبد النور: “يضاف إلى ذلك، تحريك الدعاوى القضائية، ولا سيما تلك التي قدمتها منظمات سورية أمام القضاء الألماني، وهذه سياسة جديدة، وستستمر ليس فقط في ألمانيا، وإنما في دول أوربية أخرى، إذ نتوقع أن تتكرر هذه الخطوة في كل من النمسا والنرويج والسويد. كما يتم التنسيق بين 45 دولة لمقاضاة النظام ومحاسبته بسبب ارتكابه جرائم باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين”. ورأى عبد النور أنّ “هذه المروحة الكبيرة من الأدوات كفيلة بزيادة الضغط على النظام، ولا سيما عند تحريك قضايا الجرائم الكيميائية”، مشيراً إلى أن “هناك 64 حالة استخدام سلاح كيميائي مثبتة على النظام. وبالنسبة للقضاء في الدول الأوروبية، فمن الممكن أن نرى في المستقبل ملاحقات للكثير من أفراد النظام، علاوة على الضغوطات المالية والاقتصادية وعدم قدرته على تلقي المساعدات حتى من حلفائه، وهذا كله سيجعله يعيد حسابته، فإما ينهار داخلياً أو يقبل بتطبيق القرار الأممي 2254 (المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية) مرغماً”.
وإلى الآن، يبدي النظام عدم اكتراث بالعقوبات الأميركية والغربية المفروضة عليه، سواء بموجب “قانون قيصر” أو ما سبقه من عقوبات أميركية وأوروبية، إذ لا يزال يراوغ في سبيل التملص من الدخول جدياً في مسارات الحل السياسي، وذلك بالرهان على الحسم العسكري. ما يعني أن على الإدارة الأميركية المقبلة أن تفكر في وسائل ضغط أخرى لإجبار النظام على الذهاب للمفاوضات، في حال أرادت إنهاء الصراع.
المصدر: العربي الجديد