صدر منذ أيام الجزءُ الأول من السيرة الذاتية للسيد رياض سيف، بعنوان “رياض سيف سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ”، عن دار الجديد في بيروت، وقد شارك في تحرير الكتاب الكاتبان: أكرم البني، وأسامة عاشور، وقدّم له الباحث جاد الكريم الجباعي.
يقع الكتاب في 321 صفحة، وقد احتوى على بابين: الأول بعنوان (من الصناعة إلى التشريع) وقد تضمن سبعة فصول، تحدث فيها رياض سيف عن تجربته في مجال الصناعة، وعن تجربته كنائب مستقل في مجلس الشعب، وعن مشاركته في ربيع دمشق، وإنشاء منتدى الحوار الوطني. وختم هذا الباب بالحديث عن اعتقاله ومحاكمته وسجنه الأول؛ وتضمن الباب الثاني ثمانية فصول، تحدث فيها عن خروجه الأول من السجن، وتجربته في إعلان دمشق، وسجنه الثاني، وعن استقالته من رئاسة الأمانة العامة لإعلان دمشق.
وبالرغم من أهمية ما كتبه السيد رياض سيف، فإن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات على ما تضمنه هذا الجزء من سيرته الذاتية، وهذا لا يقلّل أبدًا قيمة التجربة المهمة التي أراد أن يضعها -مشكورًا- بين يدي القراء في سورية والعالم العربي.
الملاحظة الأولى: تجاهل السيد رياض سيف محاكمة زميله النائب مأمون الحمصي
على الرغم من أن رياض سيف قد خصص ما لا يقل عن 25 صفحة في كتابه، للحديث عن محاكمته التي جرت مع محاكمة زميله النائب السابق مأمون الحمصي، فقد لوحظ تجاهل سيف التام لمحاكمة زميله التي كانت تجري بالتزامن مع محاكمته، في المحكمة والقاعة نفسيهما، وكانا يُحضران معًا من سجن عدرا إلى جلسة المحاكمة، ويجلسان جنبًا إلى جنب في قفص محكمة الجنايات، ويغادران المحكمة معًا برفقة الشرطة إلى سجن عدرا بريف دمشق. وظلاّ يحاكمان معًا أشهرًا عدة، حتى صدر الحكم بحقهما بالسجن خمس سنوات، وكانت وسائل الإعلام العربية تنشر أخبار محاكمتهما معًا، وكذلك البيانات الصادرة عن هيئة الدفاع وعن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية. بل إنهما خرجا من السجن معًا في اليوم نفسه، بعد قرار السلطات السورية إطلاق سراحهما، في 18 كانون الثاني/ يناير 2006.
أفلا تستحقّ المزاملة في المجلس النيابي، ومن ثَم في سجن عدرا وفي جلسات المحاكمة وقفص الاتهام، من السيد رياض سيف، الإشارة إليها، ولو بسطر واحد؟
الملاحظة الثانية: تجاهل السيد رياض سيف دور المحامين الذين تولوا الدفاع عنه
لم أجد تفسيرًا واحدًا لعدم ذكر رياض سيف إشارة إلى المحامين الذين تطوعوا للدفاع عنه وعن المعتقلين، حيث إنه لم يُشر -ولو بكلمة واحدة- إلى جهود المحامين، لا في سياق حديثه عن اعتقاله الأول، ولا الاعتقالين الثاني والثالث. وكان من بين هؤلاء المحامين مَن قطع مئات الكيلومترات من شمال وشرق ووسط سورية، للمشاركة في الدفاع عنه وعن زملائه المعتقلين.
أقول هذا الكلام ليس لأني محام، ولا لأني كنت جزءًا من هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير، فهذا أقل الواجب الذي كنّا نمارسه، وما زلت أعدّ نفسي مقصرًا في الدفاع عن المعتقلات والمعتقلين. إنما أقول ذلك، لأن عدم الإشارة إلى جهود هؤلاء المحامين هو إجحاف وظلم بحق هؤلاء المحامين الذين تحمّلوا كلّ المخاطر لأجل الدفاع عن المعتقلين، وقد تعرّض كثيرون منهم لضغوطات وتهديدات واستدعاءات أمنية متكررة، لترهيبهم وثنيهم عن متابعة الدفاع عن المتعلقين، سواء أمام محكمة أمن الدولة العليا التي ألغيت في آذار/ مارس 2011 أو المحاكم العادية والعسكرية.
وبهذه المناسبة، يُسعدني أن أوجّه التحية إلى كلّ المحامين الكرام الذين كنّا نراهم دائمًا في الصفوف الأولى للدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية، وفي مقدمهم المحامون أنور البني، خليل معتوق، رزان زيتونة، جيهان أمين، حسن عبد العظيم، عبد الله زريق، عبد الله خليل، إبراهيم ملكي، إبراهيم الحكيم، هيثم المالح، عبد الهادي عباس، سامي ضاحي، مهند الحسني، فيصل بدر، حسين عيسى، والراحلون عبد المجيد منجونة، وبهاء الركاض، وغيرهم كثير لا يتسع المجال لذكرهم في هذه العجالة.
ولا بد لي هنا من أن أشير إلى أن بعض هؤلاء المحامين فُصلوا من النقابة، نتيجة نشاطهم الحقوقي، ولا سيما دفاعهم عن المعتقلين، هذا فضلًا عن قيام المخابرات السورية بشن حملات تخوينٍ لتشويه سمعة المحامين الذين يدافعون عن المعتقلين، ومحاربتهم بلقمة عيشهم، من خلال تخويف الناس وتحذيرهم من توكيل أي من هؤلاء المحامين.
لا أحد منّا يطلب ثناءً ولا مديحًا على واجب قُمنا -وما زلنا- نقوم به، لكن الحديث عن الاعتقالات والمحاكمات السياسية، سواء لشخصيات وطنية وسياسية أو لناشطين وكتاب وإعلاميين، لا يكتمل، ولا يستوي أبدًا، دون أن يقترن بالحديث أيضًا عن جهود هؤلاء المحامين في الدفاع عن المعتقلين، وتقديم كل عون لهم، ماديًا وقانونيًا وحتى نفسيًا، ولا سيما أن بعضهم دفع حياته ثمنًا، لنحيا، كحال المحامين برهان سقال ومعن الغنيمي وعماد الدروبي وعبد الهادي شيخ عوض.. الخ، وآخرين دفعوا حريتهم ثمنًا لننال حريتنا، وفي مقدمهم المحامون خليل معتوق، رزان زيتونة، ناظم حمادة، عبد الله خليل، رجاء الناصر، وكثيرون اختفى بعضهم قسريًا منذ سنوات في سجون الأسد، وبعضهم في سجون “جيش الإسلام”.
ومع ذلك، يبقى الحديث عن تجربة شخصية وطنية، كتجربة السيد رياض سيف، حديثًا مهمًا، وتستحق هذه التجربة أن نقف عندها ونطّلع عليها، خاصة لمن لا يعرف تفاصيل تلك التجربة التي خاضها السيد رياض سيف في مجال الصناعة والتشريع والسياسية، وهو صاحب الشخصية الوطنية التي لعبت دورًا مهمًا في مقارعة الاستبداد، على امتداد سنوات طويلة، على الرغم من كل الآلام التي عاناها وما زال يعانيها حتى اليوم.
وكل الأمل أن يستكمل السيد رياض سيف نشر سيرته الذاتية التي قيل إنه كتبها في ثلاثة أجزاء، نشر منها الجزء الأول، بانتظار أن ينشر الجزأين الثاني والثالث اللذين يتعلقان بتجربته بعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، وبعد اضطراره إلى الخروج من سورية، وبدء مرحلة سياسية مختلفة خارج سورية.
ولطالما أعلن رياض سيف مشكورًا وضع خصوصية تجربته، بحقائقها وتفاصيلها، في مُتناول الجميع، عسى أن تساعد في استخلاص العِبَر والدروس للأجيال القادمة، وإن من حق “شعب سورية العظيم”، كما وصفه في كتابه، أن يكون على بيّنة من كل خفايا تجربته غير المعروفة، بدءًا من تجربته في المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهيئة التفاوض، وكل تلك الهياكل، ورؤيته لما سمّي بالمناطق المحررة، وصولًا إلى موقفه من الأكراد، وقوى المعارضة، والفصائل المسلحة والعسكرة بشكل عام، وكذلك موقفه من التدخلات الإقليمية والدولية في سورية.
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة