الثورة أسقطت النظام، ونحن الآن في صدد: الانتقال الى نظام جديد
صمود شعبنا هو الذي أحبط محاولات إعادة تأهيل العصابة
المعارضة القديمة انتهت، وامامنا اليوم مهام جديدة، تحتاج قوى مختلفة
وصلت عبادة الفرد في سورية أن رجال الدين تحولوا لعبادة الصنم!
س 10 – هل ما جرى في سورية (ثورة) أم مجرد (انتفاضة غضب) تكاثرت برياح الاقليم؟؟
ج – في النهاية الكلمات ليست مقدسة. هناك شعب ثار على نظام غاشم بسبب القهر والاضطهاد والبؤس، ويريد تغيير النظام بنظام يحترم حقوقه ويشاركه في تقرير مصيره لا يتسلط عليه وينهب موارده ويحرمه من السعادة وفرحة الحياة. ليسمي كل فرد ذلك كما يشاء المهم ان نفهم المضمون ونتفق عليه.
س 11- هل تعتقد أن هذه (الثورة) كانت مؤهلة لإسقاط نظام توتاليتاري عات؟
ج – لا توجد ثورة مؤهلة لإسقاط نظام واخرى لا. كل ثورة مغامرة تاريخية كبرى يرمي فيها شعب كامل بنفسه من دون شبكة حماية، ويلعب مصيره من اجل غايات تبدو له عظمية وتستحق الموت، ولا يهمه عندما ينطلق فيها إذا ما كانت ستنجح او ستفشل. اقصد لا يضع هذا في حساباته، ولو وضعها منذ البداية لما فعل شيء. لأن كل عمل كبير يستدعي المخاطرة، والثورة بحد ذاتها هي المخاطرة الأكبر، في كل زمان ومكان، لأن الشعوب تلعب فيها كما ذكرت مصائرها ومستقبلها وأرواح ابنائها. وهذا هو المعنى العميق لشعار: الموت ولا المذلة. السؤال ليس هل كانت الثورة مؤهلة لاسقاط النظام، وإنما هل كان لدى السوريين خيارات اخرى غير الثورة للتخلص من نظام الإذلال والعنف والفساد والاختناق؟
س 12 – هل تكفي تظاهرات الشارع وانتفاضة المحتجين ، لنقول إن ما يجري (ثورة) قادرة على صنع التغيير ؟
ج – الثورة بحد ذاتها فعل ولحظة التغيير بامتياز. وهي باندلاعها تدلل على حصول التغيير. لو لم يتغير مزاج الناس وأفكارهم ومشاعرهم وتطلعاتهم ما قامت الثورة . لا يوجد حدث يعبر عن التغيير روحا ومادة أكثر من الثورة.
س 13 – هل تنجح جميع الثورات في تحقيق غاياتها النهائية اي تغيير نظام الحكم، وأكثر من ذلك بناء نظام الجمهورية الحرة والديمقراطية ؟
ج – هذا هو التحدي لجيل ما بعد الثورة. شرف الجيل الذي ثار أنه امتلك الشجاعة الخارقة ، بل الأسطورية التي أشعلت الانتفاضة على جلاديه العتاة وفرض إرادته وعبرت عن مطالبه وتطلعاته . لم يصل إلى غايته القصوى، ولا توجد ثورة واحدة في العالم بلغت غايتها القصوى من الانتفاضة الاولى . وحتى استقرت الجمهورية الفرنسية احتاج الأمر إلى سبعة عقود. لكن المهم ان تكسر قوقعة الاستبداد وتفقس بيضته حتى تستحيل العودة إليه. وباعتقادي هذا ما حققه الشعب السوري ، وإن بتكاليف باهظة ، زادت أثمانها بسبب التدخلات الدولية المعادية ، ولن تتوقف التضحيات أيضا في المستقبل القريب. وهنا يصدق قول الشاعر ( شرف الوثبة ان تبغي العلى … ظفر الواثب أو لم يظفر ) .
بمجرد قيامه بالثورة أعلن الشعب السوري تحرره وصار كل فرد فيه سيد نفسه. لا تنظر الآن إلى ماء الولادة المعكر دائما وبالضرورة، أنظر إلى الوليد وانتبه ان لا ترميه مع ماء الولادة من دون انتباه.
س 14 – وما رأيك بمن يرى أن الانتفاضة العفوية عام 2011 لم تكن مهيأة لتحقيق ما يتمناه الشعب لأن شروط تحولها ثورة منظمة بأداة واحدة، وبرنامج سياسي توافق عليه الغالبية ويدعمه المجتمع الدولي لم تتوفر ؟
ج – كلام محبطين ، ما كان يمكن ان نسمعه قبل وصول الثورة إلى ما وصلت إليه. كيف يمكن لشعب أمضى نصف قرن تحت حكم الارهاب والحرمان من اي وسيلة للتواصل بين افراده، ومن الكلام والتنظيم، أفرغت جميع مؤسساته وعقول أبنائه منذ الصغر من اي فكر، واحتلت عبادة الشخصية الصنم محل الاديان جميعا، واجبرت رجال الدين انفسهم على العمل لخدمتها ، والتحول الى رجال دينها ، أن يخرج هذا الشعب من فم الوحش جاهزا للسير والتفكير والتنظيم ، وبرنامجه السياسي في جيبه ، وبموافقة المجتمع الدولي الذي ساهم في عزله لأربعين عاما ، ولم يظهر في أي مناسبة تضامنا ولو لفظيا معه؟ وهل كان الاستبداد ونظام العبودية استمر خمسين عاما لو لم ينجح في تمزيق الشعب وتحطيم بنياته وتفريغه من نخبه وقادته ورموزه او حتى من المتعاطفين معه؟
الرد على جميع هذه الاسئلة هو ان احدا لا يصنع ثورة في انبوب اختبار. وبالتالي لا احد يملك السيطرة عليها او توجيهها ما لم يكن قد اعد نفسه لاحتواء جزء من تطلعاتها والسير بها وخوض المعركة إلى جانبها ومن اجل تحقيق أهدافها. وهذا ما تقوم به الاحزاب الثورية السابقة على الثورة اذا وجدت. والحال نحن لم تكن لدينا لا احزاب ثورية ولا اصلاحية. لم تكن لدينا احزاب وانما صور باهتة عنها، لأنه لم تكن في دولنا فسحة ولو صغيرة للسياسة اصلا، كانت السياسة جريمة، بل هي الجريمة الوحيدة التي لا تغتفر.
من الطبيعي أنه بعد فترة أولى سيطر فيها الجمهور الثائر على نفسه بفعل الانتصار الذي حققه على نفسه والتجرؤ على الانتفاض وأمله بالتغيير وسواد العواطف والروح الايجابية على العواطف السلبية، انتكست المعنويات امام الحرب الدموية التي اعلنها النظام، وأصبح كل فرد وكل مجموعة تبحث عن طريقة مقاومة العنف الواقع عليها بنفسها وحسب ما يتوفر لها من وسائل. فلتت القيادة او الامور من التنسيقيات الشبابية التي كانت تحتمي هي ذاتها بشكل ما ببعض الشخصيات المعارضة السياسية، وتشكلت حركة مقاومة شاملة تغطي اكثر القرى والمدن والبلدات، اعتمدت في البداية على مواردها الذاتية قبل ان تجد نفسها في العراء. وهنا برز دور الجمعيات السلفية والاحزاب الدينية والقومية الانفصالية والدول الاجنبية التي كانت تترصد هذه الفرصة لتتغلغل في الثورة من خلال تقديم السلاح والمال والتحكم بقيادات الفصائل العديدة منها او اكثرها لتحقيق اجنداتها الخاصة.
أصلا لم تكن غاية النظام من جر الثورة الى الحرب او دفع الامور في هذا الاتجاه إلا استغلال غياب القيادة السياسية الواحدة للثورة لتشتيت صفوفها وفرض خيار عليها لا تملك وسائل مقارعته، اعني الحرب الشاملة التي استخدمت فيها جميع صنوف حرب الابادة الجماعية واقتلاع المدنيين من جذورهم وتوجيه تحديات لا تملك اي ثورة شعبية سبل الرد عليها.
س 15 – أخطاء المعارضة وقصورها وتمزقها .. أم خطايا المجتمع الدولي هي السبب في فشل عملية التغيير في سورية ؟
ج – كلاهما . لكن لا ينبغي الحديث عن فشل عملية التغيير في سورية . التغيير حصل بالرغم من كل شيء. وأسد اليوم ليس أسد الأمس ولا نظامه نظامه. والعالم اجمع ينتظر عملية استبداله المحجوزة من قبل الروس والايرانيين دفاعا عن مصالح استراتيجية واقتصادية وسياسية خاصة بهما. لكنه لم يعد يمثل بالنسبة للشعب السوري، بما في ذلك ما كان يعتبر حاضنته الشعبية، سوى مجرد نظام قاتل وصاحب أكبر سجل في المجازر الجماعية والتهجير والتدمير قام بها نظام سياسي في العصر الحديث. وسوف تظهر الوقائع القادمة أننا بالفعل لسنا إزاء سلطة سياسية من أي نوع، حتى سلطة طغيان، وانما في مواجهة عصابة إجرامية تعمل كمافيا دولية ، تحت حماية دولة استخدمت 13 فيتو ، لتعطيل قرارات فضحها وادانتها، وهي تنتظر الفرصة لمقايضة وقف الجريمة بمصالح استراتيجية واقتصادية .
كان من المقبول القول ان الثورة فشلت لو نجح النظام في ايقاف عجلتها في الأشهر الاولى. لكن الدليل على انها لم تفشل حرب السنوات العشر التي شنها النظام عليها والتي تعتبر الاعنف التي خيضت ربما ضد شعب، حتى من قبل قوى احتلال اجنبية، والتي لم توقف مع ذلك اشتعالها. فاستمرت وهي لا تزال مستمرة بعد ان اطلقت روح تضحية وبطولات لا مثيل لها اجهزت في النهاية على نظام من أعتى الأنظمة، يرى فيه المجتمع الدولي اليوم أسوأ نظام عرفه العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ولا أحد يصدق ان من الممكن اعادة تأهيله او التعامل معه بعد ذلك ابدا، حتى مستخدمينه من الروس والايرانيين. هكذا حققت الثورة الهدف المرحلي الأول وحكمت على نظام الاسد بالموت ولو بقي الحكم، لمناحرات اقليمية ودولية، مع وقف التنفيذ.
اما إقامة دولة سورية ديمقراطية تخلف دولة الطغيان فهذا هو الهدف الثاني الذي لا يزال ينتظر التنفيذ. وجمهور الثورة الذي اضطر الى ركوب كل المخاطر ومواجهة الأهوال لايزال لم يتراجع عنه ولن يتراجع عنه، وهو مستمر فيه، كما تدل تظاهراته ومواقف شبابه في مخيمات اللجوء وفي المهاجر والعواصم الأجنبية، وفي الداخل في جميع المناطق، التي يسيطر عليها الان النظام والتي لا يسيطر عليها، وفي كل الميادين: القانونية حيث تتم ملاحقة مجرمي الحرب الذين لايزالون على رأس عملهم والهاربين، والسياسية والدبلوماسية حيث تعمل مجموعات عديدة من النشطاء على استعادة كسب الموقف الدولي والاحتفاظ بالقضية السورية حية في وعي الرأي العام العالمي والعربي، وعلى الصعيد الفكري والاعلامي حيث تفجرت مواهب الآلاف من الشباب السوريين الذين لم يكن لديهم من قبل أي ارتباط او صلة بالعالم أو بالاعلام أو بالمجتمع البحثي والعلمي والفكري، ويكاد لا يمر يوم من دون أن تظهر عشرات المقالات والابحاث والأفلام والفيديوهات التي تدافع عن حق الشعب السوري بالانتقال الديمقراطي وتدين حكم الاسد الذي تحول بالفعل، ليس في نظر السوريين فحسب ولكن في نظر القادة الدوليين والرأي العام العالمي، إلى نموذج للسادية والفساد الشامل والقتل المجاني، بما في ذاك الصحافة الروسية ذاتها التي حاولت المستحيل لتضفي عليه الشرعية والجدارة السياسية.
الثورة مستمرة سواء فشلت المعارضة أو نجحت، وهي في طريقها إلى ان تنشيء ثقافتها وكتابها ومفكريها ومعارضتها السياسية والمدنية ومؤسساتها المدنية التي لن تتأخر حتى تفعل امكانياتها على الأرض السورية ذاتها.
س 16 – ( مجموعة اسئلة اعتذر د . برهان عن الإجابة على كل منها على حدى هي 🙂 ما تقييمك لتجربة الائتلاف الوطني ما الفرق بينه وبين المجلس الوطني، ومن كان وراء تشكيل الائتلاف وانهاء المجلس ؟ وهل تعتقد أن معارضة الداخل، وخاصة هيئة التنسيق برئاسة عبد العظيم كانت قادرة أن تفعل أكثر مما فعلت بحكم وجودها في جحر النظام وبين براثنه ..؟ وهل كان ممكنا تحاشي خيار العسكرة في تجربة الثورة ؟ ما خلاصة رأيك المدعم بتجربتك بأدوار المكونات، وخاصة الاكراد في الثورة ؟ وهل كان بإمكان قوى الثورة السورية تغيير سياسات ومواقف الدول الكبرى ؟ هل كان بإمكانها التأثير في المجتمع الدولي ؟ كيف تلخص وترتب الدول الغربية والكبرى من حيث المسؤولية في تمديد معاناة شعبنا وافشال التغيير ؟ هل كنت تعتقد للحظة في بداية الثورة أن الروس يمكن أن يتخلوا عن النظام والأسد ؟ ما تقييمك للدور التركي في المحصلة سياسيا وميدانيا ؟ كيف تعاملت معكم الدولة التركية كمجلس وطني ومعارضة ؟ هل كان لفرنسا تأثير خاص عليكم .. أو على الثورة السورية ؟ إدارة أوباما : هل ساندتنا جزئيا ؟ أم تنكرت لنا ؟ أم تواطأت ضدنا مع ايران ؟
ج – فيما يتعلق بهذه الاسئلة جميعا يجد القاريء شرحا بالتفصيل لها في: كتاب “عطب الذات وقائع ثورة لم تكتمل”. وعلى جميع الاحوال لم تعد موضوعا مهما اليوم واصبحت الى حد كبير من الماضي. فالصراع كما ذكرت اصبح في مكان آخر، أعني أن معركتنا اليوم تجري من حول بناء القوى الجديدة القادرة على مواجهة تحدي بناء سورية ديمقراطية وحرة. المعارضة القديمة بمجلسها وإئتلافها ومؤسساتها قامت بما استطاعت من مهماتها، في عصر اسقاط النظام، واليوم نحن امام مهام جديدة وتحتاج إلى قوى وادوات جديدة مختلفة تماما.
س 17 – هل أخطأ المفكر الاكاديمي الوطني العلماني الديمقراطي برهان غليون بتعاونه مع الإخوان المسلمين ، والثقة بهم ، والرهان عليهم ؟ وما رأيك بمن يلقي القسط الأعظم من مسؤولية فشل الثورة على أطياف (الاسلام السياسي ) في الداخل السوري ومحوره في الخارج ؟
ج – برهان غليون لم يتعاون مع الأخوان المسلمين ، ولا غيرهم ، وانما سعى إلى إقامة جبهة وطنية عريضة ، تضم ديمقراطيين ، وانصاف ديمقراطيين ، يساريين وليبراليين وقوميين واسلاميين وعرب وكرد ونشطاء ومعارضين مخضرمين ، أعلنوا جميعا التزامهم بسيادة الشعب والتسليم له بالقرار في إطار دولة ديمقراطية مدينة تعددية تساوي بين جميع مواطنيها. وكان الهدف ايجاد بديل سياسي واضح وذي صدقية وفعالية لنظام ارهابي وقاتل بالمعنى الحرفي للكلمة. وهو النظام الذي كان يجعل من الاخوان المسلمين فزاعة ليمزق المعارضة السورية ويضرب بعضها ببعض. ولو انشق جزء من البعث الحاكم لكان ينبغي ضمه. هدف الجبهة التي حاول أن يمثلها المجلس الوطني ليس نشر رسالة ايديولوجية ولا توحيد الايديولوجية السورية ولا تعويم هذا الطرف او إقصاء ذاك، وانما تجميع أكبر ما يمكن من القوى للنجاح في تحقيق هدف واضح ومشترك، هو إسقاط نظام العبودية وإقامة نظام ديمقراطي يسلم الشعب القرار. فمهمة السياسة تغيير الواقع السياسي القائم، أي التغيير المادي للواقع، وليس هداية أحد ولا التبشير بأي ايديولوجية أخوانية كانت أو علمانية. المهم احترام الالتزامات، والوصول إلى نظام ديمقراطي يحترم الحريات الفكرية والدينية والسياسية، وبعد ذلك لكم دينكم ولي دين.
هذا هو اساس شرعية الحكم الديمقراطي. وإقصاء أي حزب او قوة أعلنت التزامها بهذه المبادئ من جبهة العمل ضد نظام الطغيان يعني شرعنة الديكتاتورية والمحاسبة على الاعتقادات. الأخوان ليسوا مجرمين لمجرد انتمائهم لجماعة اسمها الاخوان المسلمون، ولا ينبغي أن نعاملهم كذلك، أي على النوايا والانتماءات، لا هم ولا أي تيار سياسي فكري آخر. ولا ننسى ان تجريم الأخوان وإدانة من ينتمي إليهم بالإعدام قانون سنه الاسد ليستخدمه في تقسيم المعارضة وفرض الاذعان على جميع السوريين. ولا يمكن ان يكون مثل هذا القانون أساسا للعمل في جبهة ديمقراطية او في نظام ديمقراطي قادم. وإلا لم نعد نتحدث عن ديمقراطية ولا حرية العمل السياسي والاعتقاد. فالديمقراطية ليست حزبا او تيارا، الديمقراطية إطار سياسي وقانوني للعمل بين أطراف متباينة المذاهب والبرامج والأهداف، والقبول بالتنافس على السلطة لكن على قاعدة الالتزام بالشفافية واحترام القانون والمبادئ الدستورية المتفق عليها. وهذا مصدر تفوقها كدليل لنظام جمهوري شعبي، وإلا فلا يوجد في الصراع الاجتماعي سوى قاعدة الاحتكام للقوة والحرب الأهلية الدائمة.
ماذا كان مصير الديمقراطية في اوروبا لو أنها قررت إقصاء الأحزاب الشيوعية من صفوف المقاومة ضد الاحتلال النازي في الدول الاوروبية وحرمتها بعد الفوز بالحرب من المشاركة في الحياة السياسية واعتبرتها أحزابا لا ديمقراطية وبالتالي غير شرعية؟ كانت الديمقراطية قضت على شرعيتها نفسها. بينما أظهر الديمقراطيون الاروبيون، بتشريعهم تشكيل أحزاب شيوعية تدعو لديكتاتورية البروليتاريا وهدم الجمهورية الديمقراطية، ان الديمقراطية ليست وسيلة ناجعة لإدارة التناقضات واختلاف الآراء والقوى السياسية فحسب وإنما أكثر من ذلك لاحتواء واستيعاب وهضم القوى المعادية صراحة للديمقراطية.
إذا لم نستفد من هذه التجربة لا ينبغي أن نأمل بالخروج من الحرب الأهلية التي يغذيها بعضنا بإرادته اعتقادا بأنه سيكون هو الرابح الأكبر منها. وبالعكس. ان النتيجة خسارة شاملة للجميع.
هل هذا يعني إما الأخوان وإما المعارضة العلمانية، وفي نظري هذا تمييز سقيم، لأن الأخوان أكثر براغماتية في السياسة، من اليساريين، من وراء وهم سيطرة الحسابات العقائدية، لن يخطئوا في العلاقة مع غيرهم او في التوجه السياسي الخاص بهم او في تعاملهم مع الثورة وأنهم سيفهمون الممارسة السياسية كما افهمها انا أو يفهمها حزب يساري او ليبرالي، وأنهم لن يسعوا إلى غناء موالهم القديم المعهود؟ طبعا لا. وهم ليسوا الوحيدين الذين اتبعوا أهواءهم ولم يعرفوا معنى العمل الجبهوي والتكاملي والتفاعل مع جمهور الثورة والانصات له، وفهم محاور الصراعات الدولية الجيوسياسية والايديولوجية أيضا. ولو كانوا الوحيدين لما حصل ما حصل، ولكان بالإمكان إصلاح الأمر. فقد فاقم من تماديهم وزاد من أخطائهم السلوك المماثل للقوى الأخرى، الضعيفة الانتماء السياسي وكذلك التي لا تزال تنسب نفسها لتيار القومية أو اليسار أو الليبرالية، بالإضافة إلى ضعفها الأصلي وتمزق صفوفها وتناحر قادتها وزعمائها او وجهائها، بحيث وجد الاخوان في الفراغ السياسي والايديولوجي الذي تركته هذه القوى المتناحرة والمتكارهة مجالا واسعا للتمدد والتوسع وانتزاع المبادرة ايضا وعدم السؤال عن أحد.
وليس المجلس الوطني هو الذي شرعن حضور الاخوان كمعارضة سورية. هم كانوا معارضة وجناحا مهما منها، خلال العقود الأربع التي سبقت الثورة، وعضوا في تكتل إعلان دمشق، وما كان من الممكن لا سياسيا ولا أخلاقيا لقوى ديمقراطية ان تعاملهم مثلما كان يعاملهم الأسد اي بقانون الاعدام السياسي بعد الجنائي. كان إقصاؤهم يعني شرعنة قانون 47 الاسدي الذي يبيح قتل الفرد بسبب انتمائه وأفكاره ويشرعن التجريم الجماعي وجعل الانتقام والحقد قاعدة للحياة العامة.
أما الفشل في الثورة فهو كما ذكرت مرفوض كمفهوم في مثل هذه الحالة، تماما كما ان الانتصار الذي يستخدمه اعلام الاسد لا معنى له، وهو يستخدمه للتغطية على الفشل المدوي للنظام في إدارة الازمة ولجوئه الى الحرب والابادة الجماعية والتهجير القسري وتحطيم الغصن الذي يجلس عليه، اي سورية ذاتها. وكما ذكرت انه محكوم بالإعدام مع وقف التنفيذ، وسوف يواجه عاجلا او آجلا حسابه المنتظر. وهو لم يعد نظاما سياسيا بأي حال.
وبالنسبة للأخطاء التي منعتنا من العمل كفريق واحد منتج ومتضامن فهي مسؤولية الجميع ولا يمكن لأحد ان يبريء نفسه منها. وأكاد أقول انها كانت عابرة للأيديولوجيات والمذاهب والتنظيمات.
س 18 – ما هي القوى السورية التي شرعت وصول ووجود المنظمات الجهادية المتطرفة في سورية ورفضت ادانتها.؟؟
ج – شرحت ذلك بالتفصيل في عطب الذات. وينبغي الرجوع إليها لتجنب التبسيطات المخلة بالتحليل الموضوعي.
س 19 – هل كان يمكن للعالم أن يساندنا في اسقاط الأسد بينما القوى المتطرفة هي الممسكة بالأرض؟
ج – نعم كان يمكن قبل ان تسيطر القوى المتطرفة. عمليا لم تصبح القوى السلفية والجهادية المتطرفة ممسكة بشكل واضح بالأرض إلا منذ منتصف 2013. وقبل ذلك كانت قد جرت مجازر عديدة منذ الشهر الثاني للثورة في بانياس والبيضا والحولة وغيرهما لم تحظ برد فعل قوي من قبل المجتمع الدولي. وحتى بعد استخدام السلاح الكيماوي تردد المجتمع الدولي في التدخل. واخفى تردده او عجزه او استسلامه وراء الفيتو الروسي الذي عطل مجلس الأمن . ما من شك في أن سيطرة المتطرفين وبعضهم برعاية الاسد وطهران، أخاف الرأي العام الغربي والعالمي من عواقب سقوط النظام، لكن الحكومات كانت تعرف تماما حقيقة اللعبة وكيف استخدم المتطرفون من قبل النظام وحلفائه وبعض اعدائه ايضا لنقل المعركة الى مكان آخر حتى تصبح ضد الارهاب وتغيب معركة الشعب السوري من اجل حريته وحقوقه.
س 20 – هل ستتحكم ايران بسورية لوقت طويل ؟ هل سيخضع المشرق العربي لتاج الإمبراطورية الايرانية الجديدة ؟
ج – برأيي ان الفراغ لا بد ان يجد من يملأه وان الحيط الواطي يشجع القوى والضعيف على ركبه. وهذه قاعدة اللعبة في العلاقات الدولية عندما يفتقر الاقليم او تفتقر المنطقة الى نظام للأمن والتعاون بين الدول المتعددة التي تقطنها. وهذا ما سعت الدول الاوروبية لتجاوزه بعد حربين عالميتين مدمرتين بتصميمها على بناء اوروبا موحدة تضم الدولتين الرئيسيتين اللتين تسببتا بمعظم الحروب القارية الاوروبية فرنسا وألمانيا. ونحن، اقصد العرب جميعا، ندفع ثمن فشل الحكومات العربية في تطوير أسس التعاون المثمر فيما بينها لتكون طرفا في المنظومة الاقليمية يحسب حسابه، ولا أقول الوحدة او الاتحاد الذي لا يمكنها تصوره لأن كل واحدة منها تعتقد ان البلاد التي تحكمها هي ملكها الخاص لا ملك شعبها، ولا تريد ان تتقاسم ملكيتها مع مؤسسات لا تخضع لإرادة حاكمها الشخصي. ونحن لسنا للأسف إلا في بداية محنتنا في هذا المجال.
س 21 – هل تعتقد أن الثورة السورية انتهت ..؟ وهل سنشهد ولادة ثانية لهذه الثورة في المدى القريب .. أم سندخل مرحلة حالكة تشبه مرحلة ما بعد 1982 ؟؟
ج – أعتقد انها لن تنتهي كحركة فكرية وسياسية شعبية لتحويل الدولة، التي اصبحت امارة خاصة للاسرة الحاكمة، الى وطن حقيقي لمواطنين احرار يتصرفون في بلدهم كأسياد لا كعبيد. ولكنها سوف تستمر بطرق ووسائل مختلفة عن الانتفاضة الشعبية الكبرى، وربما اضطرت ايضا الى العودة إليها. لا نستطيع بعد ان نحكم لكنها بالمعنى التي ذكرت لن تنتهي قبل تحقيق غايتها التي ذكرتها للتو.
س 22 – كيف نساعد على تجديد حيوية الثورة وتصحيح بوصلتها ؟
ج – بأن لا نفقد الثقة بشرعية مطالب الشعب وتطلعاته وقدراته الكامنة وأن لا نتخلى عن الأمل في تحقيقها مهما كان الثمن ومهما طال الزمن ايضا.
س 23 – كيف نتخلص من الاحتلالات والمحتلين .. بالسلاح والمقاومة أم بالمحادثات السلمية والتسويات الدولية ؟
ج – لن نتخلص من الاحتلالات الخارجية ما لم نتخلص من الاحتلالات الداخلية التي تقيد كل شيء فينا: عقولنا وإرادتنا وروحنا ودولتنا ومؤسساتنا ومجتمعنا، والتي تجهض كل جهودنا للرد على التحديات التي تواجهنا.
س 24 – هل ستستعيد سورية كيانها ووحدتها واستقرارها على نحو ما كانت عليه قبل 2011 أم أن ذلك مستحيل ؟
ج – لا يهدد وحدة سورية سوى نظام الطغيان والاحتلال. ولا يوحدها إلا تفاهم أبنائها على قاعدة للحكم تساوي بينهم وتشركهم في القرارات التي تمس مصيرهم، وتمثل تطلعاتهم وتعبر عن إرادتهم في التحرر والأمان والسلام.
س 25 – هل ستبقى سورية أم ستتفتت وتتفكك ..؟ هل سيبقى الأسد أم سيرحلوه؟ هل ستبقى ايران وسورية مسيطرتين عليه ..؟ والى متى ؟؟
ج – ما تعيشه الدولة السورية أزمة متفجرة ناجمة عن تسلط عصبة اجرامية وغير سياسية عليها، وتحويلها إلى إقطاعة خاصة على شاكلة الإقطاعات القروسطوية الاوروبية حيث السيد يملك الأرض والاقنان الذين يعملون فيها، وليس لأحد حق فيها سوى ما يتنازل السيد عنه عن طيب خاطره، وله الحق دائما في استرجاعه. وسوف تستعيد هويتها ووحدتها وتظهر مواهب ابنائها ووحدتهم جميعا حالما تخرج من هذه الأزمة وتنجح في محاصرة الوباء، أي الفساد المتعدد الأوجه، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي والفكري الذي عطل وظائفها وأوهن قلبها وجسدها وأثخنهما.
س 26 – ما هي مهمة النخب المثقفة والسياسية في هذه المرحلة؟
ج – أن لا تنفصل عن شعبها وتتركه وحيدا امام جلاديه ومحتليه.
المصدر: الشراع