تنشر وسائل الإعلام الروسية بين حين وآخر صورًا لمساعدات روسية مقدمة للأهالي في مختلف المحافظات السورية، من درعا إلى ريف دمشق جنوبي سوريا، إلى مدينة عين العرب شمالًا على الحدود السورية- التركية، وريف دير الزور شرقي البلاد.
وتتضمن المساعدات الروسية حصصًا غذائية من سكر وأرز وطحين وشاي، وفي أفضل الأحيان يضاف إليها حليب، وفي نيسان الماضي، حذر ناشطون في الرقة من فساد المواد الغذائية المقدمة ضمن المساعدات.
وبحسب دراسة أعدها معهد “أتلانتيك كاونسل” الأمريكي، حدد خبراء السياسة الروس سياسة بلدهم الرسمية المتبعة سابقًا بالنسبة للمساعدات في سوريا، وسلطوا الضوء على أن النشاط الإنساني الروسي في سوريا يهدف إلى تحسين صورة روسيا في الشرق الأوسط.
بينما ركزت السياسة الروسية منذ 2007، على أنها تستخدم لتقوية مصداقية روسيا، وتعزيز موقف غير متحيز للاتحاد الروسي في المجتمع الدولي.
وتحدثت الدراسة أنه غالبًا ما يتم تجاهل “القوة الناعمة” لجهود المساعدات الروسية في سوريا، مع تنوع الجهود السياسية والعسكرية، فضلًا عن تضخيم أهداف سياستها الخارجية.
وتستخدم روسيا نظام المساعدة المحمي في سوريا لمنافسة نظام المساعدات الذي تقوده الأمم المتحدة، بقدر ما استخدمت محادثات “أستانة” للدول الضامنة، لإعطاء الأولوية لمصالحها خلال محادثات “جنيف”.
إذ يقلل نظام المساعدات الروسي من قيمة وأهمية جهود المجتمع الإنساني الأوسع وينافسها، ويشكل تهديدًا بتقويض الثقة في نظام المساعدات الأوسع في البلاد، ويوفر بديلًا خطيرًا للوضع الإنساني في سوريا في ظل حكم نظام يرأسه بشار الأسد، خاصة أن المساعدات الروسية تركز على الإمداد بدلًا من التأثير، حيث وزعت مساعدات بـ343 موقعًا في سوريا 501 مرة خلال العامين الماضيين، أي بعض المناطق قُدمت لها مساعدات أكثر من مرة، وفق الدراسة.
ولا تخضع الكيانات الروسية لنفس القواعد الصارمة المطبقة على مساعدات الدول الغربية، كالحاجة إلى التسجيل رسميًا لدى النظام، أو الشراكة مع المنظمات غير الحكومية السورية المحلية لتوزيع المساعدات، كما أن روسيا لا تشارك عادة مع الأمم المتحدة أو “الصليب الأحمر الدولي” أو المانحين الدوليين.
ورصدت الدراسة 25 كيانًا روسيًا قدمت مساعدات في سوريا منذ أواخر 2015.
كيانات مرتبطة بالحكومة تروّج لوجهة نظر إيجابية عن روسيا
يؤدي الارتباط الوثيق بين الحكومة الروسية ومنظمات الإغاثة الروسية إلى طمس مبدأين أساسيين يعملان كآلية مهمة لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني ومن يخدمونهم، وهما خط “الحياد” و”الاستقلال”.
كما أن الترويج لوجهة نظر إيجابية عن روسيا في سوريا، يؤدي إلى صرف النظر عن قوتها العسكرية المدمرة، ويعيد فرض رؤية النظام للشراكة الدولية المثالية، ويعزز وينوّع نفوذ روسيا مع الحكومة السورية.
وترتبط كيانات توزيع المساعدات الروسية في سوريا بصلات قوية بالحكومة الروسية، أو تُموّل من قبلها، وهي تتبع إما لوزارة الدفاع وإما للوكالة الفيدرالية.
ويضاف إلى ذلك منظمات تخضع لمساءلة عبر قادة كبار داخل منظمات الإغاثة الروسية، الذين عادة ما يكونون أفرادًا سياسيين نشطين وداعمين للكرملين، أو مرتبطين بمكتب الرئيس كمستشارين، كرئيس “البعثة الإنسانية الروسية”، يفغيني ألكساندروفيتش بريماكوف، ونائب رئيس “جمعية الإخوان المحاربين القدامى” في روسيا، سابلين ديمتري فاديموفيتش.
ولخصت الدراسة ارتباط كيانات ومنظمات المساعدة باعتمادها على اشتراك مسؤول كبير بمهمتي إدارة المنظمة ومسؤوليته الحكومية بأربع فئات، هي العلمانيون، وذوو التوجه الديني لكنهم أكثر ميلًا للحكومة المدنية الروسية، أو العلمانيون، وذوو التوجه الديني لكن لديهم صلة أكبر بالجيش الروسي.
ووفر تنوع ارتباط الكيانات خيارات مختلفة لتوصيل المساعدات اعتمادًا على نوع أو موقع المجتمع المتلقي، إذ يمكن للكنيسة الأرثوذكسية الروسية دعم المجتمعات المسيحية في سوريا، بينما يمكن لجمعية “الهلال الأحمر السوري” تقديم المساعدة بالقرب من الخطوط الأمامية الشديدة الخطورة.
كيف يمكن التخفيف من حدة تهديد المساعدات الروسية في سوريا
يمكن التخفيف من حدة التهديد الذي تشكله المساعدات الروسية، حسب الدراسة، عبر ثلاث توصيات هي:
عدم الاستهانة باستخدام روسيا المساعدات كأداة لـ”القوة الناعمة”.
التعامل مع روسيا بحذر، خاصة من قبل العاملين الإنسانيين على الأرض، الذين يمكن أن يضفوا، عن غير قصد، واجهة من الشرعية على استخدام روسيا السياسي للمساعدات.
بذل جهود قوية لتخفيف نفوذ روسيا على المجال الإنساني في سوريا، ويجب ممارسة الضغط لنقل تقديم المساعدات الروسية إلى الجهات الفاعلة المدنية، وهذا من شأنه أن يخفف من الصورة العسكرية لنظام الظل الروسي للمساعدة، ويقلل من التهديد للمجتمع الإنساني الأوسع.
المصدر: عنب بلدي