انتقلت بلدة عين عيسى، الواقعة في ريف الرقة الشمالي، إلى قلب المشهد السوري، مع احتدام الصراع العسكري عليها بين قوات المعارضة السورية المسلحة، وبين “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تشير المعطيات إلى أنها حسمت خيارها بالقتال للاحتفاظ بهذه البلدة ذات الموقع الاستراتيجي في منطقة شرقي الفرات، والتي لم تشهد استقراراً منذ أواخر العام الماضي، حين تدخّل الجيش التركي عسكرياً فيها.
واندلعت ليل الجمعة – السبت اشتباكات وُصفت بـ”العنيفة” على جبهات بلدة عين عيسى، بين “قسد” والفصائل السورية المعارضة الموالية لتركيا، وفق مصادر محلية، أوضحت أن الاشتباكات تتركز على جبهتي جهبل ومشيرفة في محيط البلدة. من جهته، أكد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن الجبهتين تشهدان “عمليات كرّ وفر”، مشيراً إلى وقوع قتلى ومصابين في صفوف الطرفين. وأكدت مصادر متابعة أن فصائل المعارضة سيطرت نارياً على مخيم عين عيسى، بعد السيطرة على قرية الجهبل وحاجز الجهبل على الطريق الدولي “أم 4″، والمشيرفة ومعلق من الجهة الشمالية الشرقية للبلدة.
وتفجر النزاع على البلدة منذ أيام، وحاول النظام استغلاله عبر مطالبة “قسد” بتسليمه عين عيسى، إلا أن هذه القوات التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، رفضت وزجّت بوحدات مقاتلة للاحتفاظ بالبلدة. وفي السياق، أوضح المتحدث باسم “الجيش الوطني” (قوات المعارضة)، الرائد يوسف حمود، لـ”العربي الجديد”، أنه “لم يحدث اتفاق بين قسد والنظام والجانب الروسي”، مؤكداً أنه “ليس هناك أي قوات للنظام أو للروس داخل عين عيسى”، ومشيراً إلى أن مجموعات من هذه القوات تتمركز في اللواء 93 (يبعد نحو 17 كيلومتراً عن البلدة). وأكد أن تمركز “قسد” لا يزال كما هو داخل البلدة وفي محيطها. ولفت إلى أن حركة النزوح كانت قد بدأت من البلدة منذ شهرين، إثر تسريبات لـ”قسد” مفادها بأن وضع عين عيسى غير مستقر، مؤكداً أن “نحو 70 في المائة من سكان البلدة غادروا وفق شروط لقسد، منها عدم العودة إلى البلدة، مع مصادرة الأملاك”. وبيّن حمود أن ملف البلدة “يدخل ضمن التجاذبات الدولية حول سورية”، متحدثاً عن “مؤشرات عدة على أن البلدة ستكون تحت سيطرتنا، لكن ليس هناك وقت محدد لذلك”.
في السياق، نقلت وكالة “نورث برس”، عن نائب الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية لـ”مقاطعة” تل أبيض، صبري نبو، قوله إن القوات الروسية لا تزال حتى اللحظة “تقف موقف المتفرج” من القصف التركي على بلدة عين عيسى، متوقعاً استمرار هذا الموقف. من جهتها، أكدت مصادر مقربة من “قسد”، لـ”العربي الجديد”، أن هذه القوات نقلت 2500 مقاتل من وحدات “الكوماندوس” التابعة لها إلى عين عيسى، للمشاركة في ردع فصائل المعارضة، والبدء بعمليات مضادة في ريفي عين عيسى وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي.
وتقع عين عيسى إلى الشمال من مدينة الرقة بنحو 48 كيلومتراً، أي أنها في قلب منطقة شرقي نهر الفرات، ما يمنحها موقعاً مهماً، كونها تحوّلت إلى عقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة. وانتزعت “قسد” عين عيسى من تنظيم “داعش” عام 2016، وحوّلتها إلى نقطة تمركز عسكرية لها، إضافة إلى مقر لبعض مكاتب “الإدارة الذاتية”، قبل أن تنقل هذه المكاتب، أواخر العام الماضي، إلى مدينة الرقة مع بدء الجيش التركي عملية عسكرية مكنته من السيطرة على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر وعمق 32 كيلومتراً، يضم مدينتين، هما رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، والتي لا تبعد كثيراً عن عين عيسى. ومن الواضح أن فصائل المعارضة ماضية في محاولة انتزاع السيطرة على عين عيسى، على الرغم مما قد تواجهه من مقاومة من “قسد”، شبيهة بتلك التي حدثت في مدينة رأس العين أواخر العام الماضي، حين واجهت المعارضة مقاومة كبيرة من الوحدات الكردية قبل السيطرة على المدينة.
وفي هذا الصدد، أكد القيادي في “الجيش الوطني” مصطفى سيجري، لـ”العربي الجديد”، الإصرار على انتزاع عين عيسى، واستعادة “جميع المناطق والمدن والبلدات المغتصبة من قبل حزب العمال الكردستاني”.
وكان مراقبون ربطوا تطورات الموقف في محافظة إدلب، لجهة انسحاب الجيش التركي من نقاط مراقبة عدة، وبين ما يجري في شرقي الفرات، مع عدم استبعاد وجود “مقايضة” بين أنقرة وموسكو حول المنطقتين، لا سيما أن الجانب الروسي لم يتحرك حتى اللحظة لإيقاف العملية التركية، على الرغم من أن اتفاقاً أبرم بين الطرفين في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، سمح للجيش التركي بالتوغل 32 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، في حين تقع عين عيسى على بعد 37 كيلومتراً من الحدود السورية التركية. لكن سيجري أكد “أن الحديث عن مقايضة لا يستند إلى أي حقائق ميدانية”، مضيفاً أنه “لا يمكن التفريط بإدلب”. وأكد أن “السيطرة على عين عيسى وعين العرب (كوباني) وباقي المناطق المغتصبة من قبل العمال الكردستاني، مسألة وقت”.
المصدر: العربي الجديد