انتهت الجولة الرابعة من محادثات اللجنة الدستورية التي استغرقت اربعة أيام في جنيف (30 نوفمبر – 4 ديسمبر) في مقر الأمم المتحدة، بإشراف مبعوثها غير بيدرسون بدون أي نتائج محددة سوى تحديد موعد الجلسة القادمة في 25 يناير 2021، ورغم ذلك أبدى رجل الأمم المتحدة رضاه لأن أطراف اللجنة اتفقوا على ” جدول أعمال الجلسة المقبلة “. ويبدو هذا الرضا متسقا مع تصريحاته في بداية الجولة التي قال فيها إنه (لا يوجد تاريخ نهائي، ولا جدول زمني واضح، في ما يخص الانتهاء تماما من عمل اللجنة الدستورية السورية)!
كانت الجولة الأولى من محادثات هذه اللجنة قد جرت في مطلع أغسطس 2019 بعد جمود استمر حوالي عاما ونصف ، واحتاجت تدخلا قويا وشخصيا من الرئيس الروسي لدى بشار الأسد ليقبل هذا ارسال وفده الى جنيف . ووصف المراقبون موقف الاسد ب( التهرب ) من الجلوس مع وفد يمثل (المعارضة) لأنه يعني اعترافا بها . ويقال إن بوتين نفسه ليس أكثر حماسة من الأسد ، إلا أنه تعرض لضغوط من الأمم المتحدة ليتدخل ويسهل انطلاق اللجنة الدستورية ، فاستدعى بشار الأسد الى موسكو ، وأمره بارسال وفده الى جنيف .
وعندما انعقدت الجولة الأولى وجلست الوفود الثلاثة ( النظام والمعارضة والمجتمع المدني في قاعة واحدة برئاسة بيدرسون أعرب هذا عن تفاؤل مبالغ فيه ، وصرح ( هدف اللجنة تلبية تطلعات الشعب السوري ) . ثم عاد ووصف نتائج المحادثات التي جرت بأنها جيدة وعميقة ، ثم رفعت اعمالها الى أواخر اغسطس نفسه .
إلا أن الجولة الثانية اثبتت زيف تفاؤل بيدرسون السابق، إذ انتهت الجولة الثانية بفشل سريع بعد ساعات من بدئها ، لأن وفد النظام رفض جدول الأعمال الذي اقترحه وفد المعارضة وانسحب فورا ، ثم سافر عائدا الى دمشق . وقال يحيى العريضي المتحدث باسم المعارضة إن جدول الأعمال تناول اقتراحا بمناقشة مقدمة الدستور والمبادىء الأساسية ، مما أغضب وفد النظام الذي لا يريد الدخول في صلب القضايا الجوهرية ، ويريد تبديد الوقت في أي مماحكات عقيمة .. وحسب .
واستغرق إعادة اقناع وفد النظام بالعودة الى جنيف تسعة شهور من الوساطات الدولية ،
فجرت الجولة الثالثة في أغسطس / 2020 وقال بيدرسون إنها لم تنجز شيئا ولم تدخل في صلب الموضوع ، وأن الإنجاز الوحيد هو بدء بناء الثقة بين الطرفين لأن خلافات الطرفين عميقة !
وفي مؤتمر صحفي عقده بيدرسون قبيل بدء الجولة الرابعة عدد الديبلوماسي النرويجي المتفائل برنامج رحلاته الى دول كثيرة ، في الشرق والغرب ( روسيا ، إيران ، الامارات ، تركيا ، السعودية ، سورية .. إلخ ) وربما احتاج لاحقا للسفر الى فنزويلا أو جزر القمر ، لتوفير شروط النجاح التي تبدو للمراقبين اشبه بمعجزة في زمن لا معجزات فيه .
ويقال إن وزير بشار الأسد الراحل وليد المعلم كان يوصي وفده قبل سفره الى جنيف بإغراق المحادثات بالتفاصيل الصغيرة وقطع الطريق على القضايا الكبيرة . لذلك لجأ الوفد الذي يتجنب القول إنه يمثل النظام أو الحكومة ، ويصر على أن يسمى نفسه ( الوفد الذي يحمل مواقف الحكومة) لأن في ذلك تهربا من الاعتراف بوفد المعارضة والجلوس معه على قدم المساواة ، إضافة الى أن النظام يقول لمواليه إنه يرفض بحث الدستور مع أي طرف في العالم ، حرصا على السيادة السورية العذراء .
ومن يتابع فذلكات هذا الوفد الذي يرأسه حقوقي يدعى احمد الكزبري يسمع عجبا ، فهو في الجولة الرابعة التي انتهت يوم الجمعة الماضي غيّر اسمه ، فأصبح ( الوفد الوطني ) وكأنه يريد القول إن وفد المعارضة ليس وطنيا .
وفي احدى الجلسات رفع أحد أعضاء الوفد المذكور اصبعه على شكل نقطة نظام معترضا على قول وفد المعارضة إنه يقترح مواد دستورية معينة ، وقال إنه ليس من حق أحد اقتراح مواد دستورية من خارج الدولة ، وأن ما يقوم به المتفاوضون في جنيف ينحصر في اقتراح بعض الافكار ورفعها الى الجهات الرسمية في الدولة ، وهي من حقها الأخذ بها أو رفضها !
وفي بداية الجولة الرابعة فاجأ السيد الكزبري الجميع بطرح مواضيع لا علاقة لها بالدستور من قريب أو بعيد ، طالبا بحث قضية المهجرين واللاجئين ، استكمالا للمؤتمر الذي نظمه النظام وروسيا قبل شهر في دمشق لإعادة السوريين المهجرين من لبنان والاردن وتركيا الى بلدهم بالقوة ، وطالب العالم بتمويل عودتهم ، والمشاركة في إعادة إعمار سورية .
وانتقل الكزبري من هذا الموضوع ليطرح ما سماه الإرهاب والمؤامرة الدولية على سورية ، وقال إن العقوبات المفروضة على سورية من اميركا والدول الاوروبية والعربية هي سبب الأزمات الحالية في سورية ، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتي أوصلت السوريين الى حافة المجاعة والكارثة الانسانية ، علما أن قانون قيصر لا يشمل الحاجيات الانسانية .
وكرر الكزبري أكاذيب نظامه عن مسؤولية (الارهاب) عن تدمير المدارس والمشافي والبنى التحتية ، وقال متفلسفا : إن إعادة الإعمار في سورية من شقين اعمار معنوي واعمار مادي ، وقال إن الحكومة تقوم بالإعمار المعنوي ، ولم يبق سوى الإعمار المادي ، مطالبا بعدم تسييس إعادة الإعمار وملف عودة المهجرين !
وقال أيضا إن إعادة الثروات السورية التي تنهبها الفصائل الكردية ، كالنفط والغاز والقمح والشعير تكفي لو أعيدت للدولة لتغطية كلفة اعادة الاعمار لاسكان المهجرين العائدين .
على هذا النحو من الفذلكة والمماحكة تجري محادثات جنيف من أجل إعداد دستور جديد لسورية .
لقد مرت ثلاث سنوات منذ أن انعقد مؤتمر سوتشي الذي دشن اللجنة وحدد لها المهمة ، وما زالت الحصيلة اربع دورات عقيمة فقط ، حافلة بهذه الصور من اللهو غير البريء والتواطؤ الثلاثي من أطراف اللعبة المملة :
أمم المتحدة عاجزة وفاشلة ، بدلت حتى الآن أربعة مبعوثين الى سورية ، ولم تحقق شيئا سوى منح رخصة قتل الوقت للأسد لاستكمال فصول المقتلة !
ووفد نظام ، لا يعترف بأنه يمثل من كلفوه وأرسلوه ، ولا يعترف ايضا بوجود معارضة في سورية أصلا ، ويصنف هؤلاء الذين يجالسهم ويناقشهم في مقر الأمم المتحدة بالارهابيين ، ويلاحقهم ليقتلهم أو يقبض عليهم .
ومعارضة باتت مستفيدة من السياحة المتكررة الى سويسرا ، لالتقاط الصور وممارسة هواية التدريب على مماحكات يصر جهابذة النظام الحقوقيون على رفض تسميتها مفاوضات ويتمسك بوصفها محادثات فقط ، ويتبرأ من مسؤولية وفده الرسمي المشارك فيها !
والغريب أن هادي البحرة رئيس وفد المعارضة ينافس المبعوث الأممي بيدرسون في الاعراب عن تفاؤله بها ، وإصراره على مواصلتها ، ولا أحد يدري مبعث هذا التفاؤل الزائف سببه سوى بالمصلحة الشخصية والفئوية على حساب شعب حطمه بشار الأسد وحليفاه روسيا وايران .
الأكيد أنه لا مصلحة للشعب السوري بهذا العبث العقيم واللهو غير البريء ، ولذلك فإن ثورة الشعب السوري الحالية ضد (الائتلاف وملحقاته) ستمتد وتشمل (اللجنة الدستورية) لاسقاطها واسقاط الوفد المشارك بها ، وإجباره على مقاطعتها احتراما لعقول الناس .