على عكس ما هو محدَّدٌ في قرارات الأمم المتحدة عن الانتقال السياسي في سورية، ومراحل تنفيذ هذا الانتقال، المُقرَّرة والواضحة في بيان جنيف رقم 1 وقرار مجلس الأمن رقم 2254، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بتشكيل “هيئة حكم انتقالي”، من ضمن مهامها إجراء انتخابات رئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة، على عكس ذلك، قرّر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي حدّدها النظام السوري، في إبريل/ نيسان المقبل. وإذ يشير هذا الأمر إلى جهلٍ بتلك القرارات، فإنه يشير أيضا إلى وجود اللامعقولية في عمل “الائتلاف”، وإلى تخبطٍ وتسرُّعٍ في اتخاذ القرارات. وفي النهاية يدل على غياب المشروع المستقبلي لدى هذا “الائتلاف” الذي لم يستطع، خلال سني عمله السياسي المعارض، صياغة مشروع وطني جامع، يربط الوطني بالتحرّري، وينشر ثقافة المعارضة الحقة بين جمهوره، على الأقل، قبل أن يصبح جاذباً لجمهورٍ آخر، أتى على الإشارة إليه في البيان الذي أعلن فيه قرار خوض الانتخابات.
لم يَحتَج الائتلاف السوري المعارض إلى قرارٍ مثل الذي أصدره أخيراً للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، ليؤكد غربته عن جمهوره وشذوذ قراراته، فهو لطالما كان غريباً عن الجمهور الذي يدَّعي تمثيله، حتى أنك إذا سألتَ لاجئاً في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، أو مخيماتهم في تركيا وتجمُّعاتهم في لبنان، عن هذا الائتلاف، فإنه سينفي علمه بوجوده. ولا يلام هؤلاء؛ إذ أبقى هذا المكون المعارض نشاطه داخل المكاتب في الدول التي يتوزّع أعضاؤه عليها، وخصوصاً تركيا، على الرغم من أنه أكبر مكونات المعارضة السورية. كما لم يرسل مندوبيه إلى هؤلاء اللاجئين للاطلاع على مشكلاتهم، من أجل محاولة تخفيفها، ولن نقول حلها.
جديد هفوات هذا “الائتلاف” إصداره قراراً، في 19 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، يعلن فيه إنشاء “المفوضية العليا للانتخابات” لتقديم شخصيةٍ معارضةٍ منافسة، تخوض السباق الانتخابي في مقابل الرئيس السوري، بشار الأسد، في الانتخابات الرئاسية سنة 2021. وإذ لا يمكن، بكل بساطة، القول إن السبب وراء قراره هذا جهله بالقرارات الخاصة بالحل السلمي في سورية، برَّر قراره بحجة “تهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي”، و”نشر الوعي بأهمية المشاركة الفاعلة في الاستحقاقات الوطنية”. وكان هذا الائتلاف شديد التفاؤل، حين تحدّث أن الانتخابات ستجلب له أصواتاً حتى من المناطق الموالية للنظام في دمشق والساحل وغيرها. وهنالك حيرة في توصيف الدافع إلى حديثه عن أصواتٍ سينالها في مناطق سيطرة النظام، عبر “التعاون والتنسيق مع القوى الاجتماعية والمدنية” الموجودة فيها، هل هو التفاؤل أم الجهل أم الانفصال عن الواقع؟
ومع أن هنالك من الدول من يعترف به ممثلاً وحيداً للشعب السوري، وعلى الرغم من الإمكانات المادية واللوجستية التي توفَّرت له، والسخاء الإعلامي الذي لم يتوفَّر لمعارضةٍ سبقته، لم يتطوَّر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوري ليصبح إطاراً جامعاً للمعارضين السوريين، على هيئة كيانٍ حزبيٍّ، ليستحق هذا الموقع الذي كُرِّس فيه، فلم يستطع أن يُكوِّن حزباً معارضاً، ولا أن يكون إطاراً جامعاً لعشرات الكيانات والشخصيات المعارضة والأفراد الذين يتوزّعون على أرض الوطن، أو في الخارج في المنافي، فوجود مئات الآلاف منهم في أوروبا وحصولهم على صفة اللجوء، أعطاهم القدرة والوقت الكافي لممارسة السياسة في السياق المعارض بحريةٍ، وكان فرصةً لتشكيل حزبٍ من هذا القبيل، وجمعياتٍ تنبثق عنه، فتعنى بهموم اللاجئين وتتابع أمورهم، كما تجهِّزهم لتتخذهم لوبيات ضغطٍ على الحكومات الغربية لحثّها على الضغط، هي الأخرى، باتجاه تحقيق الحل السياسي في سورية. وكانت هذه الخطوة، لو تمّت، كفيلةً بتحشيد تلك القوى والشخصيات والأفراد لخدمة أجندات هذا الائتلاف، لكن عدم اهتمامه بشيءٍ من هذا القبيل يدلُّ على مدى غياب الدراية بأهمية توسيع العمل، وتحشيد الإمكانات من أجل تنفيذ المهام التي تأسس من أجل تحقيقها. على العكس من ذلك، أدّى تكراره الدائم احتكاره صفة الممثل الشرعي لـ “قوى الثورة والمعارضة السورية”، إلى جعل بقية القوى تنزوي وتخور قواها إفساحاً في المجال لهذا “الائتلاف”، حتى يقوم بوظيفته، لكنه لم يفعل.
الآن ومع قرار “الائتلاف” الذي يجافي الصحة، ويبرزه بعيداً عن المسؤولية في اتخاذ خطواته، لم يعد الأمر يسمح بمزيدٍ من تبرئته، على فشله في تحقيق أي مستندٍ يستند إليه الشعب السوري، إذا أراد مقارعة النظام عبر جسم وازنٍ يكون ندّاً لجسم النظام. كما لم يؤسس، هو والمعارضة، لثقافةٍ معارضةٍ لدى جمهور المعارضين، تكون ديمقراطيةً، فتعي ذاتها وتحترم الآخر، وتبتعد عن مجرّد توجيه اللعنات والشتائم للنظام، إلى تشريح المسببات التي دفعتها إلى الثورة عليه، ووضع تصوّرٍ لسورية الغد التي يأمل من خرج ضد النظام العيشَ فيها.
يمكن القول إنه تبيّن أن “الائتلاف” لا يتخذ مواقفه ويصدر قراراته وفق منهجيةٍ معتمدةٍ ومتوافقٍ عليها بين أطراف قياداته التي يجب أن تتخذ مواقف وقرارات كهذه اعتماداً على سياساتٍ وبرامج عمل مستقبلية، بل يبدو أن صبيانيةً تحكُم اتخاذ هذه القرارات، وربما مصالح فردية تدفع نحوها. وتبين ذلك حين تراجع سريعاً عن قرار المشاركة في الانتخابات، بعدما تلقى ما تلقاه من انتقاداتٍ ومطالبةٍ في التراجع، إلا أن تراجعه افتقر إلى صيغة الاعتذار، مع العلم أنه كان من المفترض أن يعقبه استقالة قيادته، وهو ما يؤكّد استمرار التعالي على جمهوره، إن لم نقل عدم احترامه له. أما تأكيده، في بيان القرار، أن “الائتلاف” هو الممثل الشرعي لقوى الثورة والمعارضة السورية، فليس سوى لتأكيد أحقيته دون سواه من قوى الثورة والمعارضة على تمثيل هذه المعارضة في أي انتخابات، ما يعدُّ مصادرة لحقِّ أي معارضٍ، على الأقل، في الترشّح لخوض الانتخابات، ما يدلُّ على استبدال مهمته جامعاً للسوريين إلى نابذٍ رموزهم.
المصدر: العربي الجديد