تركيا تزيد حضورها العسكري في إدلب: استعداد للمعركة أم إعادة انتشار؟

عماد كركص

يتحرك الجيش التركي في إدلب بما يشبه الاستعداد للمعركة، رغم استمراره بسحب بعض نقاط المراقبة التابعة له، وهي الخطوة التي كان البعض قد رأى فيها تراجعاً أمام روسيا، إلا أن محللين عسكريين يرون فيها تعزيزاً لإمكانية مباشرة أنقرة بشن عمل عسكري في إدلب، بإزالة عوامل الضغط عليها من خلال النقاط المحاصرة من قبل قوات النظام.

ويبدو أن النظام بات يستشعر بريبة خطورة إعادة التموضع العسكري التركي في إدلب، وربما وصوله لمعلومات عن نية أنقرة شن عملية عسكرية أو على الأقل القيام بالاستعداد الكافي لصد هجوم مباغت للنظام وحلفائه، وهذا ما بات يصرح به مقربون من النظام.

وقال عضو مركز المصالحة الوطنية عمر رحمون، المقرب من روسيا، إن “تركيا تحضر لمعركة قادمة في شمال إدلب، فسحب نقاط المراقبة وإدخال قوات عسكرية هو استعداد للمعركة”.

وأضاف في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”: “سحبت (تركيا) نقاط المراقبة من المناطق التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري حتى لا تكون أوراق ضغط عليها لاحقاً، وبدأت بإدخال أرتال عسكرية من معبر كفر لوسين وضمها للقوات التركية الموجودة أصلاً بالشمال”.

وكانت التحليلات قد ذهبت بعيداً بشأن “رضوخ تركيا” للرؤية الروسية حول إدلب، إثر لجوء أنقرة لسحب عدد من نقاطها العسكرية المحاصرة جنوبي “منطقة خفض التصعيد” (إدلب وما حولها)، بناء على طلب روسي بذلك، بحسب ما أشارت تسريبات صحافية روسية، قابلتها تعليقات تركية غير رسمية برفض أنقرة لذلك المطلب خلال جلسة تفاوض بين الطرفين.

على الأرض، نشطت حركة الجيش التركي بإعادة التموضع من خلال إعادة نشر وحداته المنسحبة في مواقع استراتيجية وهامة جنوبي إدلب، وتحديداً في جبل الزاوية عند خطوط التماس مع قوات النظام.

ووفق مصادر “العربي الجديد” الميدانية، لجأ الجيش التركي لسحب خمس نقاط من كل من مورك وشير مغار، شمالي حماة، ومعرحطاط، جنوبي معرة النعمان، بريف إدلب الجنوبي، والنقطة الشرقية لمدينة سراقب، شرقي مركز محافظة إدلب، ونقطة قبتان الجبل بريف حلب. كما خفف عدد قواته في نقاط الصرمان، قرب معرة النعمان، والنقاط الثلاث المتبقية في محيط مدينة سراقب، ونقطة تل الطوقان، جنوبي حلب.

وأنشأ الجيش التركي في الأيام الأخيرة نقاطا جديدة في بلدة الرويحة بجبل الزاوية التي تطل على مدينة معرة النعمان، كبرى مدن إدلب من جهة الجنوب والواقعة تحت سيطرة قوات النظام، وتبعد تلك النقطة حوالي 2.5 كيلو متر عن قوات النظام في بلدة الدانا، شمالي معرة النعمان. وأنشأ أمس نقطة في تل بدران بالقرب من قرية كنصفرة في جبل الزاوية كذلك. وتشرف النقطة على سهل الغاب بريف حماه من خلال تمركزها على مرتقع، ويفصل بينها وبين قوات النظام المتمركزة في محيط كفرنبل حوالي كيلومترين فقط.

وتشير هذه التحركات إلى عزم تركيا على رسم حزام أو طوق عبر نقاطها بمواجهة قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها المدعومة من إيران وروسيا. وقالت مصادر ميدانية مقربة من القوات التركية في إدلب، إن الجيش التركي يسعى لإنشاء ثلاث نقاط إضافية لإكمال ذلك الحزام، واحدة منها في بلدة كدورة، قرب قرية خان السبل الخاضعة لسيطرة النظام، شرقي إدلب، في حين لم يتم تأكيد موقعي النقطتين الباقيتين من قبل المصادر التي فضلت عدم كشف هويتها.

مصدر إعلامي مقرب من الحكومة التركية، أكد في حديث لـ”العربي الجديد”، أن المسؤولين في أنقرة فكروا جدياً بمباشرة عملية عسكرية في إدلب، لكنه أوضح أنه من غير المعروف ما إذا كانت تلك العملية محدودة لتأمين السيطرة التركية وفصائل المعارضة على ما تبقى من محافظة إدلب، أو عملية واسعة لإجبار قوات النظام وحلفائها على الانسحاب إلى ما وراء حدود اتفاق سوتشي المبرم بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سبتمبر/ أيلول من عام 2018.

وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن تركيا باتت أخيراً مترددة بشأن اللجوء لأي عمل عسكري في إدلب أو إحداث تغيرات جذرية على الميدان. وعلل ذلك بالقول إن أنقرة قلقة حيال تحرك إماراتي ضدها في سورية، ولا سيما بعد التقارب الكبير بين مصر والإمارات، مشيراً إلى أن هناك تخوفا سائدا حالياً في أنقرة من لجوء الإمارات لدعم روسيا مادياً بتمويل العمليات العسكرية للروس والنظام في إدلب في حال تجددت المعارك.

في المقابل، قال قيادي من فصائل المعارضة المقربة من تركيا، فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديثه مع “العربي الجديد”، إن إعادة انتشار وتموضع الجيش التركي في إدلب، لا تخرج عن إطار الاستعدادات لأي تحرك قادم من قبل النظام وحلفائه، مستبعداً مبادرة تركيا بشن عمل عسكري جديد في إدلب. وأوضح أن تلك الاستعدادات تنسحب على قوات المعارضة التي تخضع لتدريبات يومية، وبشكل مستمر لصد أي تحرك كبير من قبل النظام، كي لا يكون مفاجئاً.

وتخضع إدلب لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا في الخامس من مارس/ آذار الماضي، الذي جاء بعد عمليات عسكرية واسعة للنظام والمليشيات الموالية له المدعومة من إيران وروسيا، بدعم جوي من سلاح الجو الروسي.

وسيطر النظام من خلال تلك العمليات على مساحات واسعة من جنوب “منطقة خفض التصعيد الرابعة”، التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماه الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي.

ودعمت تركيا قوات المعارضة لصد هجوم قوات النظام وحلفائها، إلا أنها وفي الأيام الأخيرة للمعارك شنت عملية عسكرية بشكل مباشر ضد قوات النظام تحت مسمى “درع الربيع”. وكان ذلك في 27 فبراير/ شباط الماضي بعد مقتل حوالي 35 جنديا لها في إدلب. وأعلن المسؤولون الأتراك حينها، بمن فيهم الرئيس أردوغان، أن العملية هدفها إبعاد قوات النظام إلى ما رواء النقاط التركية المنتشرة حول منطقة “خفض التصعيد” تطبيقاً لاتفاق سوتشي وحدودها الجغرافية، إلا أن العملية توقفت بإعلان وقف إطلاق النار دون أن تحقق العملية أهدافها.

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى