خربشات بين الجوانح

أحمد مظهر سعدو

أكتب من قلم مداده الألم والحسرة والندم.. أكتب بنبض القلب ولون الدم الأحمر القاني، وأخط الحرف الهابط من ملكوت فسحة الأمل، التي بقيت بين أشواك السواد الملطخ بمتاهات قوس قزح، وانبثاقات العشق المسجَّى على قارعة الطريق.. أعبر الجسر ليس كأي عابر، فلست بعابر سبيل، ولا عابر سرير، بل أمشي بخطى واثقة، وقلب شغوف حنون، ونبض من تراب الأرض معجون، ومن تأريخ التواريخ مطحون، ومن علامات تعشُّق وتمفصل الحيوات المتوائمة، فأنتج سطراً في الهوى لا يمَّحي، وأخط طريقاً للمستقبل لا يلوي على شيء، أغفو ثم أصحو، ثم أغفو ثم ألاطم الدنيا غلابًا، أتردد قليلاً، ثم أصرُّ، فأكُرُّ، ولا أفرُّ، فلست من الذين يفرِّون، ولست من الذين لا يأبهون.. فحياتي ملطخة بالألم، ومعجونة بخضاب الدم النافر، وعذابات الأزمان الخوالي.. فـي لحظات للأمل، أرنو إلى العمل، القادر على إعادة رسم خريطة طريق على شاكلتي وكينونتي، لا ألزم بها أحداً، ولا أسحب خصلاتها من معين أحد.. خريطة من خرائط الوطن المستباح، ومن عجين الفلاحات، ورائحة الخبز التنوري المقدس، ومن صياح الديكة عند الفجر إيذاناً به.. وهي أيضاً من خلاصة العسل البري المنسوج على عرش ملكة للنحل لا سواها إلاها، وهي كذلك من أنًّات وآهات أمة ما زالت تحلم بعُمَرِ آخر، وعليٍّ آخر، وخالدِ آخر، وأبو عبيدة، وصلاح الدين.. أمة ما برحت حبلى حتى يأتيها المخاض تحت جذع نخلة عربية من العراق أو فلسطين، أو حتى من شبه جزيرة العرب الآيلة للسقوط تحت حراب لمامة أميركية من أصقاع الدنيا.. اجتمعت على المال والدولار، لكنها أبداً لم تجتمع على أي معيار حضاري أو مستقبلي إنساني فهو آخر همها كما يقال.. وعندما أعود الهوينى إلى النوى في الذات المؤنسنسة فيَّ، أجزع إلى الله القادر الوهاب.. وأنفلت في معزوفة لا هوت أبدي يخلصَّ النفس، والبشرية من طاغوت الضجر والبشر، العنف والحجر، وسواد الناس واسودادهم.. ففي جدار الزمن القادم.. ثمة نور بعيد بعيد، بصيص من أمل، وهيام بلا عمل.. في هذا الجدار، رفض للعنصرية، وتمسك وإمساك بأنساق مجتمعية تتكئ إلى قيمة معرفية، وتراكمات وسياقات حياتية نسجت خيوطها من كل تلك الحيوات.. في اسوداد الرؤيا ثمة إشعاعات ثلاث تحيلني إلى صوابية الرؤى والمنظور، تمسك بتلابيب ذاتي بحالة انفراج قمعية أحياناً، وخياراتية أحياناً أخرى.. فأعود وأعود وتهدأ روحي وتركن إلى ما تبقى من الخير الخيِّر في الأنا الأعلى المتموضع رغماً عني بالفطرة، لا بالاختيار، بالطبيعة لا بالجوار، بالعمق لا بالمنظار.. فأخلد إلى لحظات نوم عميق طالما كان بعيداً عني، ولطالما كان يهرب من مقلتي، في البدء وفي المنتهى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى