طالما لم يُغلق ملف إدلب بين الروس والأتراك، فإن هناك مزيداً من التطورات سيشهدها الميدان على الأرض حول المحافظة الحدودية مع تركيا شمال غربي سورية، وكذلك على طاولات التفاوض المتعددة حيالها. وباتت إدلب التي كانت مهمشة لعقود مضت إبان حكم النظام الحالي، تتقاطع معطيات الميدان والمفاوضات فيها وعليها مع ملفات إقليمية أكبر منها حجماً (ليبيا وأذربيجان).
ويبدو ملف إدلب الأعقد بين تلك الملفات، وذلك نظراً للوقت الذي أخذته من مساحة الاهتمام بين الأطراف المتصارعة عليها، في حين باتت التطورات الميدانية شرقي البلاد تذهب باتجاه التأثير على موازين الأرض في إدلب في حال استمرار تنظيم “داعش” الإرهابي بعملياته الخاطفة هناك.
وعزز الجيش التركي وجوده في إدلب قبل أمس الجمعة بإنشاء نقطة انتشار جديدة في جبل الزاوية، وتحديداً في بلدة بليون جنوبي إدلب، ما جعل الجيش التركي على مقربة 8 كيلومترات فقط من أقرب نقطة مسيطر عليها من قبل قوات النظام في مدينة كفرنبل، على السفح الجنوبي الشرقي من جبل الزاوية، بالإضافة لنقطة انتشار تركيا في بلدة البارة القريبة من كفرنبل كذلك.
وتعد نقطة الانتشار التي أنشأها الجيش التركي في بلدة دير سنبل قبل أسبوعين في مواجهة قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها في بلدة حنتوتين، وعلى حدود مدينة معرة النعمان، كبرى مدن محافظة إدلب.
نقطة بليون الجديدة، تُعد الثانية في البلدة والتي دفع إليها الجيش التركي بحوالي 200 جندي إضافة لعدد من الآليات العسكرية، تتشارك مع مثيلاتها من النقاط التي أنشأها الجيش التركي مؤخراً في جبل الزاوية جنوبي إدلب بأنها ذات مواقع استراتيجية مرتفعة تطل على مواقع لقوات النظام. وينطبق الحال كذلك على نقطة بلدة قوقفين في ذات الجبل، والتي أنشأها الجيش التركي على مرتفع إثر سحب نقطة المراقبة التركية التاسعة في مورك شمالي حماه، ذلك الجزء التابع لـ “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها) قبل السيطرة عليه من قبل قوات النظام في العمليات العسكرية الأخيرة قبل توقفها في الخامس من آذار من العام الحالي، باتفاق وقف إطلاق النار بين الروس والأتراك.
وعززت فصائل المعارضة المتحالفة مع تركيا من تواجدها قرب خطوط التماس في محافظة إدلب، سيما مع المحاولات العديدة لقوات النظام والمليشيات المدعومة من روسيا وإيران للتقدم والسيطرة بعمليات التسلسل المحدودة التي أحبطت الفصائل معظمها في جبل الزاوية تحديداً.
وفي الوقت نفسه، لم يتوقف القصف من قبل مدفعية النظام على البلدات الواقعة قرب خطوط التماس في جبل الزاوية جنوبي إدلب، والتي يرد عليها الجيش التركي والفصائل من حين إلى آخر باستهداف مواقع متقدمة لقوات النظام والمليشيات.
وفي حين لم تتوقف تركيا عن إرسال تعزيزاتها إلى إدلب وجبل الزاوية، رغم الطلب الروسي بتخفيض حجم القوات التركية جنوبي إدلب، فإن هذه المعطيات تشير إلى استعداد تركيا والفصائل لصد أي هجوم من قبل النظام وحلفائه نحو جبل الزاوية وجنوبي إدلب بهدف الوصول إلى الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4″ المار من إدلب.
وتتحدث مصادر عن احتمالية لجوء تركيا والفصائل للمبادرة وشن هجوم محدود لتأمين مواقعها جنوبي إدلب، بيد أن هذه الاحتمالية تبقى ضعيفة، في الوقت الحالي على الأقل، كون أنقرة تسعى للحفاظ على الحدود والاتفاق المبرم بينها وبين روسيا، بانتظار ما ستحمله الجولات القادمة من المفاوضات حول إدلب بين كل من مسؤولي أنقرة وموسكو.
وكانت تركيا قد لجأت مؤخراً لسحب ثلاث نقاط من نقاطها المحاصرة من قبل قوات النظام، في كل من مورك و شير مغار بريف حماه الشمالي، بالإضافة إلى نقطة معر حطاط، جنوبي مدينة معرة النعمان بالريف الجنوبي من إدلب، في خطوة تمت قراءتها على أنها تراجع من قبل أنقرة لصالح المطالب الروسية بتخفيض القوات التركية جنوبي إدلب.
وأشارت مصادر تركية مقربة من الحكومة لـ”العربي الجديد” إلى أن سحب النقاط يمثل تطلع أنقرة لعدم الضغط عليها وتهديدها بنقاطها المحاصرة في حال تجددت المعارك وعدم القدرة على إمداد تلك النقاط أو مساندتها.
في خضم ذلك، يظهر تطور جديد على الميدان، إذ علم “العربي الجديد” من مصادر عسكرية من فصائل المعارضة، بأن قوات النظام والمليشيات عمدت لسحب رتل كبير لقواتها من كل من محوري مدينتي سراقب ومعرة النعمان نحو شرقي البلاد، مع تزايد هجمات تنظيم “داعش” هناك، والخسائر التي تتلقاها قوات النظام وحلفاؤها نتيجة هذه الهجمات في البادية السورية.
وأشارت المصادر التي فضلت عدم نشر هويتها، إلى أن النظام حرك يوم أمس الجمعة 35 آلية من بينها أربع دبابات ومدفعان، وسحبها من جبهتي معرة النعمان وسراقب باتجاه البادية، حيث سلك الرتل طريق أثريا – خناصر مكملاً طريقه باتجاه البادية، ويُعتقد أن وجهته بادية دير الزور، حيث تتلقى قوات النظام ضربات عنيفة من قبل تنظيم “داعش”، ما جعلها تفقد عشرات الجنود.
هذا التطور قد ينعكس على إمكانية قوات النظام وحلفائها في إدلب، في حال استمرت حالة الاستنزاف لها شرقي البلاد، كذلك فإن التطورات في درعا قد تنعكس على المشهد، حيث تظهر رغبة النظام بتمكين سيطرته هناك رغم اتفاق المصالحة الهش الذي جرى برعاية روسية في صيف 2018، إذ سيضطر النظام لسحب مزيد من قواته إلى تلك الجبهات، في حين سيراهن على مساندة المليشيات المدعومة من إيران وروسيا في إدلب، وهذا ما سيتم اختباره في حال تجددت المعارك بشكل فعلي وجدي.
كل ذلك يجري على وقع عدم التفاهم على طاولة التفاوض السياسي بين تركيا وروسيا حول إدلب، وهذا ما أفرزته نتائج الجولات الأخيرة سواء في أنقرة أم موسكو، والتي تمخضت عن تفاهم حول انعقاد جولتين من اللجنة الدستورية، دون التوصل إلى حل حيال إدلب، على ما يبدو.
المصدر: العربي الجديد