ترمب قد يعيث خراباً عالمياً خلال الأسابيع العشرة المتبقية من عهده

بورزو درغاهي

عقوبات ومبيعات أسلحة وسحب قوات عسكرية أمور قد تعلن كلها قبل نهاية ولاية سيد البيت الابيض الحالي في 20 يناير.

دونالد ترمب متحرر من قيود الاعتبارات السياسية الداخلية، وساخط بسبب ما وصفه هو ومعاونوه زوراً، بالانتخابات المزورة. ويبدو الآن أن إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته عازمة على إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بمن تعتبرهم أعداءها، وتسعى جاهدة إلى تقديم الخدمات لأصدقائها خلال أسابيع حكمها الأخيرة، مما يثير قلق المراقبين الدوليين الذين يقولون إن تحركاته العنيفة الأخيرة قد تؤدي إلى أذى طويل الأمد.

وقد تستهدف معظم تحركات ترمب العشوائية والمدمرة التي يحتمل أن يقوم بها خلال الأسابيع العشرة الأخيرة من حكمه الولايات المتحدة، بحيث يبث سمّه بشكل أساسي على كبار المسؤولين الذين يصفهم بشخصيات “الدولة العميقة”، ويتهمهم بتقويض رئاسته. إنما حتى محاولاته إرضاء مناصريه في الداخل، ورمي اللحم الأحمر لتغذية قاعدته اليمينية المتطرفة الصاخبة، قد تخلّف تبعات على النطاق الدولي الأوسع.

إيران من بين الأهداف الدولية الأولية في إدارة ترمب، وقد أفادت منظمات إعلامية عدة أن واشنطن تنوي فرض موجة جديدة من العقوبات الإضافية على هذا البلد الشرق أوسطي خلال أسابيعها الأخيرة، بغية تقييد خيارات إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن الذي تعهد بالعودة إلى اتفاق الحد من التسلح، بعد أن تخلى عنه سلفه.

ويسرّع البيت الأبيض كذلك عملية بيع السلاح للإمارات العربية المتحدة وتايوان، مثلما أفادت التقارير، في خطوة تعتبر استفزازية للخصوم في طهران وبكين.

كما لمّحت إدارة ترمب إلى أنها تنوي تصنيف منظمات عالمية كبيرة عدة تناصر حقوق الإنسان، “معادية للسامية”، في محاولة للطعن بصدقيتها.

وقد بدأت بالفعل حملة تطهير لمسؤولين يعملون في مجال الإغاثة الدولية والبيئة والصحة العامة، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لحشر ما تبقى من أجندة ترمب المسماة “أميركا أولاً”، فيما تخفف إدارته نشاطاتها تدريجياً.

وقالت المحاضرة في شؤون السياسات الأميركية في جامعة سيدني في أستراليا غورانا غيرغيتش، “يسود شعور بأنه سيبذل كل ما بوسعه خلال الأيام المقبلة حتى 20 يناير (كانون الثاني) في هجوم خاطف، من أجل ضمان وتمرير كل ما تبقى على أجندته من أمور لم تنفذ خلال السنوات الأربع الماضية”.

وكانت الفترة الانتقالية الفاصلة بين الانتخابات الرئاسية الأميركية وتنصيب الرئيس الجديد تمتد بالأساس حتى 4 مارس (آذار)، لكنها تقلصت إلى 20 يناير (كانون الثاني) منذ 90 عاماً، وهو تقليد من بقايا حقبة غابرة حين كتب دستور الولايات المتحدة في القرن الـ 18، وصُمم لعصر كانت تمر خلاله أسابيع طويلة قبل أن يتسنى لناخبي الولايات الاجتماع من أجل الاقتراع، أو قبل أن ينتقل الرئيس الجديد وعائلته وموظفوه إلى واشنطن.

ويستغل الرؤساء اليوم هذه الفترة من أجل منح العفو لحلفائهم المحتالين، أو أحياناً لاتخاذ خطوات جريئة وجدلية في السياسة الخارجية، مثل التقرب من الخصوم. وغالباً ما تكون الفترة الانتقالية سلسة كما حدث حين بذل الرئيس جورج بوش الابن جهداً كبيراً كي يرحب بالرئيس باراك أوباما، بعد انتخابات العام 2008.

لكن الباحثين يذكرون لحظات من التوتر والخلاف تعود بالزمن إلى حين عيّن جون أدامز مجموعة من القضاة الجدد، قبل أن يغادر منصبه الذي تسلمه من بعده صديقه تارة وغريمه تارة أخرى، توماس جيفرسون في العام 1797، أو حين رفض هيربرت هوفر اتخاذ أية خطوة تحسن الوضع الاقتصادي المتدهور خلال فترة الكساد الكبير، قبل تسليم مقاليد الحكم لفرانكلين روزفلت في العام 1933.

لكن يخشى البعض أن يستخدم الرئيس ترمب الذي يشتهر بحبه للانتقام، وجماعته من الانتهازيين والعملاء الذين تؤثر فيهم جهات خارجية، وعقائديو اليمين المتطرف المحيطين به، هذه الفترة الانتقالية قبل تنصيب جو بايدن في 20 يناير لمتابعة تنفيذ أجنداتهم، والتأثير في العالم سلباً، استناداً إلى اقتراحات أو نصائح هذا المحيط.

وقالت خبيرة التاريخ في كلية إيونا في نيويورك ومؤلفة كتاب “الحكومة” The Cabinet، الذي يتناول موضوع الرئاسة الأميركية، ليندزي تشيرفينسكي، “أثبتت السنوات الأربع الماضية أنه من النادر وجود سياسة خارجية مدروسة بالفعل وبشكل واضح، فالرئيس يفعل ما يشاء بحسب ما تمليه عليه نزواته، وغالباً ما يسبق التصرف الذي يقدم عليه اتصال هاتفي من شخص يعتقد أنه حليف أو صديق”.

وتشير الدلائل إلى أن ترمب بدأ بالفعل التحرك بسرعة. ونقل موقع “أكسيوس” الإخباري أن هدف إدارة ترمب هو فرض سلسلة جديدة من العقوبات على إيران كل أسبوع حتى تاريخ مغادرتها السلطة، في محاولة لتعقيد سعي إدارة بايدن للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق على البرنامج النووي الذي توصل إليه الرئيس باراك أوباما والقوى الدولية، وانسحب منه الرئيس ترمب في العام 2018.

وتعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق الذي فاوض عليه رئيسه السابق، والقاضي بتخفيف العقوبات الأميركية وغيرها من القيود المفروضة على إيران، في مقابل ضبطها برنامجها النووي. لكن على بايدن أن يسرّع الخطى، فقد تُوصل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو (حزيران) 2021 إلى سدة الحكم شخصية متشددة، ربما تكون أقل ميلاً للعودة إلى الصفقة (الاتفاق النووي)، وقد تتطلب العقوبات الإضافية وقتاً، قبل أن يتمكن بايدن من رفعها وفرط عقدها.

وقال المسؤولون العراقيون لوكالة الصحافة الفرنسية، إنهم يتوقعون من الإدارة المنتهية ولايتها أن تفرض كذلك “سلسلة من العقوبات” على المصالح الإيرانية في العراق، مع احتمال أن “يصعّد ترمب الموقف”.

وفرض الرئيس ترمب الأسبوع الماضي عقوبات جديدة على السياسي اللبناني المسيحي جبران باسيل على خلفية فساد مزعوم، في خطوة ادعى حماه، الرئيس اللبناني ميشال عون، أنها جزاء تحالف حزبه مع تنظيم “حزب الله” العسكري والسياسي المدعوم من إيران، والذي تصنفه الولايات المتحدة بالإرهابي.

وقال أحد المسؤولين اللبنانيين لـ “اندبندنت”، إنهم يتوقعون فرض مزيد من العقوبات التي تطال حلفاء “حزب الله” خلال الأشهر السابقة لمغادرة ترمب البيت الأبيض، وفي الوقت الراهن هم “بانتظار ما ستؤول إليه الأمور”.

وتحذر تشيرفينسكي من احتمال إطلاق ترمب صواريخ على القوات المدعومة إيرانياً في العراق، مما قد يؤدي إلى اندلاع جولة جديدة محتملة من التصعيد بين طهران وواشنطن، بعد مرور سنة تقريباً على اغتيال قاسم سليماني، وتوجيه إيران ضربات صاروخية إلى القوات الأميركية انتقاماً.

وقد يذعن ترمب للصقور الموالين لإسرائيل الذين حددوا وجهة مواقفه في الشرق الأوسط، فيجعل وزارة الخارجية تصنف “هيومن رايتش ووتش” و”منظمة العفو الدولية” و”أوكسفام” منظمات “معادية للسامية”، على خلفية انتقادها الانتهاكات الإسرائيلية بحق العرب، ويحث الحكومات الأخرى على عدم التعاون معها.

كما طرد ترمب يوم الجمعة الماضي كذلك نائب رئيس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وهي الوكالة الأميركية التي تقدم الإغاثة الإنسانية والدعم لدول العالم التي تعاني مصاعب، في مناورة قانونية هدفها تثبيت الرئيس المؤقت والموالي له الذي عينته إدارته.

وقالت غيرغيتش، “هذا يعني أن وكالة “يو أس آيد” USAID كسرت شوكتها، ولا أحد يدير موازنتها البالغة 31 مليار دولار”.

كما ظهرت مخاوف جديدة من أنه قد يقتطع التمويل الأميركي للوكالات الأساسية في الأمم المتحدة بعد انسحابه المثير للجدل من منظمة الصحة العالمية هذا العام، ووضعه حداً لتمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين في 2018.

وأخبر أحد مسؤولي الأمم المتحدة “اندبندنت” أن المخاوف والنقاشات ما زالت “روايات متناقلة” في الوقت الحالي، لكن بعض الوكالات تعمل مع فريق بايدن للحصول على تطمينات بإعادة بعض التمويل الذي اقتطع بالفعل.

كما يسود القلق من إمكان استخدام أمر تنفيذي أصدره ترمب قبل أيام من الانتخابات، من أجل إزاحة العشرات من كبار العلماء وأخصائيي الرعاية الصحية الذين يعملون داخل الإدارة الأميركية على قضايا مثل تغير المناخ وجائحة فيروس كورونا، واستبدالهم بأشخاص غير أكفاء موالين لإدارته.

وقد يهاجم ترمب من يعتبرهم أعداءه في الصين، مصدر فيروس كورونا، الذي يعتقد على ما يبدو أنه تسبب بخسارته منصبه، وحلفاء أميركا التقليديين مثل فرنسا وألمانيا اللتين احتفلتا بخسارته علناً، عبر إعلانه عن تغييرات تخل بالاستقرار، من قبيل نشر أو سحب قواته، مما قد يثير الاضطراب ويقوض الثقة بالولايات المتحدة، وإن لم تنفذ هذه التحركات قبل تنصيب الرئيس الجديد.

يمكن عكس مسار كثير من أعمال التخريب الجيوسياسي التي قد يقدم عليها ترمب في 20 يناير، لكن بعضها لن تُعكس.

لقد لمّح حلفاء ترمب بالفعل إلى احتمال الكشف عن معلومات استخباراتية علناً، مثل بيانات استعملت لجمع الدلائل المستخدمة في التحقيق بصلات الرئيس المزعومة بروسيا، والتي قد تضر برأيهم بمن يعتبرونهم أعداء لهم، لكن بإمكانها كذلك أن تعرض مصادر ومناهج عمل (هذه الأجهزة الأميركية) للخطر.

وأضافت تشيرفينسكي، “يقلقني للغاية الكشف عن المعلومات العسكرية. لن أتفاجأ إن كشف السرية عن معلومات وسلمها إلى روسيا. جزء كبير من نظامنا المتعلق بالرئاسة تحكمه الأعراف والسوابق، وليس القواعد والقوانين”.

 

المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى