انتهى (المؤتمر الدولي لإعادة المهجرين السوريين) الذي انعقد في دمشق يومي 11_ 12 نوفمبر/ تشرين ثاني، كما هو متوقع، بفشل ذريع ومدو يضاف إلى سلسلة إخفاقات السياسة الخارجية الروسية في التعاطي مع (الأزمة) السورية، خصوصًا بعد تدخلها العسكري المباشر قبل ما يزيد على خمس سنوات.
روسيا التي دعت للمؤتمر وعملت على عقده طوال الشهور السابقة، وأجبرت أجيرها في دمشق على تقبل فكرة عقده، منيت بخيبة أمل كبيرة في الاستجابة له، فالدول التي شاركت من خارج حلفها الاقليمي والدولي محدودة، وتأثيرها في الملف السوري والسياسة الدولية هامشي، ولا تستضيف على أراضيها مهجرين سوريين، وهو ما انعكس في طبيعة تمثيل تلك الدول الذي كان على مستوى سفراء، أو موظفين من الدرجة الثانية في وزارات الخارجية، إضافة إلى أن تلك الدول ليس لديها الحد الأدنى من القدرة على تقديم أي مساعدة بهذا الشأن، فهي بمعظمها مثقلة بالأزمات وتعاني الضائقة الاقتصادية والمالية، كحال أفخازيا، سيرلنكا، كوريا الشمالية، فنزويلا .
ما زاد في الخيبة الروسية هو اعتذار بعض الدول العربية التي كانت تراهن على مشاركتها وحتى دعمها المالي والاقتصادي، مثل دولة الإمارات العربية التي اعتذرت في اللحظات الأخيرة، وعزي سبب عدم مشاركتها لضغوط خارجية، كما قال إعلام النظام، وكذلك مصر والأردن رغم أنهما معنيتان مباشرة في الأمر حيث تستضيف الدولتان ما يزيد على مليوني سوري ممن هربوا من جحيم مجرمّي الحرب بوتين والأسد الصغير، إضافة إلى عدم دعوة تركيا إطلاقًا دون بقية دول العالم لأسباب سياسية واضحة ومعروفة ، رغم أنها تستضيف الكتلة الأكبر منهم، حوالي ثلاثة ملايين مهجر.
المؤتمر الذي انتهى قبل أن يبدأ، نتيجة الرفض الدولي الجماعي القاطع له، وللمشاركة فيه، يأتي في إطار الجهود الروسية المتكررة لتعويم نظام الأسد، والحفاظ على مكتسباتها في السنوات الأخيرة، من خلال حضورها القوي والمباشر، العسكري والسياسي، ويمكن من خلال قراءة المواقف السياسية، وتتبع مسارها القول إنه مؤتمر روسي بامتياز أكثر منه سوري، ذلك أن نظام الأسد من خلال فلسفة الطاغية الكوني وممارساته وإجراءاته القانونية التي اتخذها يبدو غير معني بعودة أي مواطن مهجر من هؤلاء إطلاقًا، فهم غير مفيدين لسورية التي يريدها على مقاسه ومزاجه.
من السخف والتفاهة السياسيتين أن يدعو للمؤتمر المحتل الروسي، ويستضيفه من كان سببًا مباشراً في المأساة السورية المستمرة منذ ما يقرب من عشر سنوات، وارتكب خلالها الطرفان، الروسي ونظام الأسد، مع حلفائهم الايرانيين وميليشياتهم الطائفية، أفظع جرائم الحرب، والتفنن بأشكال القتل والابادة الجماعية، وقطع كل سبل الحياة، التي دفعت الملايين للهجرة والنزوح، ويحاولون الآن الظهور بمظهر الحريص على اللاجئين بفيض من الانسانية الغامرة، والمسؤولية الوطنية، كما حاول المجرم الدولي، الأسد، في كلمته التي وجهها في افتتاح المؤتمر.
من نافل القول إن المؤتمر الذي أضفيت عليه صفة (الدولي) يقع خارج المسار الأممي لحل القضية السورية، كما عبر عنها في بيان جنيف_1، وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، وهو يضاف إلى بدعة مساري سوتشي وآستانا، في محاولات المحتل الروسي للتجاوز على قرارات الشرعية الدولية، وإرادتها، التي ربطت عودة المهجرين وإعادة الإعمار بالحل السياسي النهائي.
ليست المقاطعة الدولية وحدها ما أجهض مؤتمر عودة المهجرين، بقدر ما ظهر من رفض شعبي سوري قاطع، وحاسم، عبر عنه على وسائل التواصل المختلفة آلاف السوريين المشردين والمهجرين هنا وهناك، ووثقته بيانات ومقالات وتصريحات القوى السياسية، والتجمعات الثورية، بعنوان (هاشتاغ) ومعنى واحد هو: لا عودة إلا برحيل الأسد.
خاب فأل روسيا مرة أخرى، وأكد السوريون مجددًا أنهم لن يقبلوا العودة إلى مسالخ بشار الأسد ومحارقه، التي تقول المنظمات الحقوقية أن قوائم المطلوبين للتوقيف والاعتقال أكثر من مليون ونصف مليون مواطن سوري، هذا إذا لم نشأ الحديث عن الأزمات الاقتصادية المتراكمة، وانهيار العملة الوطنية، وعدم توفر أدنى مقومات العيش ومستلزماته البسيطة، وتفشي الجوع وجائحة الكورونا، وغيرها من الأسباب التي تحول دون عودة آمنة وكريمة للذين هجرهم حلف الأشرار والقتلة والمجرمين.