ترميم أسواق حلب التاريخية. تحت رحمة النظام وميليشياته

خالد الخطيب

للأسواق التاريخية في ذاكرة ووجدان الحلبيين مكانة بارزة، فالمدينة القديمة كانت عبر العقود السالفة تمثل الوجه الحضاري للمكان بما يحتويه من مميزات وعلاقات اجتماعية واقتصادية قللت من همجية التصنيفات الطبقية والفرز الاقتصادي والاستهلاكي الذي نشأ لاحقاً.

في وسط الأسواق القديمة كنت ترى ترابط علاقات الإنتاج بين الريف والمدينة بأبهى صورها، وللتجار القادمين اليها من كل مكان غايتهم من البضائع والسلع والحلي والقطع الفنية المشغولة بعناية على أيدي صنّاعها المهرة.

توقظ مشاريع الترميم التي يعلن عنها بين الحين والآخر في أسواق حلب التاريخية ذاكرة الحلبيين، معارضين وموالين على حد سواء، لكنها وبسبب محدوديتها، مقارنة بحجم الخراب والدمار الحاصل في عدد كبير من أسواقها، فهي لا توحي بأن الوسط التجاري التاريخي سيعود كما كان في وقت قريب. عوامل أخرى تعزز الشعور باليأس من انتعاشة قريبة للسوق، ويمكن تلخيصها في تعامل النظام مع التجمعات العمرانية المدمرة من ناحية العراقيل والعقبات والتي بدا أن جزءاً كبيراً منها هو سلوك عقابي مقصود.

لسوء حظه، أصبح قلب حلب التاريخي خط اشتباك بين قوات النظام والمعارضة السورية منذ منتصف العام 2012، وتقاسم الطرفان أسواقه التي شهدت معارك عنيفة وقصفاً متبادلاً حتى خروج المعارضة من حلب نهاية العام 2016.

تمركزت قوات النظام في تلك الفترة في قلعة حلب وعدد من الأحياء والأسواق الأثرية المحيطة بها. ومن موقع القلعة المرتفع، سيطرت نارياً على الأسواق القديمة التي ينتشر فيها مقاتلو المعارضة، وقصفتها بالمدفعية والهاون ما تسبب باشتعال النيران ودمار الأسقف والقباب القديمة. كما تعرضت المنطقة للقصف بالبراميل المتفجرة ولغارات نفذها الطيران الحربي.

وعملت قوات النظام على تحصين مواقعها في القلعة ومحيطها بحفر الأنفاق وتفجيرها بشكل متكرر. وحفرت المعارضة أنفاقاً في عدد من القطاعات في الأحياء القديمة، وشهدت المنطقة محاولات تقدم مستمرة للطرفين. وتسببت المعارك والتفجيرات في تضرر أجزاء واسعة من الأسواق والخانات، وبعضها دُمّر بشكل شبه كلي.

وبعد خروج المعارضة من حلب نهاية العام 2016 بدأ تجار الأسواق التاريخية في حلب التحضير للعودة إلى أسواقهم وترميمها لكنهم فوجئوا بعراقيل فرضتها مؤسسات النظام الخدمية (المحافظة ومجلس المدينة) عليهم منعتهم من الوصول الى غايتهم. ومن بين العراقيل والشروط التعجيزية التي وضعها مسؤولو مجلس المدينة، أن تتم عمليات الترميم بإشراف مباشر من المجلس وبمواصفات فنية يضعها هو وتتضمن التكلفة المفترضة، إضافة إلى الإهمال المتعمد من قبل المجلس.

وعرقل تمركز المليشيات الإيرانية أيضاَ عودة تجار السوق الذين بات عليهم التعامل مع نظام حاقد وعناصر ميليشياوية. وأبرز التشكيلات المسلحة المهيمنة وسط المدينة القديمة “فيلق المدافعين عن حلب” ويقوده الحاج محسن.

مجلس مدينة حلب أعلن مؤخراً عن انتهاء المرحلة الأولى من أعمال ترميم خان الحرير أحد أهم أسواق حلب التاريخية، وكان يحتوي على محال ومنشآت لتجارة وبيع النسيج والحرير وأنواع الاقمشة المختلفة المصنوعة محلياً، وهو جزء من سوق المجيدية الذي يحوي ثلاثة خانات، الحرير والجاكي والبنادقة. عمليات الترميم تمت بالتعاون بين الأمانة السورية للتنمية ومؤسسة الآغا خان وبإشراف محافظة حلب ومجلس مدينة حلب.

خان الحرير هو السوق الثاني الذي ترممه مؤسسة الأغا خان وسط المدينة التاريخية من حلب بعد سوق السقطية الذي انتهت عمليات الترميم فيه منتصف العام 2019.

وتقدم “الأغا خان” الدعم للعديد من المشاريع في مناطق سيطرة النظام، في الساحل وحمص وحماة ودمشق، وتدعم مشاريع ترميم وتقدم المنح الدراسية. و”الأغا خان” هو شاه كريم الحسيني آغا خان الرابع، رجل الأعمال البريطاني من أصول باكستانية، وهو الإمام التاسع والأربعين للطائفة الإسماعيلية النزارية. وتدعم المؤسسة أبناء الطائفة الإسماعيلية في سوريا الذين يتوزعون في أرياف حمص وحماة وطرطوس. ومن أهم مدنهم السلمية، ومصياف، والقدموس، ونهر الخوابي.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى