أظهر المنشور الأخير لرامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال رئيس النظام بشار الأسد، أن المشكلة التي طفت إلى السطح بينهما قبل أشهر، باتت كبالون يكبر أكثر فأكثر وقد ينفجر في أي لحظة. فقد حمل كلام مخلوف تهديداً واضحاً للأسد، رابطاً إياه بنفاد الصبر، معتبراً أن ما تعرض له “ظلم سيكون حسابه مختلفا بكثير ما بين قبل وبعد هذا الحدث”. بيد أن هذا الحساب لا يملك مخلوف لتحقيقه إلا المواجهة، وذاك خيار سيشعل حرباً داخل الدائرة الضيقة القابضة على النظام، وقد يمتد إلى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها مخلوف والأسد.
وكان النظام قد بدأ بتصفية مخلوف الذي تمدد خلال سنوات كأخطبوط في بنية الاقتصاد السوري، من خلال محاصرته أولاً منذ منتصف العام الماضي، ومن ثم ملاحقته في إبريل/نيسان الماضي، ليتم بعد ذلك تجريده من ملكية الشركات التي يملكها، وأهمها شركة الاتصالات الخلوية (سيريتل) بحجة التهرب الضريبي. ومن ثم جمّد النظام أصول مخلوف في العديد من المصارف كما تم منعه من السفر. ودفعت هذه الخطوات مخلوف لرفع الغطاء عن الخلاف وكشفه إلى العلن، والدخول في حرب إعلامية على صفحته الشخصية، كان واضحاً في بدايتها استمالة العلويين ضد أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، التي تُوجّه إليها الأصابع على أنها صاحبة اليد الطولى في عملية تصفية مخلوف مالياً واقتصادياً، لصالح طبقة جديدة من واجهات النظام الاقتصادية من أقاربها. وتنحدر الأخرس من الطائفة السنية، وهذا الوتر الذي يحاول مخلوف اللعب عليه أمام طائفته.
ويبدو أن مخلوف قد استكان لفكرة خسارته الحرب الإعلامية ولم يبق أمامه سوى الأصعب والأخطر، ليصبح أمامه واحد من ثلاثة خيارات. الخيار الأول يتمحور بالمواجهة المباشرة والمفتوحة مع الأسد، سيستند مخلوف فيها إلى تفوق عائلته اجتماعياً في أوساط الطائفة العلوية على عائلة الأسد، ووجود مناصرين لعائلته ممن يعتبرون آل الأسد حديثي العهد في الوجاهة. كما أن إسهامات مخلوف في إعانة عدد كبير من عائلات الطائفة، سواء من العاملين في مشاريعه، أو عائلات ضحايا أو مصابي الحرب، سيعزز إمكانية توسيع دائرة فريقه في هذا الصراع.
وفي حال تطورت المواجهة إلى صراع مسلح، فإن مخلوف قادر على تأمين وامتلاك السلاح، فعائلته معتادة على ذلك منذ تسلم حافظ الأسد الحكم عام 1970، ومن خلال هذا السلاح كانت تتم حماية الأنشطة التجارية غير المشروعة كالاتجار بالمخدرات والتهريب. كما أن سوق السلاح بحدّ ذاته في سورية بات متوافراً، بالتالي لن يصعب على مخلوف التزود من السوق، لا سيما أنه كان يتخذ من “جمعية البستان” التي يملكها وتعمل بغطاء خيري، شركة أمنية خاصة حصلت على الكثير من العقود لحماية مواقع عسكرية ومنشآت في وقت مضى.
الخيار الثاني، يتمثل بصفقة تجعل مخلوف يتخذ خيار “عليّ وعلى أعدائي” باللجوء إلى تسوية ملفه دولياً بمساعدة غربية وأميركية على وجه التحديد، بكشف النظام وتقديم كل ملفات إدانته وتحديد المكامن التي يرتبط بها مع إيران في سورية بشكل رئيسي، مقابل تخليصه من الحساب أو تخفيفه على الأقل.
أما الخيار الثالث، وهو القبول بالتسوية مع الأسد، وذلك باقتطاع جزء كبير من أملاكه وأصوله وإرضائه بالقليل وإبعاده عن البلاد. وقد سُرّبت خطة روسية في هذا الصدد، على أن يكون للروس حصة وافرة من تركة مخلوف، مقابل السماح له باللجوء إلى موسكو. لكن الواضح أن مخلوف الذي تربط والده محمد علاقات جيدة مع موسكو وكان يقيم فيها، لن يستسلم إلى هذا الخيار، لا سيما بعد موت الوالد منتصف الشهر الماضي، غير أن الخيار كان مطروحاً منذ بداية الأزمة مع الأسد ولم يجد للتطبيق سبيلاً.
من جهته، سيكون الأسد المرتكز على الدعم الروسي أكثر استعداداً للمواجهة، إذ ستسنده قوات الجيش والمليشيات التي أسسها بإشراف كل من إيران وروسيا، بيد أنه ستكون لديه جبهة إضافية قد تكون فاتورتها أثقل عليه من باقي الجبهات من خلال إمدادها وتزويدها. كما سيخشى من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمشكلات المالية داخل بنية النظام الذي يعاني من العقوبات الاقتصادية، لا سيما بعد تطبيق بداية “قانون قيصر” وتصاعد العقوبات شهرياً من خلال الحزم التي تشمل مزيداً من الأفراد والشركات.
ولا يوجد للأسد خيارات حالية سوى تخفيف حدة المواجهة مع مخلوف من خلال تأليب الرأي العام عليه داخل الطائفة العلوية، وتفريغ محيطه من المناصرين لتكون عملية إنهائه أقل كلفة. ولا يبدو أن الأسد نجح في استيعاب المشكلة لصالحه خلال زيارته الأخيرة للقرداحة (مسقط رأسه هو ومخلوف) نهاية شهر أغسطس/آب الماضي واجتماعه بشخصيات من العائلتين لمحاولة تفريغ الاحتقان وطمأنة أنصاره في القرداحة، الخزان البشري الرئيسي لمن يعتمد عليهم النظام بإدارة النظام عسكرياً وأمنياً. وهذا ما أوضحه التصعيد الأخير لمخلوف بإعلان صدور “المرسوم الإلهي” لإنهاء الظلم عليه بحسبه، ما يعني عدم قبوله بالحلول واختيار الذهاب نحو مزيد من المواجهة.
ولن يكون من السهل على الكثير من أبناء الطائفة العلوية اختيار أحد الفريقين في حال اندلعت المواجهة المباشرة، فالكثير منهم باتوا يعتبرون أن الأسد هو السبب لفقدان جزء كبير من شبان الطائفة بسبب سوء إدارته للصراع، ودائماً ما تكون المقارنات معقودة بينه وبين والده في هذا السياق. في حين أن منتسبي الجيش والأمن من متطوعين وضباط سيكون خيارهم الأسد من دون تردد، خوفاً من التفريط بمواقعهم.
ويعمل مخلوف على استمالة الفقراء من أبناء الطائفة بتذكيرهم بمساعداته لهم طوال سنوات الحرب وما قبلها، واللعب على وتر أن بدلائه سيكونون من السنّة أو من أقرباء أسماء زوجة الأسد. وحاول مخلوف أخيراً استعادة تاريخ عائلته كإقطاعيين وملّاك أراض، لعقد مقارنة غير مباشرة بين عائلته وعائلة الأسد وتذكير العلويين بها.
وبدأت الاصطفافات بالظهور منذ بروز الأزمة على السطح، ومن المتوقع أن تزداد مع تفاقمها، وكان دريد الأسد ابن رفعت الأسد عم بشار، قد لمح إلى وقوف مخلوف وراء الحزمة الرابعة من عقوبات “قيصر” في اليوم الأخير من الشهر الماضي، بعد يومين من تهديدات مخلوف بالحساب. ويدخل ذلك في إطار التعبئة لصالح فريق الأسد على الرغم من الحساسية بين أبناء العم، التي يستحضرها إبعاد حافظ الأسد لشقيقه رفعت عن الحكم، واستمرار بشار في ذلك، إلا أن التهديد لمستقبل العائلة سيكون اليوم أكبر.
المصدر: العربي الجديد