مع قرب انعقاد القمة العربية في نهاية آذار/ مارس الجاري، عاد السجال بين الدول العربية حول إعادة سورية الى عضوية الجامعة، بعد تسع سنوات من طردها، ودعوة رئيس النظام بشار الاسد لحضور القمة في الجزائر، وهي أكثر الدول العربية تأييدًا للنظام السوري منذ عام 2011، وظلت طوال السنوات السابقة تطالب بإعادته.
ولم يتغير الموقف بعد تنحية الرئيس بوتفليقة، والتغييرات التي طالت اركان النظام الجزائري العام الماضي، ووصول رئيس جديد لرأس الدولة، هو الرئيس عبد المجيد تبون الذي أدلى مؤخرا بتصريحات لقناة روسيا اليوم العربية، مكرراً رفضه لبقاء سوريا خارج مؤسسات العمل العربي المشترك، وأصر على إعادتها. وتبعه وزير خارجيته صبري بوقادوم. ما يعني أنه لن يتغير شيء في العهد الجديد، وأنه من ثوابت السياسة الخارجية للجزائر.
ويشارك عدد من الدول العربية الجزائر في موقفها، كالعراق ولبنان وفلسطين وعمان أولا، ثم انضمت له مصر والسودان وليبيا، وربما الاردن، وهناك احتمال أن تنضم البحرين ودولة الامارات. بينما تقف بقية الدول العربية، وبخاصة السعودية واليمن وقطر وتونس والمغرب وموريتانيا والكويت والصومال وجيبوتي في الجهة المقابلة، وتصر على إقصاء نظام الاسد بسبب فقدانه الشرعية، ووقوعه تحت سلطة إيران.
وجدير بالذكر، أن تصريحات أمين عام الجامعة العربية أحمد ابو الغيط حول هذه المسألة، عكست رغبة في إعادة سوريا ونظام الاسد الى الجامعة ومؤسسة القمة، ولكنه اعترف بوجود انقسام حاد بشأن عودة نظام الاسد، في وقت تحرص الدول الرئيسية كالسعودية ومصر والجزائر والمغرب على وحدة الصف، لمواجهة الولايات المتحدة، على خلفية الموقف من صفقة القرن، وما ترتب عليها.
ولا بد من الاشارة، الى أن الموضوع السوري المطروح على جدول أعمال القمة بقوة، لا يقتصر على الدول العربية المعنية به وحسب، بل هنالك دول عديدة غيرها، لها تأثير وتدخلات فيه, وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة وتركيا وايران, وكلها موجودة على الأرض السورية عسكريا وسياسيا.
ومن المعروف أن روسيا، هي الدولة الأولى التي تحمل قضية عودة سوريا الى الجامعة العربية، والى بقية المنظمات الاقليمية والدولية بهدف تعويم الاسد، وإعادة الشرعية له من الباب العربي.
وكان لافروف وزير خارجيتها، زار غالبية العواصم العربية في العامين الماضيين، طالبا عدم الاعتراض على عودة سوريا الى الجامعة، لكن مساعيه اصطدمت دائما بمعارضة عربية قوية، إذ اشترطت الدول العربية، التزام الأسد بإجراء خطوات جدية على مسار الحلّ السياسي الداخلي، ينهي حالة الصراع والانقسام الاهلي، كما يشترط قرار مجلس الأمن الدولي 2254/ لعام 2015.
غير أن روسيا ووزير خارجيتها (سيرغي لافروف)، الذي لا يكل ولا يمل، لم يتراجعا عن بذل جهودهما لتجاوز العقبة العربية، وجبهة الرفض التي تقودها السعودية في الدرجة الأولى. وشاهدنا كيف أجبرت روسيا الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، على زيارة دمشق في ديسمبر 2018.
وبموازاة روسيا، تقف الولايات المتحدة، ومن خلفها الدول الأوروبية موحدة ضد تعويم الاسد ونظامه، وضد إعادة الشرعية الدولية له، وشكلتا جبهة متراصة في وجه المساعي الروسية، وصرح الرئيس الاميركي (دونالد) ترامب، بأنه لن يسمح بالتعامل مع الاسد، قبل أن يفي بمتطلبات الحلّ السياسي، وهدد ترامب كل من يتعامل مع نظام الأسد، بعقوبات صارمة.
وكان صدور قانون سيزر في ديسمبر الماضي، قد أكسب الموقف الاميركي مصداقية وقوة، لأنه يتضمن فرض عقوبات شديدة على كل دولة أو كيان أو فرد، يتعامل مع نظام الأسد اقتصاديا أو سياسيا، وهو أمر ينطبق على روسيا وإيران، وأي دولة عربية أو اوروبية.
ولم يعد سراً، أن الادارة الاميركية تحركت بفعالية لإفشال جهود روسيا، وضغوطها الرامية الى اعادة نظام الاسد الى الجامعة العربية ومؤسساتها. كما إن المملكة العربية السعودية لعبت ثاني أهم الأدوار، بعد الدور الأميركي، في إبقاء الأسد خارج الشرعية العربية حتى الآن، وبخاصة قمة تونس السابقة، وقبلها قمة بيروت الاقتصادية، حيث هددت بمقاطعة أي قمة أو اجتماع يحضره ممثل عن نظام الأسد.
وفي أوائل عام 2018، حصل لقاء غير رسمي في الأردن، ضمّ وزراء خارجية ست دول عربية، هي: مصر والاردن والسعودية والامارات والبحرين، وقد عبر فيه وزير خارجية السعودية عادل الجبير، عن امتعاض بلاده من اعادة العديد من الدول العربية علاقاتها مع نظام الاسد، من دون مبررات، ولا تقدم على مسار الحلّ السياسي. ونقل الجبير تهديدا من حكومته بمراجعة علاقاتها مع أي دولة تطبع علاقاتها مع نظام الأسد. وكان لهذا الموقف الحازم، أثره القوي والسريع في تجميد مسلسل التقارب التدريجي مع دمشق، من قبل مصر والامارات والبحرين والاردن، فتوقف مسلسل التعاون والتقارب بين مصر والاسد، وفتح السفارتين البحرينية والاماراتية.
وللأسف، لعبت إيران دورا مستترا، في المساعي المبذولة لإعادة عميلها السوري الى الجامعة عبر حلفائها، وبخاصة العراق ولبنان وعمان، بل والجزائر، التي تربطها بإيران علاقات جيدة. ولكن الطرف الآخر تصدى لهذه المحاولات بثبات, ووصف وزير الدولة الاماراتي أنور قرقاش السماح بعودة الأسدالى الجامعة العربية، بأنه يشبه السماح لايران بدخول الجامعة العربية!
وتعتبر الجبهة المؤيدة لاعادة الاسد الى الجامعة في القمة القادمة في نهاية مارس الحالي، فرصة مناسبة جدا، بسبب تزايد عدد الدول المؤيدة, وترى في انعقادها في الجزائر فرصة ثمينة, يتعين استغلالها وعدم تبديدها. وتؤكد مصادر مطلعة على ما يدور في الاتصالات العربية – العربية، أن روسيا وايران ليستا بعيدتين عن تحريك هذا الملف عبر الجزائر، لأنها تمثل دولة عربية قوية ذات ثقل ووزن، يمكنانها من توظيف دورها كدولة مضيفة لاتخاذ بعض الخطوات الاستثنائية, ودعوة من تشاء من الدول, وهي تريد أن تحقق هذا الانجاز, نتيجة علاقاتها الخاصة مع نظام دمشق تاريخيا, وهي التي كانت قد اعترضت على قرار طرد سوريا منذ عام 2011 في القاهرة.
وتشير المصادر العربية ذاتها، الى احتمال أن يكون الرئيس تبون قد بحثها في زيارته الخارجية الاولى الى السعودية، خلال محادثاته مع الملك سلمان 26 فبراير الماضي.
وتوحي المؤشرات حاليا، أن الانقسام بين العواصم العربية على أشده, يحكمه ويضبطه توازن عددي بين الطرفين, وكان هناك تخوف من أن يؤدي الى صراع مكشوف داخل القمة أو قبيل انعقادها, وقد يؤدي على الاقل، الى اعتذار عدد كبير من القادة لابعاد الحرج عنهم.
ومن المهم الاشارة، الى أن الملف السوري ليس الملف الاشكالي الأوحد, فهناك خلاف حاد حول ليبيا, والتدخل التركي, وهناك انقسام وخلاف حادان حول الموقف من وجود قوات تركية على الارض السورية, وصراعها العسكري مع قوات الأسد, وهناك أيضا انقسام أقل حول الملف اليمني, بل وحول الموقف من التدخلات الايرانية، في كل من العراق واليمن وسورية ولبنان.
ولا يمكن لأي قمة تنعقد، أن تتجاهل مثل هذه الملفات الاشكالية الشائكة. كما يستحيل التوافق عليهما. ما يعني في المحصلة وجود أزمة عربية محتملة وخطيرة، بدأت تترك انعكاساتها على وحدة الصف العربي, وعلى جدول اعمال, توافق عليه جميع الدول الاعضاء.
ويبدو أن التشاورات توصلت في النهاية الى حل مؤقت، هو تأجيل انعقاد القمة ثلاثة شهور، من نهاية مارس الحالي الى نهاية شهر حزيران/ يونيو المقبل. والحجة المعلنة ليس الملفات والخلافات السياسية، بل حالة الطوارئ العالمية المعلنة، بسبب انتشار فيروس (كورونا)، وما يحمله من أخطار، حسب ما قاله أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط، في أثناء زيارته الى الجزائر في 29 فبراير، ومحادثاته مع وزير خارجيتها صبري بوقادوم.
التأجيل هروب الى الأمام، وهو مخرج مقبول ومبرراته مفهومة، ولكنه لا يحل أيًا من المشكلات المطروحة، فما العمل؟
الموعد البديل المقترح للقمة قريب، ولا يتوقع أن تتغير المواقف من نظام الأسد خلال ثلاثة شهور، ولا من الصراع في ليبيا، ولا من القتال في شمال سوريا، بين تركيا، وكل من الاسد وروسيا. كما لا يتوقع أن ينتهي كابوس كورونا.. فما العمل…؟!
المصدر: المدار نت