في صلب الجمود المُدمر في السياسة اللبنانية، انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وما يترتب عليها من نتائج ومفاوضات في المنطقة. لكن الساسة اللبنانيين المحسوبين على خط “الممانعة”، يختزلون حالة الانتظار الهزلية للرئاسة بما سينتج عنها حيال إيران ودورها في المنطقة.
طبعاً، ينطوي انتظار فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن لوقف الحملة المتواصلة على إيران، على نظرة تبسيطية للسياسة الأميركية وصنعها بين المؤسسات من جهة، وبين الإدارة المنتخبة من جهة ثانية. أي إدارة أميركية بعد الانتخابات، أكانت ديموقراطية أو جمهورية في ولاية ثانية للرئيس دونالد ترامب، ستفاوض الجانب الإيراني على برنامجيه النووي والصاروخي وعلى دوره في المنطقة بأسرها، من المشرق والخليج العربيين الى آسيا الوسطى. هذا تحصيل حاصل بغض النظر عن النتيجة.
لكن المسألة الأساس هنا أن انتظار “الممانعة” للانتخابات الأميركية، يُهمل جانباً مهماً هو سوريا. كيف سيُقارب المرشح الديموقراطي الملف السوري، وما هي انعكاسات ذلك على لبنان؟
التدقيق في الرؤية الديموقراطية للملف السوري، يُظهر التزاماً بتصحيح لأخطاء إدارة الرئيس باراك أوباما وعدم القيام بما يجب. وهذا الندم الأميركي يؤشر إلى نهج صدامي على الأرجح مع الجانبين الروسي والإيراني، بهدف اجراء تغيير ورد الاعتبار الى الموقف الأميركي هناك.
في تصريحات لمسؤولين في حملة بايدن إلى صحيفة “ذي واشنطن بوست” هذا الشهر، ورد أن المرشح الديموقراطي سيعمل على رفع مستوى الضغط على الأسد، ومواصلة عرقلة إعادة الاعمار حتى وقف الاعتداءات وتقاسم السلطة. بحسب المصدر ذاته، بعض المسؤولين السابقين في إدارة بايدن يرى في هذه السياسة نوعاً من تصحيح الخطأ ورد الاعتبار بعد فشل ذريع في تحقيق أي تقدم يُذكر. طوني بلينكن، مستشار الشؤون الخارجية لبايدن، والنائب السابق لوزير الخارجية الأميركي، عبر عن ندمه في حديث مع الصحيفة “لأننا فشلنا في منع الخسارة الفادحة في الأرواح، وتحويل الملايين إلى لاجئين أو نازحين، وهذا أمر علينا التعايش معه”، لكن “هذه قضية (أي سوريا) ندرسها جيداً ولو تبوأنا المسؤولية، علينا أن نعمل من أجلها”.
ليس الندم هنا وحده دليلاً أو مؤشراً حاسماً على تبدل درامي في السياسة الأميركية حيال سوريا، في حال فوز بايدن، بل هناك مؤشرات وتصريحات أخرى، بعضها على ارتباط بالقضية الكردية والتزام ديموقراطي أشد بها. ذاك أن بايدن ينتقد الرئيس ترامب على تقاعسه في دعم الشركاء الأكراد في سوريا، والتلويح بالانسحاب. وبايدن معروف بعلاقته المتينة بالقادة الأكراد في العراق، والتزامه إلى حد ما بشراكة أميركية مع أكراد سوريا (رفض استخدام تعبير حزب إرهابي في وصف “بي يي دي”، وانتقاد شديد لتركيا).
الأهم أن هناك تشكيكاً في أوساط خبراء السياسة الخارجية الأميركية، ومنهم السفير فريدريك هوف، في أن يُعيد بايدن انتاج سياسة أوباما حيال سوريا وايران. بيد أن ايران كانت ضمن حسابات عدم التدخل عسكرياً في سوريا، وفقاً لهوف في مقابلة إعلامية له.
وهوف السفير والديبلوماسي الأميركي المخضرم، كان مبعوثاً الى سوريا (ولبنان أيضاً)، ويرى أن من المستبعد تلكؤ بايدن في التفاوض مع الجانب الإيراني حيال سياساته في المنطقة (في سياق العودة للاتفاق النووي الإيراني)، متوقعاً أن تنتهج أي إدارة ديموقراطية جديدة سياسة أكثر حزماً حيال الأسد وروسيا وايران في سوريا. وجود بلينكن (النادم على أخطاء أوباما في سوريا، وفقاً لما سبق) على رأس فريق السياسة الخارجية في حملة بايدن (وبلينكن مرشح لتولي وزارة الخارجية)، يعني أيضاً أن السياسة الأميركية المرتقبة حيال سوريا، ستكون أكثر حزماً بغية تصحيح هذا الخطأ التاريخي في سجل إدارة أوباما.
الأرجح أن واشنطن ستعمل على تحقيق تغيير في سوريا، على أن يشمل إرضاء الأكراد بحكم ذاتي بعيداً عن الدولة المركزية، ومن خلال الضغط على روسيا وايران للتنازل عن الأسد ودفع النظام لمشاركة السلطة أو مواجهة الانهيار نتيجة العقوبات.
بكلام آخر، ما قد تكسبه “الممانعة” التي تنتظر فرجاً أميركياً حيال ايران، ستخسره في سوريا.
المصدر: المدن