يصف مسؤول سوري سابق زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، على رأس وفد كبير لدمشق، بمهمة نزع التوتر والتأسيس لعلاقات جديدة، شكلها الخارجي اتفاقات اقتصادية، لكن مضمونها تحديد المصالح بعد عودة إيران بقوة للساحة الاقتصادية السورية، والأهم برأي المسؤول السوري، ضمان استرداد الأموال الروسية التي ضختها موسكو منذ عام 2015.
ويرجح المسؤول السوري الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن روسيا تخشى الوضع الجديد، بعد تحول رجال الحرب، وبجميع الأطراف، إلى ساسة ورجال أعمال، وهو برأيه ضوء أميركي لإعادة تسويق نظام بشار الأسد وحتى بعض المعارضة، ولكن بشكل حضاري اقتصادي، ابتداء من القادة العسكريين الذين دخلوا مجلس الشعب، وصولاً لنهج تغيير المعارضة العسكرية والمليشيات، كما حصل بقوات سورية الديمقراطية وهيئة تحرير الشام.
ويلفت المسؤول خلال تصريحه لـ”العربي الجديد” إلى أن آخر اهتمامات روسيا، تحسين الوضع الاقتصادي والتنمية “وإلا، لرأيناها ساهمت بإطفاء الحرائق التي التهمت جبال الساحل ومناطق الغاب وحماة، على الأقل، كما فعلت مع حرائق إسرائيل وتركيا”.
وبحسب مصادر إعلامية، سلمت روسيا أمس حكومة النظام السوري مشروعا اقتصاديا يشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، وهو ما أكده نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف خلال مؤتمر صحافي عقده و وزير خارجية النظام السوري بالعاصمة السورية.
وبحسب مراقبين، ترك نائب رئيس الوزراء الروسي الكرة بملعب نظام الأسد حينما قال “سلمنا الجانب السوري مشروعا روسيا للاتفاقية الاقتصادية الجديدة، لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو حاليًا قيد الدراسة، وهو عند السوريين” تاركاً موعد تلقي الرد النهائي لزيارته المقبلة خلال كانون الأول/ديسمبر المقبل.
ويقول المهندس سمير رمان لـ”العربي الجديد” إن “المفاجأة بالنسبة لنا أننا لم نر متابعة بالإعلام الروسي لهذه الزيارة، فعدا وكالة “ريا نوفوستي” لم تأت وسيلة إعلامية لتغطية الموضوع، رغم ما يمكن قراءته من أهمية لمّح إليها بوريسوف عبر 40 مشروعاً تركها لحكومة الأسد للدراسة، تتعلق بالطاقة والبنى التحتية ومحطات توليد كهرباء”.
وذكرت معلومات أن الهدف الأساس للزيارة، هو تثبيت الاتفاقات السابقة لضمان استرداد الإنفاق العسكري الروسي الذي قدره بنحو 3 مليارات دولار، عدا القروض والأموال التي استثمرتها موسكو منذ عام 2017 بمجالات الطاقة على نحو خاص. حيث إن روسيا بوضعها الراهن، لا يمكنها الوقوف بوجه العالم للإقلاع بعملية إعادة الإعمار رغم كل ما تقوله من تصريحات للاستهلاك الإعلامي للداخل والخارج، ففضلاً عن وضعها المالي الذي لا يمكنّها من هذا العمل بالنظر لكلفة إعادة الإعمار التي تتجاوز 400 مليار دولار، هناك شروط أوروبية وأميركية واضحة وحازمة، ولا يمكن البدء بالإعمار قبل تحقيقها.
وتباينت مواقف سوريين وردود أفعالهم حول “العودة الروسية الجديدة” ففي حين يرى رجل الأعمال فراس طلاس أن زيارة بوريسوف هي اقتصادية بحتة، بعد أن قام نظام الأسد في عهد الأب والابن باستملاك الشاطئ السوري كلهـ يأتي بوريسوف لدمشق ليفتح الطريق لنقل ملكيته من حكومة الجمهورية العربية السورية الى دائرة روسية خاصة ستقوم ببيعه تحصيلاً لما تنفقه روسيا في سورية.
ويقول لؤي حسين رئيس تيار بناء الدولة “تنظيم سياسي معارض” إنه “خطأ كبير الاعتقاد بأن روسيا ستقدم دعماً مالياً لسورية، أو أي نوع من الدعم العيني، وذلك برأيه لأسباب عديدة، من بينها أنها ليس لديها الإمكانات المالية والاقتصادية لتقدم مثل هذا الدعم، فضلاً عن أنها دولة موجودة لخدمة مواطنيها وليس لخدمة مواطني الدول الأخرى، وليس لها مصلحة في التصعيد مع الولايات المتحدة التي حذرت المجتمع الدولي برمته من الإقدام على أي خطوة في عملية إعادة بناء ما هدمته الحرب في سورية. ورهنت سماحها بإعادة الإعمار بإنجاز تسوية سياسية لا يكون الرابح فيها روسيا”.
ويضيف الحسين خلال منشور على “فيسبوك” أن “الحديث الروسي اليوم عن السعي لتحقيق خرق في الحصار الأميركي يذهب على ما أعتقد في تعديلات ببنية النظام يمكنها أن تكون قادرة على تحقيق مثل هذا الاختراق. وأظن أن هذا سبب مجيء الوفد الروسي إلى دمشق. كما أن علينا ألا ننسى الوفد المشترك من الخارجية والدفاع الروسيتين برئاسة ليفرنتيف، مبعوث الرئيس الروسي، الذي اجتمع بالأسد قبل شهر من اليوم”.
ويقول الأكاديمي السوري عبد الناصر الجاسم لـ”العربي الجديد” كل ما نسمعه من تحليلات وقراءات، يبقى آراء شخصية إن لم يستند إلى معلومات واتفاقات، فالجانب الروسي جاء ومعه “حل مرحلي” ورماه على طاولة نظام الأسد “وهو برأيي تغيير ببنية النظام وتثبيت ملكيات روسية وضمانات لاستعادة الأموال” والخبر اليقين سيأتي من الأسد ومدى انعتاقه من القيود الإيرانية وتفكيك ترابط وتضارب المصالح بين موسكو وطهران.
ويضيف الجاسم أن روسيا كرست وجودها منذ ثلاث سنوات وقت أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين عام 2017 أن بلاده ستكون الوحيدة بقطاع الطاقة السورية، عبر اتفاقات طاقوية، نفط وغاز وكهرباء، وحصلت على استثمارات طويلة الأجل لمدة 49 عاما وأدخلت هيمنتها حيز القانون عام 2018، من خلال الاتفاقات التي تمخضت عن اللجنة المشتركة والأمر الواقع. وهو ما تم الاعتراف به وقت أعلنت هيئة تخطيط الدولة بدمشق وقتذاك، عن توقيع 18 اتفاقية و30 مشروعاً روسيا بسورية شملت القطاع الصناعي والنفطي والبنى التحتية وحتى التدريب وتأهيل بعض المنشآت.
المصدر: العربي الجديد