
في ذلك اليوم
كنا أنا وحسن النيفي (شاعر الثورة والوطن ) ذاهبين إلى عزاء،
نمشي بخطوات بطيئة
كأن الطريق يعرف مسبقًا
أنه سيقود أحدنا إلى الغياب.
قال لي، وهو ينظر إلى الإسفلت لا إلى وجهي:
في دفاتر مخابرات النظام
هناك خانة اسمها العشيرة.
ليست للزينة…
هي ميزان الرحمة.
ابن العشيرة الكبيرة
تُخفَّف عنه الصفعة،
يُشدّ القيد قليلًا ثم يُرخى،
يُعامل كخطأ قابل للتأجيل.
أما من لا سند له،
أو من كانت عشيرته قليلة،
فيُكتب بجانبه بخط بارد:
(متفرقات).
كأن الإنسان قطعة غيار،
أو مسمارًا سقط من ذاكرة الدولة.
ضحك حسن يومها
ضحكة قصيرة، مكسورة،
وقال:
وعلى ما يبدو…
منبج كلها
كُتبت منذ زمن
في خانة المتفرقات.
لا أحد يسأل عنها طويلًا،
ولا أحد يستعجلها،
تأتيها القسوة بلا اعتذار،
ويصلها الموت
ببريدٍ عادي.
واليوم،
حين أرى جثمان حسن
يتنقل بين المطارات،
ينتظر ختمًا،
إذنًا،
طريقًا أطول من عمره،
أفهم ما كان يقصده تمامًا.
حتى الموت هنا
يُقيَّم،
يُؤجَّل،
ويُعامل حسب الخانة.
وحسن…
الشاعر الذي ملأ الدنيا شعرا،
عاد أخيرًا
كورقة رسمية
عليها ملاحظة صغيرة،
مؤلمة،
ومألوفة جدًا:
من المتفرقات.
الرحمة والمغفرة لك يامانديلا سوريا .وداعا ياأبا عبدالله .



