مياه الجولان.. “قضية استراتيجية في محاولات التوغّل الإسرائيلي”

كفاح حسيان

تقبع خلف الأسباب الأمنية التي أعلنتها إسرائيل لتوسّعها في هضبة الجولان أسباب أخرى طالما كانت المحرّك الأساسي لأطماعها في الجولان حتى قبل احتلاله، عام 1967، وأولها الطمع في مياهه.
فبالإضافة إلى أهميته الجغرافية والعسكرية يعتبر خزاناً مائياً إستراتيجيا يتحكّم بالجزء الأهم من الموارد المائية في المنطقة حيث تُشكّل المياه المنحدرة من قمم جبل الشيخ سواءً من الأمطار أو من ذوبان الثلوج المصدر الرئيسي لأهم الأنهار المغذية لبحيرة طبريا، التي هي أكبر خزّان مائي للمياه العذبة في فلسطين المحتلة ومصدر مهم وحيوي للأمن المائي الإسرائيلي.
الجولان سلسلة جبلية يرتفع في شمالها جدار جبلي شامخ هو جبل الشيخ -أعلى قمة في سوريا بارتفاع 2814 متراً- وهو من أجمل المناطق المناخية في جنوب غربي سوريا وأوفرها بالمصادر المائية.
يقدّر معدل ما يتلقّاه الجولان من مياه الأمطار وذوبان الثلوج 1.2 مليار متر مكعب، ويشتهر بينابيعه ذات المياه العذبة وأهمها نبع بانياس الغزير الذي يغذي نهر بانياس..
فالهطولات المطرية تتراوح ما بين 800 و1000ملم في الشمال، وبين 400 و700ملم في الجنوب والغرب بالإضافة إلى تساقط الثلوج سنوياً خاصة في الأنحاء التي ترتفع لأكثر من 600 متر فوق سطح البحيرة بمعدل 15-20 يوماً سنوياً.
يقدّر معدل ما يتلقّاه الجولان من مياه الأمطار وذوبان الثلوج 1.2 مليار متر مكعب، ويشتهر بينابيعه ذات المياه العذبة وأهمها نبع بانياس الغزير الذي يغذي نهر بانياس، وهو المغذّي الرئيسي لبحيرة طبريا، ويتشكّل من منابع تتفجر من حضيض جبل الشيخ الجنوبي الغربي قرب قرية بانياس في الجولان السوري المحتل.
ويقدّر التصريف السنوي المتوسط لنهر بانياس بـ95 مليون متر مكعب بغزارة قصوى شتوية تصل إلى 16م3 /ثا (متر مكعب بالثانية) ودنيا صيفية تنخفض إلى 2م3 /ثا، وهو أحد أهم روافد نهر الأردن.
بحيرة طبريا كانت ضمن الحدود السورية حتى عام 1923، وقت الانتداب البريطاني الذي ضمّها بعد ذلك إلى فلسطين، وذلك وفقاُ لمصالح الصهاينة ومخططاتهم اللاحقة باحتلال فلسطين والسيطرة على الموارد المائية في المنطقة، كما جاء في مذكرة المنظمة الصهيونية، خلال مؤتمر السلام 1919، بأنّ “جبل الشيخ هو الأب الحقيقي للمياه في فلسطين”.
هذه البحيرة تتميّز بأنها أخفض بحيرة مياه عذبة في العالم باعتبار أن سطح البحيرة يقع على 213 متراً تحت سطح البحر، وكانت مصدر رئيسي من مصادر مياه الشرب في إسرائيل، وهي جزء من مشروع شبكة توصيل المياه الإسرائيلة الذي ينقل المياه من بحيرة طبريا إلى مناطق بعيدة كالقدس وبيسان، وإلى القسم الجنوبي من الساحل، وإلى النقب.
كانت سوريا، حتى عام 1967، تستخدم مياه البحيرة، وحُرمت من هذا الحق بعد الاحتلال الإسرائيلي للجولان.
ومن أشهر البحيرات في الجولان أيضاً بحيرة مسعدة التي تقع بكاملها على فوهة بركان إلى الجانب الشرقي من قرية مسعدة في شمالي الجولان، يبلغ طولها 650 متراً وعرضها 600 متر ومساحتها حوالي 1.5 كم مربع وعمقها حوالي 9 أمتار بتخزين 3.50 مليون متر مكعب وتقع على علو 945 متراً فوق سطح البحر.
البحيرة خزّان يتغذّى من مياه الأمطار والثلوج الذائبة وبعض الينابيع الصغيرة، وهي في الوقت نفسه تزود عدة ينابيع بالماء كينبوع الدفلة، وهضبة الجولان تشتهر بينابيعها العذبة التي تبلغ حوالي 100 كنبع عين فيت ونبع عين قنية.
ولم تكتفِ إسرائيل باستغلال المياه، بل استغلت أيضاً الطبيعة والمناخ اللذين يتميز بهما جبل الشيخ، فهو ذو درجات حرارة معتدلة صيفاً ومنخفضة شتاء حيث يتزين بحلته البيضاء من الثلوج لإقامة أكبر المشاريع السياحية.
تحتل إسرائيل حالياُ نحو 1176 كيلومتراً مربعاً من أراضي الجولان، منها 100 كيلومتر مربع من مساحة المناطق التي كانت منزوعة السلاح وفق اتفاقية هدنة 1949.
وفي اتفاقية 1974 لفض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل سيطرت قوة الأمم المتحدة (أندوف) على الجبل ضمن إطار المنطقة العازلة، ولكن بعد 8 كانون الأوّل/ديسمبر 2024 وتحرير سوريا من نظام المخلوع بشار الأسد، قرّرت إسرائيل الانسحاب من هذه الاتفاقية وبدأت بالتوغل في القرى المجاورة للمنطقة العازلة لتوسيعها بحجة الحفاظ على أمنها.
ولكن النوايا المضمرة كانت غير ذلك، وتخفي خلفها الرغبة بالسيطرة على الجولان وموارده من مياه وأراضي خصبة والضغط على الدولة السورية للتخلي عن الأراضي السورية المحتلة، عام 1967، تحت ضغط اللحظة التاريخية حيث سوريا تمر بمرحلة ضعف بعد أن دمر نظام الأسد كثيراً من مقدرات البلاد وتركها في حالة ضعف، فتوغّلت إسرائيل خلال شريط من الأراضي السورية على طول الجولان وصولاً إلى منطقة المثلث الحدودي الأردني السوري الفلسطيني.
ومؤخراً توغّلت اسرائيل ضمن منطقتي عرنة وبيت جن، في سياق التوغّل الإسرائيلي في الأراضي السورية بذريعة الحفاظ على أمنها.
ولكن في خفاياها وضمن أجندة إسرائيل التوسعية غير المعلنة، السيطرة على المزيد من الموارد المائية وخاصة في ظل موجة الجفاف التي تضرب منطقة الشرق الأوسط.
فبيت جن وعرنة تتميزان بمياه أنهارهم العذبة والينابيع التي تعتبر مصدراً رئيسياً لمياه الشرب والري في ريف دمشق، حيث يتدفق نهر الأعوج -الشريان الثاني لحوض دمشق- قرب عرنة، ویتشكل حوض الأعوج من تلاقي مسيلان موسميان هما الجيناني والسبراني، اللذان يتغذيان من ذوبان الثلوج من جبل الشيخ.
وترفد السيبراني ينابيع عين عيسى وعين المالحة وعين سابا والرشاشيح وغيرها بتصريف وسطي حوالي 0.6م3/ثا (حيث يصبح السيبراني دائم الجريان من ينابيع المياه جوفية)، ويرفد نهر الجيناني عدة ينابيع كنبع بيت جن ونبع المنبج ونبع الطماسيات، ويرفده إلى الأسفل من منطقة أم الشراطيط مياه نبع الطبيبية.
إنّ الاحتلال الإسرائيلي للجولان ليس احتلالاً عسكرياً فقط، بل يرسم خريطة تحكم مائي وله تداعيات على الأمن المائي السوري وخاصة في ظل تغير المناخ وشح المياه..
وأهمية نبع بيت جن أنّه من الينابيع التي تتدفق على مدار العام ويتميز بمياهه العذبة والباردة التي تبنع من قاع جبل الشيخ بتصريف حوالي 0.84 م3/ثا، ونتيجة لتجمع هذه المصادر يصبح تصريف نهر الأعوج حوالي 4.7 م3/ثا (في الظروف الطبيعية)، وطوله 70كم ماراً بغوطة دمشق ليصل في آخر مساره -في السنوات الوفيرة بالهطولات المطرية- إلى سبخة الهيجانة.
السيطرة الإسرائيلية على منطقة عرنة وبيت جن تعني السيطرة على منابع نهر الأعوج وحرمان غوطة دمشق من المصدر الحيوي للحياه والأراضي الزراعية، وإضافة مصدر مائي يزيد من استقرار الأمن المائي لإسرائيل.
يمكننا القول إنّ الاحتلال الإسرائيلي للجولان ليس احتلالاً عسكرياً فقط، بل يرسم خريطة تحكم مائي وله تداعيات على الأمن المائي السوري وخاصة في ظل تغير المناخ وشح المياه فأي حل سياسي أو مفاوضات لايمكن أن تتجاهل البعد المائي، والمساءلة الدولية وقضايا الحقوق يجب أن تشمل موارد المياه إلى جانب الأرض.
المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى