ما هي خيارات سوريا أمام إسرائيل؟

عدنان علي

يكرر الرئيس أحمد الشرع في تصريحاته المختلفة، وآخرها في منتدى الدوحة، أن الجانب السوري يقدم باستمرار مبادرات إيجابية تجاه إسرائيل، لكن الأخيرة تتجاهل هذه المبادرات وترد عليها بعنف. وفي هذا السياق، استمعت إلى تعليق وتحليل من المندوب السوري في الأمم المتحدة، إبراهيم العلبي، على شاشة تلفزيون سوريا، اعتبر فيه أن الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة السورية إزاء إسرائيل واعتداءاتها على الأراضي السورية ناجحة، وأنها حققت إنجازات، أهمها الوصول إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحثّه على مخاطبة نتنياهو لعدم عرقلة مسار الانتقال السياسي في سوريا.
لا شك أن موقف ترامب يعد مهماً للغاية، كونه الشخص الوحيد القادر على ممارسة ضغط فعلي على نتنياهو وحكومته. لكنني أعتقد مع ذلك أن هناك عوامل إضافية يمكن أن تساعد ترامب على ممارسة ضغط أكبر، بل وتضغط على ترامب نفسه، وتدفع نتنياهو لإعادة حساباته، بعيداً عن الاعتماد على ضغوط الرئيس الأميركي التي لا يمكن الركون إليها كثيراً على أي حال، نظراً لطبيعة العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تمنح الأخيرة هامشاً واسعاً من حرية الحركة في قضايا المنطقة، حتى في حال التعارض بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي. هذا فضلاً عن الانحياز الواضح الذي يبديه ترامب لإسرائيل بناءً على خلفيات سياسية ودينية.
والواقع أن الدبلوماسية السورية تجاه إسرائيل ما زالت بلا أدوات فاعلة، وتعتمد أساساً على إبداء حسن النية ومحاولة استجلاب دعم الأطراف الدولية للضغط على حكومة نتنياهو كي توقف اعتداءاتها على سوريا. وأرى أن هذه الاستراتيجية ناقصة، وأن هناك خطوات يمكن للحكومة السورية اتخاذها لتقوية موقعها ومواقع داعميها، ومنها:
تعزيز الوجود الحكومي الخدمي والأمني في القنيطرة والمناطق الحدودية، والعمل على حمايته عبر ضمانات دولية، ولا سيما الأميركية والروسية.
تصعيد الاعتراض السياسي على الانتهاكات الإسرائيلية عبر المؤسسات الدولية والعلاقات الثنائية.
دعم المقاومة الشعبية للاحتلال على غرار ما حدث في بيت جن، وقد أحسنت الحكومة صنعاً بعدم التبرؤ من مقاومي الاحتلال، مع ضرورة التذكير دائماً بأننا نتعامل مع قوات غازية للأراضي السورية، وأن التصدي لها عمل مشروع وفق القانون الدولي، شرط عدم اللجوء إلى أي استفزاز.
المضي في تسوية الملفات الداخلية بما يعزز الموقف السياسي الخارجي للحكومة السورية.
تجنب الانزلاق إلى حرب مفتوحة مع حكومة نتنياهو التي تعاني من أزمات وقد تجد في “الحروب السهلة” وسيلة لفرض هيمنتها في المنطقة أو للهروب من استحقاقات داخلية. ومع ذلك، ينبغي عدم الاستسلام للوهم القائل بأن أي صدام بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية الغازية سيؤدي تلقائياً إلى حملة قصف إسرائيلي واسع قد يطال حتى القيادات السياسية. فأعتقد أن إسرائيل، رغم تهديداتها في المنطقة، ليست مطلقة اليدين في سوريا، بالنظر إلى التحفظ الأميركي من جهة، ومواقف دول حليفة لدمشق كالسعودية وتركيا التي تمتلك قنوات قوية مع واشنطن من جهة أخرى.
وإذا تجاوزنا هذه المقاربات السياسية، فإن التوازن العسكري بين الجانبين السوري والإسرائيلي ليس مختلاً بالكامل لصالح إسرائيل، رغم تفوقها الجوي والتكنولوجي. ولا شك أنها تتخوف من الانحدار نحو مواجهة مفتوحة مع القوات الحكومية السورية المتمرسة في حرب العصابات، وهو النوع من الحروب الذي تتحاشاه إسرائيل عادة. ويرتبط ذلك أيضاً بقلق واشنطن من أن يؤدي تصعيد الضغوط الإسرائيلية على دمشق إلى دفع الحكومة السورية للتراجع عن خيارها السلمي ومبادراتها الإيجابية المستمرة منذ عام تجاه إسرائيل، خاصة أن هذه الضغوط تسبب حرجاً داخلياً للحكومة السورية بسبب عدم الرد على الاعتداءات المتكررة. وقد يترتب على هذا التحول تبعات خطيرة، من بينها عودة الوضع في المنطقة إلى ما كان عليه قبل سقوط النظام السابق، بحيث تصبح سوريا ساحة مفتوحة للجهاديين والمقاتلين من مختلف أنحاء العالم الراغبين في محاربة إسرائيل، فضلاً عن احتمال عودة إيران وحزب الله وقوى أخرى أُخرجت من المنطقة بعد وصول النظام الحالي إلى السلطة، في حال تحول الأراضي السورية إلى ساحة مواجهة مع إسرائيل.
بطبيعة الحال، يبقى هذا السيناريو الخيار الأخير بيد الحكومة السورية إذا أصرت إسرائيل على مواصلة اعتداءاتها. وهو خيار يعني عملياً خسارة الرهانات التي بنت عليها الحكومة مسار رفع العقوبات وإعادة الازدهار للبلاد وبناء الدولة السورية الحديثة. ومع ذلك، قد لا تصل الأمور إلى هذا الحد، إذ يكفي مجرد التلويح بهذا الخيار ليشكل عامل ضغط على الإدارة الأميركية وعلى إسرائيل معاً. فالمسألة أشبه بمعركة عضّ أصابع ومعادلة شدّ وجذب بين الطرفين، يكسبها من يستطيع الصمود وإثبات أنه يمتلك بدائل متعددة، وليس محاصَراً بخيار واحد. وفي هذه الحالة، قد تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى إعادة حساباتها تجاه سوريا.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى