
شكلت زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن محطة لافتة في مسيرة السلطة الانتقالية الحالية وتوجهاتها المستقبلية. من حق الرئيس بل من واجبه العمل على حل مشكلات الوطن السوري الذي يتكون من شعب وأرض ودولة ومؤسسات ومعالجتها وفق رؤية موضوعية متكاملة ترى بوضوح كل تلك المشكلات وتضع لحلها برنامجا واقعيا يحدد الأولويات في العمل تبعا للظروف المحيطة والإمكانيات المتوفرة. ولعل أحد أخطر تلك المشكلات ما تعانيه سورية من احتلالات أجنبية وتواجد عسكري أجنبي مع ما يعنيه هذا من نفوذ أجنبي يتدخل لتجيير كل متغير أو نشاط أو حدث لمصلحته الخاصة ولو كانت على حساب مصلحة السوريين شعبا ووطنا ودولة ومصالح اقتصادية. وبالتالي وجب على السلطة الجديدة أن تدخل هذا في اعتبارها وتعمل على التخلص منه أو تحجيمه وتقليل تأثيراته تمهيدا للتخلص منه. إن علاقات الدول تحكمها لغة المصالح وتفصل بينها عناصر القوة التي يملكها كل طرف. ليس هناك مجال لا للعواطف ولا للمجاملات حتى حينما تتكافأ مصادر القوة فكيف الحال إذا ما اختل التوازن بوجود فارق ضخم في امكانيات أحد الأطراف قياسا للآخر. فإذا كانت أمريكا شريكة في صناعة الأحداث في سورية منذ زمن طويل وشريكة في توجيهها لغير مصلحة الشعب السوري مما جعلها تفرض عقوبات وحصارا تأذى بسببهما الشعب السوري أولا أكثر من أي طرف آخر ؛ وطالما أنها تتواجد عسكريا على أرض سورية وتدعم ميليشيات ما يسمى ب قسد بل هي التي رعت نشأتها وتوسعها بما لها من مطالب انفصالية وبما تستولي عليه من مقدرات وخيرات أرض سورية يملكها الشعب السوري ولا أحد سواه ؛ فمن واجب الرئيس والسلطة الجديدة التعاطي مع هذا الموضوع بكل طريقة متاحة من أجل محاصرة آثاره المؤذية للمصالح الوطنية السورية. ولما كان ميزان القوى يميل بشكل كبير لصالح الطرف الأمريكي؛ ولما كان من المنطقي القول إن الرئيس الشرع يدرك هذا جيدا؛ فمن البديهي القول إن أميركا سوف تكون هي المستفيد الأكبر من مثل هذه الاتفاقيات التي تتم بين الطرفين ما لم تتوفر شروط أساسية راسخة من شأنها تقوية الموقف الوطني السوري في تعاطيه مع الموقف الأمريكي كما مع أي موقف خارجي آخر:
الشرط الأول: حسم مسألة وحدة الوطن السوري.. وحدة الشعب ووحدة الأرض ووحدة مؤسسات الدولة.
الشرط الثاني: استكمال إعادة بناء الجيش الوطني وكل المؤسسات الأمنية على أسس واضحة وموضوعية أساسها الولاء للوطن والإعداد الصحيح الذي يضمن الكفاءة المهنية والأمانة الوظيفية بما تقتضيه مصلحة الوطن ومصلحة المواطن..
الشرط الثالث: امتلاك رؤية وطنية شاملة وعامة وجامعة تضع تصورا واضحا محددا لكل مشكلات المجتمع السوري وترتب الأولويات حسب الحاجة والإمكانية بما يعطي ثقة للمواطن بمسار الأمور إلى حيث يجب أن تسير وعلى أية منهجية تتواصل..
الشرط الرابع: انتهاج سياسة عملانية واضحة لحل مشكلات المواطن السوري الحياتية اليومية والخدماتية من أول تأمين مصادر الطاقة إلى ضمان حد مقبول من متطلبات الحياة والمعيشة بما يضمن كرامة المواطن ويبعد عنه شبح الفاقة والعوز وقهر الظروف وحتى لا يقع فريسة الإذلال والسؤال مرة أخرى..
إن انطلاق الموقف الوطني في تعاملاته الخارجية استنادا إلى موقف شعبي واضح ومحسوم ليست فيه فجوات كبيرة تهدد وحدة الشعب والوطن؛ يشكل زخما مدعما للموقف الوطني يؤهله لطلب حقوق ومحاصرة قيود وتخفيف ضغوط والتقليل من احتمالية الانضواء في إستراتيجيات الآخرين بما قد تحمله من إضرار بالمصالح الوطنية..
إن المعيار الأساس والحاسم في هذا هو عدم السماح لأية استراتيجيات خارجية بالتسلل إلى الموقف الشعبي والرسمي معا بما يضر بالتماسك الوطني ويفتح أبوابا لمزيد من التشتت والتناحر والتنافر. الأمر الذي يعزز فرص الأعداء في إنجاح ما يريدونه لسورية من تخريب أو تقسيم أو إعاقة بناء دولة المواطنة والعدل وسيادة القانون..
كما أن قدرة أطراف خارجية عديدة على تحريك أدوات ميليشيوية تابعة لها أو تأتمر بأمرها؛ ودفعها لافتعال أحداث أمنية مربكة؛ تشكل نقطة ضعف مهمة تفتح أبواب عدم الاطمئنان الى الأمن الوطني العام مما يعزز مطالب المرتهنين بالانفصال ومخاوف المواطنين المكلومين..
إن مواجهة الشعب برؤية واضحة متكاملة مع الالتزام ببرنامج زمني مرحلي محدد لكل الخطوات اللازمة لإنجاح المرحلة الانتقالية وتعزيز المشاركة الشعبية الواعية وتنشيط الحياة السياسية وضمان الحريات الخاصة والعامة وصولا إلى الدستور الدائم والانتخابات الديمقراطية السليمة؛ مسألة في غاية الأهمية لتعزيز ثقة المواطنين بحسن سير العملية الانتقالية إلى نتائجها المطلوبة والمقبولة وليس في أي اتجاه آخر..
كما أن إيجاد حلول عاجلة للمشكلات الحياتية للمواطنين أمر بالغ الأهمية فضلا عن تأثيره في تعزيز الثقة بالتوجهات الجديدة وفعالية خطواتها..
وكلما تماسكت الجبهة الداخلية وكلما تعزز الموقف الشعبي الواعي والملتزم بالدفاع عن كل إجراء سليم والناقد والمعترض على كل إجراء غير مدروس أو متسرع أو مفروض؛ كلما استطاعت إدارة الدولة التعامل مع الخارج وفق اولويات الإستراتيجية الوطنية السورية وليس وفق أية إستراتيجيات أخرى..
إن شعار محاربة الإرهاب اتخذته أميركا منذ 2001 واستخدمته لاحتلال وتدمير العراق. وغيره من الدول.. وكان عنوانا لتدخلات أمريكية في غير مكان وفي غير مصلحة أبنائه. وحتى لا تتكرر تلك المآسي مع سورية؛ فإن الإدارة السورية تدرك أهمية وضرورة مكاشفة الشعب السوري بكل ما تم الاتفاق عليه مع واشنطن ومدى ثقة الإدارة بأية وعود أميركية ” إيجابية ” قد تكون أعطيت لها..
أرض سورية المحتلة ليست للمساومة ولا للتنازل. وحدة الوطن السوري أرضا وشعبا ومؤسسات مسؤولية وطنية عامة شعبية ورسمية. لذا نطالب الإدارة الجديدة بتمكين القوى الشعبية ذات المصداقية والإخلاص والكفاءة من المشاركة في صنع القرار الوطني وفي بناء المؤسسات الجامعة وفي حماية مكتسبات التغيير وتوظيفها لمصلحة المستقبل السوري: وطن واحد لكل أبنائه يحكمه قانون العدل والمساواة والحريات والمواطنة المتساوية المتماهية مع متطلبات التحرر والوحدة والتقدم..


