“السبب انتهى”..كيف تغيّرت سياسة اللجوء في ألمانيا تجاه السوريين؟

وفاء عبيدو

تشهد مراكز اللجوء الأوروبية تزايداً ملحوظاً في قرارات رفض طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، ترافقها إشعارات رسمية تمنح المتقدمين مهلة محدّدة للطعن.

وبالتزامن مع ما تحمله هذه القرارات من انعكاسات قاسية على حياتهم، إلا أن هذه التطورات تظهر توجّهاً متصاعداً نحو إعادة النظر في أوضاع السوريين بعد سقوط النظام المخلوع، ما يعني زوال أسباب الحماية, رغم أنّ ألمانيا ما تزال تصنّف سوريا بلداً غير آمن لعودة اللاجئين، وفق تصريحات رسمية.

غير أن هذا التبرير الذي غالباً ما يرد بصيغة مقتضبة مثل “السبب انتهى مع النظام السابق”، يتعارض مع جوهر اتفاقية جنيف ومعايير الحماية الدولية، فحق اللجوء لا يُبنى على شكل النظام الحاكم بل على تقييم موضوعي لمدى توفّر الأمان وضمان عدم التعرض للاضطهاد أو الخطر عند العودة.

وبالنظر إلى الوضع السوري الراهن، حيث ما تزال الأوضاع الأمنية والخدمية غير مستقرة، فإنّ قرارات الترحيل تشكّل احتمالية تعرضاً مباشراً لحياة الأفراد للخطر، فالقانون الدولي واضح في هذا الجانب إذ يفرض على الدول التزاماً مطلقاً بعدم إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه التعذيب أو تهديدًا لحياته، وهو ما يُعرف بمبدأ “عدم الإعادة القسرية”.

إلا أن الممارسة العملية في بعض الدول الأوروبية تسير في اتجاه مغاير، لتكشف عن فجوة خطيرة بين الالتزامات القانونية وبين السياسات المتبعة على الأرض.

وبين البيروقراطية الأوروبية ومآسي الداخل السوري، يجد آلاف اللاجئين أنفسهم عالقين، محرومين من أبسط حقوقهم في الأمان والاستقرار، فما ترويه ملفاتهم ليس مجرد بيانات قانونية، بل قصص إنسانية متكررة تحمل رسالة واحدة، السوريون ما زالوا يبحثون عن حماية لم تتحقق بعد.

حين تتحول الأوراق الرسمية إلى عقبة أمام حياة جديدة

منذ سنوات تُظهر تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن معظم طالبي اللجوء السوريين في أوروبا يستندون في طلباتهم إلى مزيج من دوافع الحماية الفردية والظروف العامة للحرب، في حين تؤكد إحصائيات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، أنّ نسبة مرفوضي الحماية الفرعية أو اللجوء في ألمانيا آخذة بالارتفاع، خصوصًا في حالات لا يُثبت فيها وجود اضطهاد شخصي أو خطر مباشر.

في هذا السياق، تبرز قصة الشاب السوري عدي كنموذج يعكس الفجوة بين التوقعات الإنسانية والقرارات القانونية، إذ أوضح الشاب (25 عاماً) المنحدر من ريف حلب، لـ موقع تلفزيون سوريا، أنه نشأ في بيئة ريفية متواضعة واضطر إلى ترك مقاعد الدراسة في الصف التاسع، ومع تصاعد النزاع المسلح في منطقته، وجد نفسه أمام واقع قاسٍ، مدارس مغلقة حالت من دون إكمال تعليمه، ومحاولات متكررة لزجه في القتال عبر التجنيد القسري.

رفض عدي الانخراط في أي عمل عسكري، لكنه لم يجد بديلاً سوى مغادرة سوريا، عام 2023، عبر طريق بري طويل انتهى به في ألمانيا، حيث تقدّم بطلب لجوء عند وصوله مباشرةً، ساعياً إلى الحماية وفرصة تعليم في بيئة مستقرة.

غير أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) أصدر بتاريخ 2 أيلول الجاري، قراراً برفض طلبه بجميع أشكاله، ولم يُمنح صفة لاجئ وفق “المادة §3 AsylG”، كما رفض الاعتراف بحقه في الحماية الدستورية (المادة 16a Grundgesetz)، أو الحماية الفرعية (§4 AsylG)، كذلك لم يُثبت القرار أي موانع للترحيل (§60 Abs.5 و§60 Abs.7 AufenthaltsG).

وبموجب هذا القرار ألزم عدي بمغادرة ألمانيا خلال 30 يوماً من استلامه الإشعار، أو بعد صدور حكم قضائي نهائي إن تقدم بدعوى، مع فرض حظر دخول وإقامة لمدة 30 شهراً في ألمانيا ودول شنغن عقب تنفيذ الترحيل.

استندت حيثيات الرفض إلى أن ما عرضه الشاب من دوافع لا يرقى إلى مستوى “خوف فردي من اضطهاد” بسبب العرق أو الدين أو الانتماء الاجتماعي أو الرأي السياسي، وأن غياب المدارس أو وجود جماعات مسلحة  -بحسب BAMF- يعتبر ظروفاً عامة لا تكفي لمنح الحماية.

وخلصت الجهة إلى أن مستوى العنف في المنطقة لا يصل إلى عتبة الخطر العشوائي المرتفع، مستندة إلى تقارير أممية ودولية (UN OCHA، Liveuamap)، كما أشارت أيضاً إلى أن عدي بصفته شاباً سليماً قادراً على العمل وله أقارب في الداخل والخارج لا يواجه تهديداً شخصياً محدداً.

أمّا الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة في سوريا، فقد اعتُبرت غير كافية لوقف الترحيل، وبدلًا من ذلك أُشير في القرار إلى برامج العودة الطوعية مثل REAG/GARP وNRP Syria التي توفر دعماً مالياً ولوجستياً للراغبين في العودة.

قصة عدي ليست استثناءً، بل تعكس بوضوح الفجوة بين المعايير القانونية الصارمة لسياسات اللجوء الألمانية والواقع الإنساني المعقد للاجئين السوريين، ففي الوقت الذي تؤكد فيه السلطات أن الحماية تمنح فقط عند وجود اضطهاد فردي مباشر، يجد آلاف السوريين أنفسهم أمام قرارات رفض وترحيل، ما يثير جدلاً متزايداً في الأوساط الحقوقية والسياسية حول مدى قدرة هذه السياسات على الاستجابة للتحديات الإنسانية الناجمة عن النزاع المستمر في سوريا.

ألمانيا تعيد رسم سياسة اللجوء للسوريين

وبالتزامن مع المعاناة ذاتها، أصدرت المحكمة الإدارية في كولونيا مؤخّراً حكمها برفض دعوى لجوء تقدم بها مواطن سوري، مؤكّدة أن السوريين لم يعودوا يحصلون تلقائياً على الحماية في ألمانيا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وأوضحت المحكمة أن المدعي، المنحدر من محافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة “قسد” في شمال شرقي سوريا، لا يواجه أي خطر من النظام السابق أو الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق أو سلطات الإدارة الذاتية، ثم أن أسرته لا تتعرض لأي ملاحقات في سوريا.

وأكدت المحكمة أن المدعي يمكنه الإقامة مع عائلته مجاناً، وأن برامج العودة الطوعية توفر له مساعدات مالية وعينية لفترة أولية، معتبرة أن المخاوف المتعلقة بالضائقة المعيشية بعد انتهاء هذه المساعدات غير مثبتة، خصوصاً مع التحسن النسبي للأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأجور وانخفاض أسعار المواد الغذائية.

وبهذا القرار لم ينجح الطعن الذي قدّمه المدعي ضد قرار رفض اللجوء، مع الإشارة إلى أن المدعي يمكنه تقديم استئناف أمام المحكمة الإدارية العليا في ولاية شمال الراين-وستفاليا.

يأتي هذا الحكم في سياق سبقته حالة نادرة أوردها موقع تلفزيون سوريا، حيث صدر لأوّل مرة منذ سنوات، قرار بترحيل لاجئ سوري من ألمانيا إلى سوريا، استناداً إلى تقييم بأن “الخطر العام في سوريا قد زال”، ما شكّل سابقة قانونية لافتة بعد أن كانت السلطات الألمانية تكتفي سابقاً برفض طلبات اللجوء من دون تنفيذ الترحيل فعلياً.

 

ليطرح هذا التطور علامات استفهام حول توجه ألماني محتمل لتغيير نهجها تجاه ملفات الحماية المؤقتة واللجوء السوري، خصوصاً مع إمكانية اعتماد هذا المبرر في رفض وتنفيذ ترحيل مزيد من الحالات مستقبلاً.

“سطحية تقييم الـBAMF تقوض حقوق اللاجئين”

مع كل قرار يصدره المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، يظل السؤال مطروحاً حول مدى دقة الفحص الذي يجريه وما إذا كان يكتفي بالمعطيات العامة أم يتعمق في تفاصيل الحالة الفردية لطالب اللجوء.

فالقرارات في مثل هذه الملفات لا تُبنى فقط على تقارير عامة عن الوضع في سوريا، بل يفترض أن تستند أيضًا إلى مؤشرات شخصية قد تحدث فارقاً جوهرياً في مصير المتقدّم، من هنا جاء انتقاد المستشار القانوني أحمد الأقرع، الذي اعتبر أن المكتب لم يذهب بعيداً في تمحيص هذه المؤشرات رغم أهميتها.

وأوضح الأقرع لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ القرار الأخير الصادر عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) يثير تساؤلات حول مدى التزامه بواجبات التحقيق الملقاة على عاتقه، فالمكتب اكتفى بالاستناد إلى عناصر عامة واردة في تقارير عن الوضع في سوريا وقيّم صور الحماية المختلفة، من دون التعمق في المؤشرات الخاصة التي تستوجب فحصاً أدق، مثل:

  • طبيعة سيطرة الجماعات المسلحة في قريته، واحتمال تعرض الشباب للتجنيد القسري، سواء بالإكراه المباشر أو عبر محاولات الاستقطاب بالترغيب.
  • غياب التعليم، بما يعكس هشاشة مؤسسات الدولة وانهيار البنية التحتية في منطقته.
  • صغر سن المتقدّم وافتقاره إلى شبكة دعم اجتماعية في حال إعادته.

وأضاف أنّ مهمة الـBAMF لا تقتصر على ما يقدمه طالب اللجوء من أسباب، بل تشمل أيضاً دراسة الواقع المحيط به ورصد المخاطر المحتملة بالاستناد إلى مصادر مفتوحة، حتى وإن لم يذكرها المتقدّم بنفسه.

وقد شهدت الفترة بين عامي 2011 و2024 أمثلة واضحة على ذلك، إذ حصل بعض طالبي اللجوء على الحماية الكاملة رغم عدم تقديمهم أدلة شخصية مباشرة، لأن المكتب أخذ بعين الاعتبار المخاطر العامة والخاصة معاً.

جدل وخلاف حول خطة إيواء للاجئين

في إطار التغيّرات الأخيرة في سياسات اللجوء بألمانيا، أثار حزب “البديل من أجل ألمانيا” في ولاية تورينغن جدلاً واسعاً بعد الكشف عن خطة لإنشاء “قرية من الحاويات” داخل مطار إيرفورت، بكلفة تبلغ 60 مليون يورو، لإيواء نحو 4000 لاجئ وطالب لجوء بانتظار ترحيلهم.

وتشمل الخطة التي وصفها الحزب بأنها وسيلة لوقف تدفق طالبي اللجوء، “إلغاء الإعانات النقدية والاكتفاء بالمساعدات العينية، إنهاء اللجوء الكنسي، وإلغاء وضع الإقامة المؤقتة (دولدونغ)، إضافة إلى نقل مركز احتجاز الترحيل من مدينة آرنشتات إلى المطار”.

كذلك، يطمح الحزب إلى جعل تورينغن “أوّل ولاية ألمانية في إعادة الهجرة”، لكن المقترح قوبل برفض وانتقادات حادة من أحزاب الخضر واليسار، فقد وصفت وزيرة العدل بياته مايسنر الخطة بـ”أوهام”، مؤكدة انخفاض عدد طالبي اللجوء بنسبة 44% هذا العام، في حين اتهم حزب اليسار البديل بممارسة “تحريض عنصري” ضد المهاجرين، محذّراً من أن هذا المقترح قد يقوض صورة الاندماج الناجح في ألمانيا منذ عام 2015.

 

ومع تصاعد هذه التغيّرات، يشهد ملف الطعون ارتفاعاً قياسياً، فقد سجّلت ألمانيا أكثر من 100 ألف استئناف ضد قرارات اللجوء خلال 2024، في حين وصل عدد القضايا في الربع الأول من 2025 وحده إلى 46,427 قضية، بزيادة قدرها 67% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، ما يعكس تصاعد التوتر القانوني والمجتمعي حول ملفات اللاجئين والقرارات الأخيرة المتعلقة بهم.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بالرغم من إستمرار الخارجية الألمانية من تصنيف سورية غير آمنة ، فإن هناك تزايداً ملحوظاً في قرارات رفض طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، ترافقها إشعارات رسمية تمنح المتقدمين مهلة محدّدة للطعن. مع تزايد قرارات الطعن بـ 67% لعام 2025 عن عام 2024 ، ضمن صراع بين أحزاب التحالف لوضع اللاجئين بصورة عامة والسوريين خاصة،

زر الذهاب إلى الأعلى