زيارة الشرع إلى نيويورك.. هل تكون أكثر من رمزية؟

عدنان علي

تحمل الزيارة المتوقَّعة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى نيويورك، في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، دلالةً رمزية كبيرة، وربما نتائج سياسية واقتصادية عميقة، في حال تكلّلت بالنجاح.

وإذا أمكن تجاوز العقبات المتعلّقة بدخول الشرع الأراضي الأميركية على خلفية إدراج اسمه على قوائم العقوبات الخاصة بالأمم المتحدة منذ عام 2013، حين بايع أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة آنذاك، فإن الرئيس السوري يحمل ملفاتٍ ثقيلة إلى نيويورك، ما قد يجعل زيارته أكثر من مجرد خطوة رمزية، بوصفه أول رئيس سوري يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1967.

أوّل المكاسب المحتملة هو الحصول على شرعية دولية من أهم منبر أممي، فضلاً عن تثبيت وتطوير العلاقة مع الولايات المتحدة، ولا سيّما إذا تُوِّجت الزيارة بلقاء مع الرئيس الأميركي ترامب، الذي قد يسعى إلى اصطحاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليطرح نفسه صانعَ سلام ورجلَ صفقات ناجحة.

أي انفتاح مبالغ فيه وغير محسوب على إسرائيل، المتورطة في دماء أهل غزة والمنبوذة عالمياً، وفي وقت تمر فيه سوريا بلحظة ضعف وتفكك مقابل تعاظم في القوة الإسرائيلية، ستكون نتيجته حتماً في مصلحة الطرف القوي.

لكن إذا أقدم الشرع على لقاء مباشر مع نتنياهو، كما تروّج وسائل إعلام إسرائيلية، فإن ذلك سيعقّد المشهد السوري، ولن يسهم ـ خلافاً لما يعتقد البعض ـ في حلحلة بعض القضايا الداخلية مثل السويداء، أو في الحدّ من الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية. فحكومة نتنياهو، التي تدرك مدى حاجة حكومة الشرع إلى التفاهم معها ومع الأميركيين لتعزيز سلطتها الداخلية وفتح باب الاستثمارات بعد الرفع الفعلي للعقوبات، صعّدت في الآونة الأخيرة من وتيرة اعتداءاتها داخل سوريا، وتُعلن صراحةً رفضها الانسحاب من قمم جبل الشيخ بذريعة الضرورات الأمنية. وهي تهدف من ذلك إلى رفع سقف مطالبها، والحصول على اعتراف سوري رسمي بدورها في تحديد مسارات حل بعض القضايا التي لا تقتصر على السويداء فحسب، بل تشمل أيضاً كل النقاط الساخنة الأخرى في الشرق والشمال الغربي، إضافة إلى الشروط التي تريد فرضها على انتشار القوات السورية جنوب العاصمة دمشق حتى حدود الجولان، مع منحها حقّ الفيتو على حجم ونوعية تسليح الجيش السوري الجديد.

كما أن أي انفتاح مبالغ فيه وغير محسوب على إسرائيل، المتورطة في دماء أهل غزة والمنبوذة عالمياً، وفي وقت تمر فيه سوريا بلحظة ضعف وتفكك مقابل تعاظم في القوة الإسرائيلية، ستكون نتيجته حتماً في مصلحة الطرف القوي. وقد يُفجّر ذلك خلافات داخلية ويثير رفضاً شعبياً يستغله الخصوم، من مختلف المشارب، لتصوير هذه اللقاءات على أنها تنازلات للبقاء في السلطة على حساب القضايا الوطنية، وهدية مجانية لحكومة الاحتلال المنبوذة عالمياً. علماً بأن لإسرائيل نفسها مصلحة في إظهار الأمر على هذا النحو، بغية إضعاف مكانة الشرع في الداخل السوري، خصوصاً أمام حاضنته الشعبية.

وعلى أي حال، لا تشير التقديرات الواقعية إلى أن الجانبين السوري والإسرائيلي قد أنجزا الاتفاق الأمني الذي يجري التفاوض عليه منذ بعض الوقت، ما يجعل لقاء الشرع مع نتنياهو غير محتمل، إلا إذا ضغط ترامب لتحقيق إنجاز إعلامي يخصه، من دون أن يواكبه اتفاق فعلي على الأرض. وبطبيعة الحال، من الخطأ في تقديري مسايرة ترامب أو غيره في مثل هذه الحالة.

الزيارة تمثّل منعطفاً في مسار العلاقات السورية–الأميركية، وتفتح صفحة جديدة بعد عقود من التوتر والقطيعة.

ومن النجاحات الجانبية المتوقعة أن يعقد الشرع لقاءات مع زعماء بعض الدول العربية مثل مصر والجزائر، وربما السعودية أو الإمارات، إضافة إلى لقاءات محدودة مع بعض الدول الأوروبية التي تميل إلى البراغماتية، مثل فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا.

غير أن الإنجاز الأهم الذي يسعى إليه الشرع هو الوصول إلى الجهات الأميركية التي تعطي الضوء الأخضر لبدء محادثات تقنية حول المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، وحثّ المعنيين على تسريع وتيرة رفع العقوبات.

هذه الطلبات والآمال التي يحملها الشرع معه إلى نيويورك، ستقابلها بالتأكيد ضغوط أميركية وغير أميركية على الجانب السوري، لتسريع الخطوات الداخلية باتجاه توسيع المشاركة في السلطة، وضبط قوات الأمن، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، فضلاً عن الضغوط المتعلقة بالعلاقة مع إسرائيل.

وفي كل الأحوال، لا شك أن الزيارة تمثّل منعطفاً في مسار العلاقات السورية–الأميركية، وتفتح صفحة جديدة بعد عقود من التوتر والقطيعة. وبغض النظر عن نتائجها المباشرة، فإنها تعكس تحوّلاً استراتيجياً في سياسة البلدين، وتتيح لسوريا إعادة تموضعها على الساحة الدولية والخروج من حالة العزلة التي عاشتها لسنوات طويلة. كما تُعزّز من شرعية السلطة السورية على المستوى العالمي، الأمر الذي قد يساعد في فتح قنوات دبلوماسية وإقامة علاقات مع دول جديدة.

أما أبعد من هذا المستوى الرمزي، فتأتي الزيارة على الصعيد الدولي والإقليمي في ظروف غير مواتية، بالنظر إلى اشتعال أزمات كبرى مثل أوكرانيا وغزة، ما قد يدفع القوى الكبرى إلى الاكتفاء بالنسبة لسوريا بـ”رسائل رمزية”، بدلاً من تقديم التزامات عملية ثقيلة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى