
تراوحت ردود الفعل السورية على إطلالة العميد مناف طلاس، ابن وزير الدفاع السوري الراحل مصطفى طلاس، من باريس، بعد غياب طويل نسبياً، بين اعتبارها إشارات دولية إلى دمشق، وبين حسبانها حركة منه للفت أنظار السلطة السورية إليه، خصوصاً في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد.
في محاضرته التي احتضنها معهد العلوم السياسية الفرنسي “سيانس بو” في باريس، حرص طلاس على توجيه انتقادات هادئة لأداء السلطة التي وصفها بأنها “ذات اللون الواحد”، لكنه ترك طريقاً معها للرجعة، عندما أشار إلى استعداده للتعاون مع الرئيس السوري أحمد الشرع.
10 آلاف ضابط
وما رشح عن جو المحاضرة، وفق رصد “المدن”، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن طلاس لا يريد أن يضع نفسه بمواجهة السلطة، بحيث حاول أن يتجنب أن يُظهر نفسه بديلاً “محُتملاً” عن الشرع عندما قال: “ليس لدي أي طموح سياسي لأصبح رئيسا، وهدفي هو توحيد سوريا والمشاركة في تشكيل الدولة السورية لا السلطة”.
وتناغم حديث طلاس بأن معه 10 آلاف من الضباط المنشقين في سوريا، ما يساعد على “بناء جيش وطني، علماني، لا إسلامي” على حد تأكيده، مع الانتقادات الدولية التي توجه للقيادة السورية الجديدة، لناحية تعيين شخصيات “جهادية” ومنحهم الرتب في الجيش السوري الجديد.
ويمكن وفق الباحث السياسي، المطلع على السياسات الفرنسية، فارس إيغو، تفسير الرسائل من وراء ظهور طلاس على وجهين، الأول، إطراء على سلطة الرئيس الشرع، والثاني هو انتقادها.
ويرى إيغو في حديث لـ”المدن”، أن أهم رسالة أرسلتها محاضرة طلاس، هي المطالبة بجيش وطني حقيقي بعقيدة علمانية، وهو ما يهتم به طلاس في هذه المرحلة، أي إصلاح وضع السلطة السورية، وليس الانقلاب عليها، مضيفا أن “أكثر ما يأمله طلاس هو دور قادم على رأس مجلس عسكري، كانت قد طالبت به بعض القوى الوطنية المعارضة، سلطة الشرع، مثل مبادرة المئوية السورية، التي طالبت بتشكيل مجلس عسكري أمني مؤلف من خمسين عضواً مهمته إعادة بناء الجيش السوري والجهاز الأمني على أسس وطنية، ويلتزم عقيدة وطنيةً”.
ويقول: “مع استعصاء الوضع السوري الحالي، وتراكم ملفات عديدة بحاجة للحل، فإن طلاس يرغب في أن يكون له دور على رأس مجلس عسكري يقوم بإعادة تأهيل التشكيلات العسكرية على أسس علمانية وعلمية”.
تأييد البرجوازية السنية والأقليات
ويضيف إيغو أن “طلاس يمتلك شخصية بكاريزما كبيرة، لكن لم يظهر أنها تملك تأييداً كبيراً في نطاق الضباط السوريين الذين انشقوا باكراً عن النظام السوري البائد، والأرجح أنه يملك شعبية لدى البرجوازية السنية (التجار والأثرياء) في المدن السورية الكبيرة في دمشق وحلب وحمص، بالإضافة إلى تأييد الأقليات لأي دور ممكن أن يلعبه في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد”.
بذلك يستبعد الباحث، أن يكون ظهور طلاس له صلة بخطط جديدة من قبل الدول الكبرى لتغيير الوضع في سوريا، معتبراً أن “القوى الكبرى المؤثرة في الوضع السوري، أي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي، ترغب في استقرار الوضع الأمني في سوريا، وانطلاق عجلة التنمية، وتخشى كثيراً من أي فوضى ممكنة تشكل خطراً عليها وعلى المنطقة”.
وبحسب مصادر “المدن”، كان غالبية الحاضرين في الندوة من المنتقدين للسلطة السورية، بجانب أكاديميين وصحافيين فرنسيين، ما دفع بالبعض إلى مهاجمة طروحات طلاس، على اعتبارها “جس نبض” من أطراف دولية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، إنه يمكن قراءة ظهوره من جانبين، الأول أن طلاس “أراد أن يؤكد حضوره بعد غياب، وهو الذي طالما كان يتنطح لدور ما في الحالة السورية ضمن سياقات معينة وقد لا تكون هذه السياقات ممكنة الآن، لكن نزعته لا زالت قائمة نحو إنجازات في الزعامة العسكرية ينهل فيها من معين والده مصطفى طلاس”.
ضغوط سياسية
ويضيف سعدو لـ”المدن”، أن “هناك الكثير مما يقال دولياً عن محاولات ضغط غربية على دمشق، خصوصاً بعد جملة الأخطاء والممارسات التي جرت في السويداء والساحل السوري، حيث ترك ذلك العديد من الملاحظات وعدم الرضى في فرنسا وسواها من دول الغرب”.
ويرى أن “محاولة إظهار مناف طلاس من جديد، من الممكن أن تكون ممارسة عملية للضغط السياسي والتنبيه، لكن لا أعتقد أن ذاك يمكن أن يؤتي أكله فما حدث قد حدث ومن الصعب جداً في المنظور القريب، أن يكون هناك تغيير ما في سوريا رغم كل الأخطاء”.
ويلفت سعدو إلى الرغبة الشعبية السورية في تصحيح الأخطاء، ويقول: “هناك تخوف من أي محاولات خارجية أو داخلية قد تؤدي إلى عودة الفلول، ولن يسمح السوريين بعد 54 عاماً من القهر والسلب والفساد والاستبداد، بذلك”.
المصدر: المدن