طرح العميد المنشق مناف طلاس، في 9 من حزيران الحالي، مبادرة سياسية تتلخص بمرحلة انتقالية في سورية، تشمل جمع السلاح والمحافظة على السلم الأهلي، بغية الوصول إلى حل سياسي، معتبرًا مشروع “المجلس العسكري” جزءًا من التوجه المدني الديمقراطي.
طرح مناف طلاس، الذي ركّز على إعادة ترتيب آلية العمل والحديث عن “استراتيجية نضالية جديدة” وإطلاق “حركة التحرر الوطني”، جاء في ظل متغيرات وتحركات سياسية نشطة يشهدها الملف السوري مؤخرًا، على مستوى اللقاءات والمباحثات، إلى جانب حالة “تقبّل” عربي لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، عبّرت عن نفسها بوضوح بعد الزلزال الذي حصل في 6 من شباط الماضي.
في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، أوضح رئيس “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، موقف “الحكومة” من مبادرة طلاس، وما إذا كان هناك أي اتصال معه حيال المبادرة.
وقال مصطفى، إن “الحكومة السورية المؤقتة” ممثلة بوزارة الدفاع، عملت على تنظيم فصائل “الجيش الوطني” وهيكلته وتدريبه على أسس المهنية العسكرية، وضبط الممارسات وفقًا للمبادئ التي يفرضها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولذا جرى إصدار أوامر وتعاميم تدعو إلى ضرورة حصر السلاح بالثكنات العسكرية، وإخراج الوحدات العسكرية وجميع المظاهر المسلحة من مراكز المدن، وجرى تخطي أشواط في ذلك، كما أعيدت مؤخرًا هيكلة وتنظيم “الشرطة العسكرية” و”القضاء العسكري”.
“نضع في قائمة مسؤولياتنا كل ما يؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الشمال السوري، وتهيئة الظروف للحل السياسي الشامل، والوصول إلى ما أبعد من المرحلة الانتقالية”، أضاف رئيس “الحكومة المؤقتة”.
يمكن توحيد الجهود
اعتبر رئيس “الحكومة المؤقتة” أن “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” يؤدي أدواره ومسؤولياته، ويمكن توحيد الجهود في إطاره، وهناك أيضًا “هيئة التفاوض” التي شملت منصات عديدة، وما يُنظر إليه على أنه أطياف معارضة من خارج “الائتلاف”، وبالتالي لا مبرر للاستمرار بنهج تقديم تشكيلات وأجسام جديدة في كل مرة، وفق تعبيره.
وردًا على سؤال حول إمكانية أو قابلية تطبيق مبادرة طلاس في الوقت الراهن، شدد مصطفى على أنه لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا إلا باتخاذ تدابير بناء الثقة في المجتمع، ما يتطلب إجراء إصلاح شامل وجذري للقطاع الأمني، وإعادة بناء “الجيش” الذي تحول إلى “عصابة قاتلة لمصلحة النظام بدلًا من حماية الشعب والدفاع عنه”.
رئيس “الحكومة المؤقتة” لفت أيضًا إلى ضرورة حل الأجهزة الأمنية الضالعة في ارتكاب جرائم وانتهاكات بحق السوريين، ونزع السلاح، وتسريح ما وصفها بـ”الميليشيات المسلحة الإجرامية” التي جندها النظام لممارسة القتل والإجرام، وإخراج الميليشيات الطائفية الأجنبية التي استقدمتها إيران وروسيا.
كما قال مصطفى، “في الشمال الشرقي هناك ميليشيات مسلحة انفصالية لها أجنداتها الخاصة، ومشروعها الانفصالي الذي حملت السلاح لتحقيقه على حساب تضحيات الشعب، ما يجعل المهمة في غاية الصعوبة دون إرادة دولية، وهي غير متوفرة في الوقت الراهن”.
وفي مقابل تلك الأطراف، هناك “الجيش الوطني” الذي يتألف بالأصل من ثوار مدنيين اضطروا لحمل السلاح دفاعًا عن أهلهم وأعراضهم، وضباط وجنود منشقين رفضوا التورط في قتل أبناء شعبهم، وليسوا هم المشكلة، بل الحل الذي يجب البناء عليه، وفق عبد الرحمن مصطفى.
لا تواصل مع مناف طلاس
حول ما إذا كان طرح مبادرة جديدة حاليًا مؤشرًا على ضعف الأجسام العسكرية الموجودة، يرى رئيس “الحكومة المؤقتة” أن فصائل “الجيش الوطني” عملت على اتباع وتطبيق نهج المهنية العسكرية، لتعزيز قدراتها نظريًا وعملياتيًا.
كما استطاعت تحقيق تطور “نوعي” بإمكانيات بسيطة وبجهود ذاتية ومساعدة تركية عبر الانتقال من الفصائلية إلى التنظيم ضمن إطار “الجيش الوطني”، وهي تؤدي دورًا مشرّفًا في التصدي لـ”إجرام قوات النظام والميليشيات الانفصالية وقوى الإرهاب”، ولذلك فالأجسام العسكرية قوية وفي طور البناء، وفق قوله.
إلى جانب ذلك، أكد مصطفى عدم وجود أي تواصل أو تنسيق مع العميد مناف طلاس أو غيره حول هذا الطرح، موضحًا أن مؤسسات المعارضة الرسمية، مستعدة للعمل مع جميع الجهات التي تسعى لإنهاء مأساة الشعب السوري بما يحقق تطلعاته ويحفظ كرامته، ضمن أطر الشرعية الدولية، وأن أبواب مؤسسات المعارضة مفتوحة وليست مغلقة.
ضبط السلاح
تعقيبًا على مسألة السلاح غير المنضبط، يرى مصطفى أن السلاح غير المنضبط هو الذي تم توجيهه لقتل الشعب عبر القصف بالطيران والمدفعية والصواريخ والبراميل المتفجرة، ما أدى إلى ارتكاب المجازر وتدمير الأحياء السكنية فوق رؤوس المدنيين، فهذا السلاح لا بد أن ينضبط ويتوقف عن ممارسة القتل والإجرام.
كما أن النظام ترك السلاح في يد ميليشياته كمكافأة لها على قتالها معه، ولذلك فإن مناطق النظام تعيش حاليًا أسوأ حالاتها من فوضى السلاح وانعدام تام للأمن، حيث تعيث فيها العصابات المسلحة فسادًا خارج نطاق القانون والقضاء، مبينًا أن فصائل “الجيش الوطني” نظمت الفيالق واتبعت الأنظمة والقوانين، ما حقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، وفق رئيس “الحكومة المؤقتة”.
الإعلان عن وجود “المجلس العسكري” جرى رسميًا وفق بيان صدر في كانون الثاني 2021، وأعلن 1600 ضابط منشق و600 صف ضابط دعمهم لـ”المجلس” واستعدادهم للعمل تحت رايته، لكن الحديث عن مجلس عسكري يقوده مناف طلاس ظهر منذ تموز 2012، بأنباء متفرقة لا مصدر رسمي لها، مع ما سُمّي تسريبات لقوائم ضمت أسماء لحكومة جديدة تمثّل السلطة الانتقالية في سوريا، قوبلت بالنفي حينها.
وبات الحديث على العلن، منذ شباط 2021، بعد أن نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية مقالًا للصحفي السوري المعارض ياسر بدوي، يدعو إلى تشكيل مجلس عسكري “بالتوافق بين الأطراف الفاعلة في سوريا، على رأسها روسيا”.
من عبد الرحمن مصطفى؟
جرى تكليفه برئاسة “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة” بعد استقالة رياض سيف في أيار 2017، الذي قيل حينها إنه تنحى لأسباب صحية.
انضوى مصطفى (59 عامًا) ضمن “الائتلاف” عن المجلس التركماني السوري، وهو ابن مدينة جرابلس، ودرس الاقتصاد في جامعة حلب، وفق سيرته الذاتية لدى “الائتلاف”.
تدرج في العمل السياسي منذ عام 2012، حين كان عضوًا مؤسسًا في “منبر تركمان سوريا”، وصولًا إلى عام 2017، حين صار نائبًا لرئيس “الائتلاف”، ثم رئيسًا لـ”الائتلاف” في شباط 2018، ليخلفه بعد عام واحد أنس العبدة، تلاه بعد نحو عام، نصر الحريري، ثم سالم المسلط (رئيس الائتلاف الحالي).
تولى عبد الرحمن مصطفى رئاسة “الحكومة السورية المؤقتة” منذ أواخر حزيران 2019، وما يزال في منصبه منذ ذلك الحين.
المصدر: عنب بلدي