اليوم وبعد اثني عشر عاماً من العبث الإقليمي والدولي في وطننا السوري، وبعد وصول هذا الوطن إلى حافة التلاشي أو إلى احتمالات عودة الاحتلال إليه أو إعادة استتباعه مرة أخرى.
وبعد ملايين الشهداء والقتلى ومفاعيل التدمير الوحشي التي لازالت ماثلة أمام أعين المجتمع البشري قاطبة، وبعد انكشاف مالم يكن بائنا لشعوبنا في دهاليز وخبايا وخلفيات اللعبة السياسية العالمية القذرة التي دخل في قوانينها سادتنا الرؤساء والملوك والسلاطين العرب خلال زمن بُعيد الاستقلالات الأولى، وبعد أن دفعت الشعوب العربية ضريبة محاولتها الخروج على هذه اللعبة التي طحنتها جيلاً بعد جيل، ومحطة بعد محطة، وكارثة إثر أخرى.
وكانت الثورة السورية العظيمة وشعبها النابض بالحياة والعراقة أكثر شعوب الربيع العربي دفعاً من هذه الضريبة.
بعد كل ذلك…
فإننا نستطيع أن نقول باقتدار واع أن الضريبة التي قدمها شعبنا لن تذهب سدى، وأن الشعوب عندما تنهض وتستيقظ لابد أن تحقق أهدافها وأن ترسي مداميك عصر جديد تنسف فيه كل مخلفات المرحلة التي جعلت منها مادة وأداة للاستثمار والسيادة والرخاء والهيمنة، يتربع من خلالها مافيات العالم على هذا العالم المعولم الكئيب الفاسد والمتوحش.
علمتنا الثورة السورية أن الثورة تعني ملامسة جذور الأشياء وبترها لتصنع بعدها جذوراً جديدة، تتماهى مع أحلام وطموحات وتطلعات الثوار الذين قطعوا العهد لشعوبهم أن ينقلوها إلى فضاء جديد ينسف وإلى الأبد كل ما يمت بصلة إلى زمن ما قبل الثورة.
علمتنا الثورة السورية كيف أن قوانين لعبة السلطة كانت تركز على الكذب والتضليل والوعود الواهمة والتصدي الفارغ من أي مقوم لتحديات الأرض والتنمية والاقتصاد.
علمتنا كيف أن مسألة الحكم مرتبطة بمنظومات ثابتة تنتقل مع المحطات الزمنية مهما تغيرت الشخوص والمسميات والشعارات، وأن هذه المنظومات لطالما انكشفت أنها خادمة ذليلة للخارج أو للآخر لا تعرف معنى للسيادة أو الحرية أو الاستقلالية.
وعليه ومن أجل ذلك، لم تقبل الثورة حتى الآن لأي إطار سياسي وثوري مدعٍ تصدر المشهد السوري وقدم برامج تتمفصل مع الناموس الثلاثي المذكور: السيادة والاستقلالية والحرية.
وعليه أيضاً، نعتقد أن اللاعب الرئيس بظاهرة السيد مناف طلاس، نسي أو تناسى، أن هذه الظاهرة هي نتاج أحد منظومات السلطة أو الحكم التي اشتغلت على شعوبنا فيما قبل الثورة.
فهل اعتقد هذا اللاعب أن شعبنا لازال قابل للخداع والتضليل والتزوير؟!!
نجزم أنه واهم جداً وأن الثورة ماضية في سبيلها مرتكزة على ناموسها الثلاثي المقدس.