أبواق القطيع

د. حارث سليمان

     

بعد سلسلة الحروب التي توالت احداثها في المشرق العربي وإيران، لم يعد المرء يحتاج إلى دليل على إفلاس محور الممانعة الممتد من إيران ولاية الفقيه– مرورا بنظام سورية الأسدين – وصولا لمنظومة حزب الله وصنائعه ودماه الناطقة والهاتفة باسمه!

1-    مزاعم سطحية وتهويمات خرافية

يكفي أن يُصغي المرء لبضع دقائق إلى منابر ” مِحوَر الممانعة ” الإعلامية حتى يغرق في بحر من المزاعم السطحية. والتهويمات الخرافية فهؤلاء، الذين يفترض أنهم “محللون استراتيجيون”، لا يملكون من الاستراتيجية سوى حنجرة مبحوحة وذاكرة مثقوبة، فقد روى احدهم لنا ان ايران لديها سلاح البلازما، وهو سلاح وهمي لا يوجد مثيل له، بأي دولة في العالم. والبلازما هو الشكل الرابع للمادة غير أشكالها الثلاثة المعروفة؛ الصلب والسائل والغازي، والبلازما هوشكل المادة الذي يحتوي ايونات موجبة والكترونات بحركة دائمة، تحصل عندما تُتعرّض مادة ما لحرارة أو طاقة عالية جدًا، فينفصل جزء من إلكتروناتها عن الذرّات وتصبح خليطًا من أيونات موجبة وإلكترونات حرة. ًاما مصطلح “سلاح البلازما” فيستعمل بشكل مبالغ فيه في الإعلام أو ألعاب الفيديو.

فيما قام ممانع ٌ آخر باعلان الحاجة الى انشاء برنامج نووي لبناني، تلبية لأُمنِيَة طفل من النبطية، اعلن اسم عائلته دلالة على جدية الأُمنِيَة!

2-    النفاق والذرائعية

الأكثرَ سُخريَةً هو التناقض الدائم بين الجملة لغة واختها ممارسة، بين القول والفعل. فالمحور الذي يهتف في صباحاًت طهران؛ “الموت لاميركا”، يفاوض الأميركيين في مدينة مسقط عاصمة سلطنة عمان مساءً. وقادته الذين يلعنون الرأسمالية في خطاباتهم، يرسلون أبناءهم للدراسة في لندن وباريس. اما رجالات نظام ولاية الفقيه وقادة مؤسساته، واتباعهم في العراق، فيحتفظ كل واحد منهم؛ بمئات ملايين الدولارات في حسابات بنكية في الولايات المتحدة، فيما ينعم ابناؤهم برغد العيش في مدن كاليفرنيا وميشيغن وغيرها من الولايات الاميركية.

يكفي أن يُصغي المرء لبضع دقائق إلى منابر ” مِحوَر الممانعة ” الإعلامية حتى يغرق في بحر من المزاعم السطحية. والتهويمات الخرافية فهؤلاء، الذين يفترض أنهم “محللون استراتيجيون”، لا يملكون من الاستراتيجية سوى حنجرة مبحوحة وذاكرة مثقوبة، فقد روى احدهم لنا ان ايران لديها سلاح البلازما، وهو سلاح وهمي لا يوجد مثيل له، بأي دولة في العالم.

وآخر مظاهر الارتباك والتخبط والذرائعية ما صدر مؤخرا عن حزب الله من مواقف تجاه قرارات الحكومة، التي مضت قدما بقراري ٥ و٧ آب بحصرية السلاح بيد الدولة، وقبول اهداف ورقة باراك، التي تحوي  التزامات متبادلة بين لبنان، سورية واسرائيل … المضحك المبكي ان الشيخ نعيم قاسم هدد الحكومة بالحرب الاهلية، لكن ذلك لم يمنع نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب محمود قماطي من ان يشيد  بقرارات الحكومة، لانها حفظت السلم الاهلي، وعلى الرغم من صدور بيانات من حركة امل والشيخ نعيم نفسه بالتَبرُؤ، من عراضات الدراجات النارية، الأ ان جهاز امن الحزب أنزل دراجات الرعاع التي تهتف شيعة شيعة…  لذلك من الصعب ان يكتم المراقب تعجبا و سؤالا؛ اذا كانت قرارات الحكومة تعجبكم فلماذا وعلام انسحب وزرائكم!؟

3-    الإسفاف بدل الحجة

يكفي أن نستمع إلى امين عام حزب الله الجديد الشيخ نعيم قاسم وهو يعلن في إحدى خطبه: “نحن انتصرنا، غصبا عنكم انتصرنا” ثم يضيف دون ان يرف له جفن؛ “قاعدين على قلوبكم “، لندرك أن معيار “النصر” لديهم لا علاقة له بالوقائع والحقائق والحسابات، فيضيف” لاقونا”! ولكن  الى اين يكون اللقاء!؟ الى معركة اخرى تفتح مقتلة ثانية!؟،  فلا قيمة لحياة الناس، بل فقط لقدرة ابواق الحزب على الاستمرار في رفع الصوت، فيما الإعلام التابع للمحور يعيد إنتاج هذه النغمة حتى تحفيظها الى الناس مثل نشيد إلزامي، بلا أي معنى أو مضمون.

4-    السطحية وفقدان البرهان

يوم سُئل  احدهم عن سبب فشل محوره وعن أسباب تفككه وفقدانه القدرة على المواجهة، استسهل استذكار انتصارات انتخابية مفترضة في اميركا الجنوبية، لرؤساء جمهورية لم يرهم في حياته، بل سمع عبر الاعلام، مواقف لهم تُدافعُ عن قضية فلسطين. كان سماعه لهذه المواقف كافيا  لجعلهم دليلا على انتصارات لمحوره! ولوكانت تلك الاحداث في المقلب الآخر من الكرة الارضية.

ويوم انهار اقتصاد لبنان وامتنعت مصارفه عن الايفاء بالتزاماتها تجاه مُودِعيها، لم تجد ابواق القطيع سوى شماعة “الحصار والمؤامرة” لتبرير الانهيار، متناسية أن اقتصاد الحرب والفساد ونهب موارد الدولة ورسومها الجمركية، بدأ قبل أية عقوبات فرضت ولم تطل لبنان كدولة ونظام.

 السطحية هنا ليست ضعفاً في المعلومة، بل استراتيجية معتمدة: إلقاء اللوم على “المؤامرة الكونية” كي لا تُسأل المنظومة السياسية عن دورها في تجويع شعبها، ولا يُسال المحور عن نتائج خياراته وسياساته المدمرة.

5-    الشتيمة كسلاح سياسي

يمتلؤ خطاب جريدة الاخبار ومشتقاتها من اجهزة الحزب وناشطيه بالمصطلحات التخوينية: “خونة، عملاء، سفارات، أدوات”، وهذه المفردات صارت قاموساً جاهزاً يوزعه المحور على إعلامييه.  فرئيس الحكومة القاضي نواف سلام صهيوني على حد صياح منقبة زينبية على طريق مطار بيروت، او كما صوَّرت يافطات رفعت في ساحات الهرمل، وأما رئيس الجمهورية وكامل الحكومة فينفذوا رغبات اسرائيل ومصالحها…على حد قول الشيخ نعيم.

 يكفي أن ينتقد صحافي مستقل او ناشط سياسي أداء “حزب الله”، او تصريحا لمسؤول ايراني قدم الينا يزين لنا محاسن الموت والانتحار باسم كربلاء، حتى تُفتح بحقه حملة منظمة من الشتائم، ويكفي اطلاق تغريدة تفضح سلوك حزب الله وتعري خطابه، حتى تنطلق على الشاشات ومواقع التواصل، مئات من الحسابات المزيفة، التي تحمل صور السيد نصرالله وشعارات حسينية، والتي لا تمتلك الا بضع تابعين وبضع متبوعين، وطبقا لايعاز منظم تطلق مئات الشتائم والاكاذيب والمساخر، لا تناقش مضمونا، ولا تبرز حجة او دليلا، بل تعاقب الحجة بالاهانة، وتسعى لاخراس الناطق براي مختلف، بقذفه بالشتيمة والسفاهة، وتنال من كرامات الناس واعراضهم، بلغة سوقية وسباب بزيء لا يليق بمن يدعي حب الامام الحسين او الانتماء لعلي بن ابي طالب، وكأن السبّ غدا بديلاً عن النقاش.

يوم انهار اقتصاد لبنان وامتنعت مصارفه عن الايفاء بالتزاماتها تجاه مُودِعيها، لم تجد ابواق القطيع سوى شماعة “الحصار والمؤامرة” لتبرير الانهيار، متناسية أن اقتصاد الحرب والفساد ونهب موارد الدولة ورسومها الجمركية، بدأ قبل أية عقوبات فرضت ولم تطل لبنان كدولة ونظام.

6-    صناعة الأكاذيب والإشاعات

ولا ننسى كيف بنشّر الإعلام الممانع، وبشكل منهجي ومدروس الاف الاكاذيب والاخبار لتعظيم شان ايران والاشادة بانجازاتها وتعظيم قدراتها المزعومة؛ فهي قادرة على حل ازمة الكهرباء في لبنان،  لكنها في الحقيقة تعاني ازمة حادة في تامين كهرباء عاصمتها طهران، وهي تعرض ارسال بولخر وقود الى لبنان خلال ازمة البنزين فيه، لكن مصافيها النفطية لا تستطيع تامين استهلاكها الداخلي ويجري توزيع الوقود على مواطنيها بقسائم تقنين محددة.

وايران تدعي قدرتها على تسوية تل ابيب بالارض، لكنها تقف عاجزة امام عربدة طيران اسرائيل فوق طهران، وسيطرة العدو على سمائها، ولا يغطي هذا العجز الا بنشر اخبار ملفقة تزعم  انها اسقطت طائرات إف-35 إسرائيلية”، من دون أي صورة أو دليل.

 اما عن الاشاعات فهي مخصصة لتشويه صورة الخصوم واستهدافهم، فعلى مدى السنوات الأخيرة، شكّلت جريدة الأخبار المنبر الأبرز لحزب الله وحلفائه في الحملات الإعلامية ضد خصومهم. وفي هذا السياق، نُشرت سلسلة طويلة من الأخبار المفبركة أو المضلِّلة، وواجهت نفياً قاطعاً أو دعاوى قضائية. ومن أكثر الأهداف التي طالتها هذه الحملات كانت القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع. ففي عام 2025، نُشرت الأخبار عن لقاء بين جعجع وقائد الجيش جوزيف عون، قيل إنه جاء “بعد فشل جعجع في إقناع عون بزيارة معراب”. القوات ردّت ببيان وصفت الخبر بأنه “افتراء لا أساس له”. كما تداولت الصحيفة أخباراً عن نيّة القوات سحب وزرائها من الحكومة، وهو ما إعتبرته القوات أنه “اختراع جديد من اختراعات الأخبار”.وقد عُدّت هذه الاخبار محاولات لتشويه صورة القوات وإظهارها كحزب متقلّب أو متهوّر سياسياً. كما استُهدِف  وليد جنبلاط أيضاً بسلسلة تقارير تحدثت عن “تموضع عسكري درزي” و”خطط حزبية في الجبل”. وقد دفعت هذه الاخبار جنبلاط إلى رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة بتهمة نشر أخبار كاذبة وتحريضية.

 لكن أكثر الحملات الإعلامية التي ارتبطت بجريدة الأخبار وبخطاب حزب الله مصطلح “شيعة السفارة”. الذي استُخدم للإشارة إلى شخصيات شيعية مستقلة أو معارضة لنهج حزب الله، وجرى اتهامها بأنها على ارتباط بالسفارة الأميركية في بيروت. كما نشرت الأخبار خلال انتخابات ٢٠١٨ تقارير واسعة عن دور إماراتي مزعوم في دعم شخصيات شيعية معارضة لحزب الله. وزعمت أن سفارة الإمارات في بيروت سعت إلى تمويل لوائح انتخابية تضم مرشحين شيعة مستقلين، من أجل مواجهة حزب الله وحركة أمل في بيئتهم وتبين ان غالبيتهم لم تترشح ولم تخض الانتخابات النيابية

وقد ُوظّف مصطلح ” شيعة السفارة” الذي ورد على لسان السيد نصرالله، ايضا،  كوصمة اجتماعية وسياسية ضد ناشطين وصحفيين، لتصويرهم كعملاء أو أدوات في يد الولايات المتحدة. الشخصيات التي ذُكرت في تلك التقارير نفت بشكل مباشر أو غير مباشر تلقّيها تمويلاً خارجياً، معتبرة الأمر فبركة انتخابية لتشويه صدقيتها.

الأكاذيب عندهم ليست زلات أَلسِنَة، بل صناعة يومية، ووظيفة حقيقية يتقاضون عليها رواتبهم.

7- إزدراء الكفاءات والاختصاص والعلوم

لا تحترم الممانعة الحقيقة كمعطى ملموس موضوعي وارضي، ولذلك تصطدم بكل صاحب كفاءة وعلم وخبرة، ينطلق من الوقائع مستبعدا استحضار الخرافة والغيب، ومناقشا السياسة كخيارات انسانية وبشرية، وليست وحيا مقدسا، او تعليمات الهية سماوية، ولذلك انتهك الخامنئي ذاته التراتبية الفقهية في المؤسسات الدينية الايرانية حين اوصلته السطوة الامنية للحرس الثوري الى مرتبة الولي الفقيه، متجاوزا العديد من المراجع الدينية الذين يسبقونه معرفة واجتهادا ومنزلة لدى مقلديهم، وينسحب هذا السلوك بعدم احترام كفاءة وعلم من لا ينتظم في صفوف ولاية الفقيه ليطال قامات دينية مختلفة في ايران والعراق ولبنان، يمكن ان يصل تعدادهم  الى المئات.

 لا تكتفي الممانعة بانتهاك معايير العلم والمعرفة في توليد اعداد لا تنتهي من المعممين الجهلة واشباه الاميين ومن تلميع وجاهات دينية زائفة، كل رصيدها روايات هشة وادارة مجالس عزاء حزينة وتنظيم طقوس لطميات جماعية، بل تذهب الى مواجهة اصحاب الكفاءات والمعارف في ميادين العلوم الكاملة، في الطب والصيدلة والكيمياء والاقتصاد والفلك والجيولوجيا، فسروال الخميني يشفي من جائحة كورونا، وتراب مرقد الامام الحسين  يشفي كل مرض ويحل كل معضلة، اما القرآن فيستعمل لمدواة امراض القلب.

وحين قدّم خبراء الاقتصاد في لبنان أرقاماً واضحة تُثبت أن تهريب المازوت والبنزين إلى سوريا يكلّف الخزينة مليارات الدولارات، كان رد إعلام المحور: “هؤلاء أبواق للسفارات”. وافادنا الصادق النابلسي ان التهريب هو عمل من اعمال المقاومة، أما حين يخرج أحد “محلليهم” ليشرح أن الدولار “قيمته ستنهار في العالم كله قريباً”، يجدونه عبقرياً استراتيجياً يستحق التكريم!

ليست أبواق القطيع مجرد زوائد صوتية للنظام والمحور، بل هي أداة أساسية لتخدير المجتمعات وإبقاء الناس أسرى الوهم. لا تقدم معرفة ولا تحترم عقل المتابع، بل تحاول فقط أن تفرض على الناس التصفيق للإفلاس باعتباره “انتصاراً”.

8-    غياب رادع الأخلاق واستقامة السلوك

أما عن الأخلاق، فلننظر إلى المفارقة: حزب الله يتحدث عن “المجتمع المقاوم الطاهر”، بينما تقارير الشرطة اللبنانية، اضافة الى تقارير عربية وأممية ودولية تتحدث عن تورطه في تهريب الكبتاغون والمخدرات. واما بيئة اشرف الناس فقد افتضح امر ممارسة رموزها، لتجارة الدواء الفاسد، واحتكار كميات هائلة من الادوية المدعومة، من قبل متصدري مجالس العزاء وحاملي اثار سجدة الصلاة على جباههم.

يضاف الى كل ذلك ارتكاب جرائم التهريب الجمركي وتبييض الاموال وانتهاك البيئة بالمقالع والكسارات واستباحة المشاعات والاملاك البلدية والعامة، وحفر الانفاق والمخازن تحت منازل المواطنين وبيوت عائلاتهم دون علمهم، وتخزين اسلحة متفجرة في اماكن مدنية وسكنية.

في المحصلة، ليست أبواق القطيع مجرد زوائد صوتية للنظام والمحور، بل هي أداة أساسية لتخدير المجتمعات وإبقاء الناس أسرى الوهم. لا تقدم معرفة ولا تحترم عقل المتابع، بل تحاول فقط أن تفرض على الناس التصفيق للإفلاس باعتباره “انتصاراً”.

اخيرا هل يمكن لهذا الفريق ان يكون اداة صالحة وكفوءة لمواجهة التحدي الاسرائيلي الذي تطرحه عنجهية اليمين الاسرائيلي وحكومة نتن ياهو الاجرامية!؟

وهل يمتلك هذا النهج الامكانات الفعلية والمهارات والسلوكيات المناسبة، لمواجهة عدو يتمتع باخر منجزات العلم والعقلانية، ويستند الى دعم غير محدود من دول الغرب والولايات المتحدة الاميركية!؟

 ولعل الجواب بالنفي القاطع، لا يعفي العرب دولا ونخبا سياسية، من السعي الى ايجاد السبل  والاستراتيجيات الكفيلة لمنع اسرائيل من ان تتسيد المنطقة وترسم مستقبلها، فليس قدرا عربيا ان نجبر على الخيار المر بين هيمنة ايران وتخلفها وتفوق اسرائيل ووحشيتها.

المصدر: جنوبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى