في هذا العمل العميق، يضعنا برهان غليون أمام الأسئلة الكبرى التي لطالما شغلت الفكر العربي: علاقة الدين بالدولة، ومعنى السياسة في مجتمعات تتأرجح بين الولاء الروحي والأخلاقي، وبين الترتيب الإداري والسلطة السياسية. إن النزاع الذي يبدو اليوم صدامًا بين العلمانيين والإسلاميين ليس مجرد خلافٍ حول شكل الدولة، بل هو صراع في الجذور بين منطقين للحياة: منطق يسعى إلى تأسيس الجماعة على قيم الأخوة الروحية، ومنطق آخر يبتغي تنظيمها عبر القانون والمواطنة.
بهذا المعنى، يحاول غليون أن يحرر موضوع السياسة من سجنه الأيديولوجي الضيق، ليكشف عن أبعاده التاريخية والأنثروبولوجية والفكرية. فالمسألة ليست في اختزال الدين إلى أداة في المعركة السياسية، ولا في حصر السياسة في جهاز الدولة القهري، بل في إعادة التفكير في جدليّة العيش المشترك، وكيفية التوفيق بين البعد الأخلاقي الذي يمنح المعنى، والبعد السياسي الذي ينظم السلطة.
الكتاب ليس مجرد تحليل أكاديمي، بل هو محاولة جادة لإعادة وصل السياسة بالإنسان، وإخراجها من أسر الشعارات والانقسامات، لتكون فضاءً للفكر والحرية والمصير المشترك.
