
منذ إسقاط نظام الأسد، لم تتوانَ إسرائيل عن خرق اتفاقية الهدنة لعام 1974، عبر التقدم البري مرارًا وتكرارًا إلى حد اعتقال مواطنين سوريين، وإقامة حواجز، وقضم قرى، وصولًا إلى معزوفة “حماية الأقليات” بطريقة لا يمكن إلا أن تجر إلى حرب إقليمية على الأرض السورية. فالسلوك الإسرائيلي العدواني في سوريا لا يهدد فقط استقرار البلاد ونسيجها الوطني، لكنه – في حال استمر – سيؤدي إلى زعزعة النظام الجديد، واستجرار مواجهة مع تركيا، سيكون المستفيد الأكبر منها إيران ومحورها.
لا تفعل إسرائيل ذلك نتيجة لخطأ في الحسابات، بل وفق مخطط واضح لحكومة يمينية تعتاش على الحروب والتطرف. فالاحتلال الإسرائيلي يتمادى في التوغل داخل الأراضي السورية والتغول في الشأن الداخلي السوري، على الرغم من إعلان النظام السوري الجديد، وفي أكثر من مناسبة، اتجاهه إلى التركيز على القضايا الداخلية الملحة وعدم رغبته في فتح أي جبهات خارجية على حساب إعادة بناء البلد الذي أحرقه الأسد.
كان النظام السوري الجديد حاسمًا في قضيتين خارجيتين أساسيتين: لا يريد الاتجار بالقضية الفلسطينية ليبني شرعيته، ولا يريد التدخل في شؤون لبنان والسيطرة عليه كما امتهن الأمرين نظام الأسدين. لذا، فإن هذا الأداء الإسرائيلي الذي يتحدى الجهود الأميركية والتوجه الأوروبي لتثبيت استقرار سوريا، لا يمكن – بطبيعة الحال وديناميات الحالة السورية الوليدة – إلا أن يؤدي إلى زعزعة داخلية، ومواجهة إقليمية قد تعيد سوريا إلى ساحة صراع تركي – إسرائيلي، يتضمن سيناريوهَي المواجهة المباشرة والحرب بالوكالة (Proxy War).
يمكن توقع تصعيد إسرائيلي مباشر ضد الوجود التركي في سوريا إذا ما قررت أنقرة رفع وتيرة التعاون العسكري والأمني مع النظام السوري الجديد.
هذه المحاولات الإسرائيلية التي بدأت مع سقوط النظام وُوجهت بدايةً بلا مبالاة أميركية وصلت إلى حد غض النظر، قبل أن يتمكن الموقف الأوروبي الصلب من استمالة الأميركيين لتبني استراتيجية منع زعزعة استقرار النظام الجديد، لأن إيران هنا ستكون أول المستفيدين، ويستتبعها حزب الله في لبنان.
وعلى الرغم من ادعاءات إسرائيل بحماية حدودها الشمالية والتلطي خلف حماية الدروز السوريين، فإن القاعدة الأساسية لما يقوم به نتنياهو قائمة على اعتبارين راسخين في عقلية اليمين الإسرائيلي الحاكم:
- النظام الجديد في سوريا هو امتداد لحركات الإسلام السياسي، وبالتالي لن ترضى إسرائيل بـ”حماس” أخرى على حدودها.
- عدم السماح بتمدد الوجود العسكري التركي من شمال سوريا إلى جنوبها عبر قواعد عسكرية ضمن اتفاقية دفاع مشترك يتم العمل عليها بين دمشق وأنقرة.
ومن هذا المنطلق، يمكن توقع تصعيد إسرائيلي مباشر ضد الوجود التركي في سوريا إذا ما قررت أنقرة رفع وتيرة التعاون العسكري والأمني مع النظام السوري الجديد، الذي وُلد من رحم رعاية ودعم تركيين كاملين تُرجما بتحقيق الحسم العسكري على النظام السابق.
في المقابل، ترى تركيا أن المواجهة مع إسرائيل مسألة وقت. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد حذر في العام 2024 من أن تركيا ستكون هدفًا للعدوان الإسرائيلي.
ستكون إيران أمام فرصة ذهبية للاستفادة من اهتزاز الاستقرار من أجل محاولة التقرب من تركيا ومن الحكم الجديد في سوريا من جهة، ومن أجل استغلال الفوضى لاستعادة خط الإمداد إلى لبنان وإعادة تمويل حزب الله وتسليحه للانقلاب على المشهد اللبناني الحالي.
ومع تصاعد حدة الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية، تتحضر الجبهة الداخلية والخارجية في تركيا لخوض صراع شرس مع إسرائيل، تكون سوريا ساحته الأساسية. مع العلم أن المواجهة الأمنية لم تتوقف يومًا، بل زادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة بين “الموساد” والاستخبارات التركية التي تسعى بصمت لتفكيك عشرات شبكات الموساد.
وفي حين أن المواجهة المباشرة بين إسرائيل وتركيا ستكون محدودة وربما تقتصر على غارات إسرائيلية لا تستفز “الناتو” مع ردود تركية محسوبة، فإن تخطي إسرائيل لهذا الخط الأحمر – أي الانتقال إلى المواجهة المباشرة مع تركيا – سيعني انتهاء مرحلة التوغل “السهل” لقوات الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، والانتقال إلى مواجهات برية مباشرة بين فصائل سورية، سواء تابعة لوزارة الدفاع أو ضمن حراك العشائر العابر للحدود.
في سيناريو كهذا من المواجهات بالوكالة، ستكون إيران أمام فرصة ذهبية للاستفادة من اهتزاز الاستقرار من أجل محاولة التقرب من تركيا ومن الحكم الجديد في سوريا من جهة، ومن أجل استغلال الفوضى لاستعادة خط الإمداد إلى لبنان وإعادة تمويل حزب الله وتسليحه للانقلاب على المشهد اللبناني الحالي، بما يغرق لبنان في الفوضى أيضًا. والفوضى هي الترياق للمحور الإيراني الذي يتغذى على الخراب.
ليس هذا المشهد حتميًا، ويمكن لعوامل عدة داخلية سورية يملك مفاتيحها الشرع ونظامه، بالإضافة إلى جهود دبلوماسية من دول الإقليم، أن تبعد هذا السيناريو عن سوريا وشعبها. التصميم الأميركي أساسي في منع التهور الإسرائيلي الذي باتت خطورته مضاعفة بعد كل الإشارات التي تدل على تلاقي مصالح كبيرة بين طهران وتل أبيب في سوريا. والخطر الذي يدق باب سوريا هنا… لن يكون لبنان بمنأى عنه.
المصدر: تلفزيون سوريا