الصين كقطب عالمي جديد

   معقل زهور عدي

يصلح احتفال عيد النصر الصيني يوم الأربعاء الماضي في بكين ليكون إعلانا لبروز قطب عالمي جديد في السياسة الدولية

لقد كان منظر الرئيس الصيني شي جين بينغ شديد الايحاء وهو يتوسط 26 زعيما عالميا في لقاء منظمة شانغهاي للتعاون ثم حين وقف يشهد الاستعراض العسكري المبهر وعلى يمينه الرئيس الروسي بوتين وعلى يساره الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون , هذا الاستعراض العسكري الذي يعد من أكبر المناورات العسكرية في التاريخ المعاصر للصين والذي خُصص لعرض أحدث التقنيات الدفاعية والهجومية، ومنها منظومات الأسلحة فرط الصوتية (هايبرسونيك) وشبكات الاتصالات المتقدمة، التي من شأن قدراتها أن تغيّر ميزان القوى في شرق آسيا، بل وفي العالم.

من حيث المبدأ هناك فروقات سياسية واقتصادية وثقافية لايمكن تجاهلها بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وللأسف فإن أبرز ما يجمع بينهم هو غياب الديمقراطية في دولهم التي تعد أهم الدول الديكتاتورية المتبقية في هذا الكوكب .

بالطبع فهناك الكثير الذي يمكن أن يقال حول أحادية القطبية الأمريكية وماتحمله من عيوب وتحكم غير مقبول بالسياسة الدولية وكونها أصبحت موضع شكوى بصورة متزايدة حتى من قبل الأوربيين أقرب الحلفاء للولايات المتحدة لكن لندع ذلك قليلا ولنمعن النظر في البنية الداخلية للقطب الصيني الجديد الذي يحاول استبدال القطبية الأمريكية بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يلعب فيه وفق جميع المؤشرات الاقتصادية والعسكرية دور القطب الثاني بعد الولايات المتحدة مباشرة وقبل روسيا التي يمكن أن تحتل مركز القطب الثالث بينما يلف أوربة الغموض حول مكانها في النظام العالمي الذي يحاول الحلول مكان القطبية الأمريكية دون جدوى حتى الآن على الأقل.

فالسياسة الخارجية لأي دولة تبقى محكومة ببنيتها السياسية الداخلية , والولايات المتحدة الأمريكية رغم نزعتها الامبريالية وانخراطها في الحروب غير العادلة لكنها تمتلك نظاما سياسيا ديمقراطيا شفافا يمكن من خلاله مراقبة عمل الادارات السياسية المتعاقبة وإخضاعها للمحاسبة كما تتأثر سياساتها الداخلية والخارجية بالرأي العام عبر الانتخابات الديمقراطية وحرية الصحافة والاعلام .

والولايات المتحدة شأنها شأن الدول الأوربية في كونها وريثة الحضارة الأوربية وقيمها الانسانية مهما تعرضت تلك القيم للتشوهات فضلا عن عيوبها الأصلية .

لكننا نجد أنفسنا في حالة الصين أمام شيء آخر مختلف كل الاختلاف .

فالصين الشيوعية عملت للقطع في مفاهيمها القيمية مع الغرب دون أن تلزم نفسها بالروح الانسانية للاشتراكية . وهكذا لم تحتفظ من النظام الشيوعي سوى بالبنية الحزبية البوليسية المغرقة في استعباد الفرد وانكار الحريات الخاصة والعامة .

صحيح أنها حققت تقدما مذهلا في الحقل الاقتصادي نجح في رفع مستوى معيشة الفرد الصيني لكن لم ينجح في منحه الحرية الانسانية التي يتوق اليها الجنس البشري بصورة فطرية .

هذه البنية البوليسية الحديدية جعلت الصين ذات وجهين وجه خارجي يحمل معاني القوة والنمو الاقتصادي الذي يشبه القفزات ووجه داخلي غير مرئي يحمل معاني الطغيان والديكتاتورية المطلقة .

في النهاية لايمكن لسياسة الصين الخارجية السباحة خارج فلسفة نظامها السياسي الداخلي سوى عبر هامش محدد في الحركة وفي الزمن .

وحين تتربع الصين على مركز القطب الثاني ينهض سؤال كبير : ماذا سيحمل ذلك للعالم من عدالة ورحمة وحرية ؟

والخوف كل الخوف يكمن في أن ماتستطيع الصين تصديره للعالم على صعيد المفاهيم السابقة لايخرج عن فلسفة نظامها السياسي الداخلي . وهو أمر لايوحي بأننا سنكون في عالم أفضل .

وفي كارثة وباء كورونا أمكن للعالم القاء نظرة لواقع الحياة في الصين ولمخاطر انعدام الشفافية في أجهزتها السياسية والادارية والمسألة الأكثر أهمية عن مدى وجود أو عدم وجود قيم انسانية تحكم الحياة السياسية والقرارات الكبرى التي تمس مصير البشر داخل الصين والتي خرج تأثيرها في كارثة وباء كورونا للعالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى