
القاعدة العامة أن ناقل الكفر غير كافر، لكن حينما يكون النقل في سياق التوكيد فهو الكفر بعينه.
هل يعقل فهم “قضية الانفصال”، وتخريب أول تجربة وحدودية، وأهم تجربة وحدوية بين دولتين عربيتين بوزن مصر وسوريا من هذه الزاوية “السخيفة “إن صحت. مع ملاحظة أن أحدا لم يرو مثل هذه الحادثة سببا للانفصال، لكني يبدو لي أنها محاولة يائسة وبائسة لستر جريمة لم يجد أن المشاركين بتنفيذها غير هذه “القصة” لسترها.
إن القضية في تاريخنا المعاصر أجل من ذلك وأعظم.
لقد مضى على اسقاط دولة الوحدة ٦٤ عاما، ولمن أراد خيرا لأمته عليه أن يقف ليدرس أسباب الانفصال، وأين هو الخلل الذي أفسح المجال لمرور هذا الحدث، أو هذه المؤامرة،
طبعا غير مطلوب لمن لا يؤمن بوجود الأمة العربية، وبحقها في أن تتوحد المساهمة في هذا الجهد، لأن افتقاد الإيمان يجعل وجود الوحدة خطأ، وكذلك وجود الاتجاه الوحدوي.
أما الذين يؤمنون بالذي نشير إليه عليه أن يحدد توصيفه للنظام الذي ساد دولة الجمهورية العربية المتحدة، ثم يعرض ما يراه أسبابا على تلك الأوصاف ليستخلص ما هو بحق سببا في الانفصال، أو لنقل سببا من أسباب الانفصال،
ولنضرب مثلا على ما نقول، فنحن حين نقول أن من صفات دولة الوحدة المشار اليها أن نظامها كان نظاما استبداديا، علينا أن نقول ونحن الآن على بعد تجاوز الستة عقود من دولة الوحدة، هل تعود صفة الاستبداد لعدم وجود أحزاب، أم للقمع عبر السجون، وإذا كان بسبب السجون فإن صحة التوصيف تقتضي أن نقول كم كان عدد السجناء السياسيين حين وقع الانفصال في ٢٨ ايلول ١٩٦١، ثم كم عدد الذين سجنوا بسبب آرائهم طوال فترة الوحدة التي امتدت لثلاث سنوات ونصف السنة، ثم أن نحدد اتجاهات هؤلاء المسجونين.
وإذا قلنا أن سبب الانفصال يكمن في قرارات التأميم، يجب أن نذكر ما الذي تم تأميمه، وكم هو الزمن الفاصل بين قرارات التأميم وبين وقوع الانفصال، وهل هذه المدة التي التي لم تتجاوز سبعين يوما كانت كافية للترتيب لهذا الحدث الخطير، خصوصا إلى خلصنا في التوصيف الأول للقول إن النظام كان استبداديا.
وهنا ليس مهما أن أكون أصلا مع فكرة التأميم أوضدها، إظهار وتحديد الموقف الشخصي مستوى آخر من مستويات التقييم والحكم.
مهم أن نعالج قضايانا الرئيسية بشيء من الجدية، وإلا تسقط مصداقية ما نرويه ونقوله في الأحداث التي نعايشها.
جريمة بحق عقلنا ووجداننا الوطني أن نعالج قضايا لها هذه المكانة في تاريخنا وضميرنا بهذه الخفة، حتى ولو كنا مجرد ناقلين.