
بعد الأحداث الدامية التي هزّت محافظة السويداء في 13 تموز 2025، وامتدت تداعياتها إلى عمق العلاقات بين السويداء ودرعا، تنشط اليوم مبادرات سلمٍ أهلي يقودها المجتمع المدني، تسعى لاحتواء الأزمة وتجنيب العلاقة بين المدنيتين مزيداً من التصدع.
أبرز هذه المبادرات حملت وسم “السويداء في قلب سوريا” الذي أطلقه ناشطون من السويداء ودرعا، هدفه نبذ الخطابات الطائفية التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي.
المبادرة أطلقها ناشطون سياسيون وإعلاميون من درعا والسويداء والقنيطرة، وشارك فيها شخصيات فاعلة في المشهد السوري ومن مختلف المحافظات السورية.
وتصدر وسم “السويداء في قلب سوريا” موقع “فيسبوك” في الأيام الماضية في خطوة تهدف إلى تخفيف الاحتقان في الشارع السوري، ونبذ المشاريع الخارجية الساعية لهدم التعايش المشترك بين مكونات الشعب السوري، إضافة إلى تعزيز الخطاب السوري الجامع الذي ينادي بوحدة سوريا أرضًا وشعبًا.
جُبير السكري العضو في “الحركة الشبابية السياسية”، وأحد منظمي المبادرة قال لموقع تلفزيون سوريا، إن الحملة جاءت بمبادرة من ناشطين من إعلاميين من درعا والقنيطرة والسويداء، انطلاقًا من الواجب الوطني بتوحيد الكلمة ونبذ خطاب التحريض والكراهية.
وأضاف السكري: “من هذا المنطلق بادرنا بالعمل لكسر الجمود في المجتمع السوري عامة ومجتمع جنوب سوريا خاصة بحكم موقعنا الجغرافي من السويداء”.
وأكد جُبير أن المبادرة لاقت تفاعلًا في السويداء، وكان بعض التفاعل معلنا، وآخر غير معلن بسبب الخوف من الفصائل المسلحة هناك، لكن كانت الرسالة من المجتمع في السويداء تحت عنوان “أنتم صوتنا ونحن تحت الرصاص”.
و”الحركة الشبابية السياسية” لا تعنى بالسلم الأهلي، بل هي تيار شبابي سياسي لا يسعى للسلطة، ورؤيتها (بناء الدولة السورية الجامعة دولة المواطنة الضامنة لحقوق جميع المكونات السورية) أهدافها سوريا حرة مستقلة، تعتمد على الفرد كأساس للنهضة وتحقيق التنمية.
كما أشار جُبير أنه كان هناك عدة محاولات خلال أحداث السويداء من قبل عدة فرق وعلى رأسها فريق عين درعا، لإدخال مساعدات إنسانية إلى السويداء، لكن بسبب سوء الأوضاع الأمنية هناك لم يستطع أحد الدخول.
ولم تقتصر محاولات إدخال المساعدات على فرق الهلال الأحمر، إذ بادر العديد من العاملين في منظمات المجتمع المدني في درعا بإدخال المساعدات خاصة مادة الخبز إلى السويداء، ولكن بسبب تردي الحالة الأمنية، لم تنجح هذه المبادرات.
ومع اختطاف المتطوع في الدفاع المدني السوري، حمزة العمارين، من قبل الفصائل المحلية في السويداء، تراجع العديد من العاملين في منظمات المجتمع المدني عن الدخول إلى السويداء، إلى حين التهدئة.
وأكد معظم العاملين في منظمات المجتمع المدني في درعا، أن المجتمع المحلي لديه خطط على الأرض للعمل على إعادة الثقة بين المحافظتين، كالنشاطات التي تركز على تشابه التراث بين جبل العرب وسهل حوران، إضافة إلى الإضاءة على تاريخ العيش المشترك بينهما لكن معظم هذه الفعاليات مؤجلة حتى تخف حدة الاحتقان، وتتجه الأعمال العسكرية نحو التهدئة.
تحديات أمام المصالحة الوطنية
ورغم هذه التحركات الإيجابية، فإن مبادرات السلم الأهلي تواجه عدة تحديات، في ظل مشهد مقعد يخيّم على سوريا.
ومع نشاط السلاح المنفلت والخارج عن سيطرة الدولة، تبقى المبادرات التي يقودها المجتمع المحلي رهن الواقع العسكري.
الخبير الاجتماعي محمد أبو زيد، أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أن هذه المبادرات تواجه خطر الفصائل المسلحة، إذ لا تزال تملك قدرات “نارية” وتتمركز في مناطق تمكنها من إشعال المشهد مجددا، مما سيؤدي إلى تخريب جهود المجتمع المحلي في تحقيق السلم الأهلي.
كما أن غياب الجهات الضامنة سواء المحلية أو الدولية لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم بين الدولة السورية والوجهاء في السويداء، وضعف إمكانية فض النزاع عند وقوعه، يزيد من مخاطر فشل هذه المبادرات، ويخلق حالة أكبر من الاحتقان، بحسب أبو زيد.
وفي ظل هذا الواقع المتوتر، تحاول درعا والسويداء اليوم السير على حبل دقيق بين الذاكرة المثقلة بالخسارات، والرغبة الشعبية الجامحة في إنهاء النزاع.
وبينما تستمر المبادرات المدنية في دفع الحوار، يبقى نجاح المسار رهيناً بالقدرة على ضبط السلاح، وتحقيق عدالة حقيقية، واستعادة لغة الجيرة بدلاً من لغة الثأر والانتقام.
المصدر: تلفزيون سوريا