استباحة الأقصى.. بوادر إسرائيلية لإنهاء الوضع القائم منذ ما قبل الاحتلال

تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالقوة وقائع جديدة في المسجد الأقصى بالقدس المحتلّة، تزامناً مع كل مناسبة دينية يهودية، في محاولة لترسيخ واقع استيطاني يتجاوز كل الخطوط الحمراء. آخر الخطوات تمثلت في ما شهده الأقصى اليوم الأحد، من اقتحام واسع شارك فيه آلاف المستوطنين ضمن فعاليات إحياء ذكرى ما يُعرف بـ”خراب الهيكل”، حيث تحول هذا اليوم إلى منصة دعائية لتهيئة الرأي العام لما يسمونه “تجديد العهد من أجل إزالة الأقصى وتأسيس الهيكل الثالث”.

ونظّم المستوطنون المقتحمون طقس “السجود الملحمي” بشكل جماعي وسط شعارات تحريضية أطلقتها جماعات “الهيكل” منذ منتصف الأسبوع الماضي، تحت عنوان “النصر الكامل في جبل الهيكل لم يتحقق”. وتزامن هذا التصعيد مع مشاركة بارزة لشخصيات سياسية إسرائيلية رفيعة، أبرزها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، إلى جانب نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شاران هاسكل التي التقطت صوراً أمام قبة الصخرة بشكل استفزازي، كما شارك عضو “الكنيست” عاميت هاليفي في الاقتحام الصباحي، في مشهدٍ يعد الأخطر خلال السنوات الماضية، إذ استبيحت جميع الزوايا في ساحات الأقصى.

وبلغ عدد المقتحمين 3969 مستعمراً أدوا طقوساً تلمودية، ورقصات، وصراخاً عمّ أرجاء المسجد الأقصى، خلال فترات الاقتحام الصباحية والمسائية، وهذه أعداد غير مسبوقة مقارنة باقتحامات الأعوام السابقة، بحسب مدير دائرة الإعلام في أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك، فراس الدبس في حديث مع “العربي الجديد”.

فيما اعتبرت دائرة الأوقاف، في بيان لها، أن مشاركة وزراء ونواب إسرائيليين تحت حماية مشددة تُكرّس عسكرة الحرم القدسي وتحويله إلى ساحة استعراض للقوة، في تحدٍّ للوصاية الهاشمية وخرق صريح لقرارات الشرعية الدولية. في حين جرى اعتقال ثلاثة حراس من المسجد الأقصى، وهم: محمد طينة ومحمد بدران وأحمد أبو عليا.

وقال عضو هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس، مازن الجعبري، لـ”العربي الجديد”، “إن اقتحامات اليوم تحمل رسائل متعددة مغلّفة بالطابع الديني اليهودي، لكنها في جوهرها تعبّر عن أهداف سياسية واضحة تقودها الأحزاب الصهيونية الدينية، وعلى رأسها حزب الوزير المتطرف إيتمار بن غفير”.

وأشار الجعبري إلى أن “الاقتحامات باتت تُنفّذ منذ نحو عامين بشكل منتظم، حيث يؤدي المستوطنون صلواتهم داخل باحات المسجد الأقصى بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، لكن تطوّر اليوم خطير؛ إذ جرت الصلوات فوق كامل ساحة المصلى المرواني، بعدما كانت تقتصر سابقاً على بعض أجزائه، ما يعني عملياً توسيع مناطق السيطرة داخل المسجد”. وأوضح أن اللافت في مشهد الاقتحامات اليوم هو حجم المشاركة الكبير، بما في ذلك شخصيات سياسية بارزة، وهو ما يُشير إلى عملية حشد مقصودة سيجري استثمارها لاحقاً في سياقات انتخابية دعائية من قبل التيارات الدينية المتطرفة.

ولفت إلى أن “الخطورة لا تكمن فقط في الأعداد المتزايدة، رغم أهميتها، بل في آلية توظيف هذا الحشد، وتحويله إلى رسالة سياسية داخلية موجهة لناخبي الصهيونية الدينية، مفادها أنهم قادرون على السيطرة التدريجية على المسجد الأقصى، وتقسيمه فعلياً من حيث الزمان والمكان”.

وبحسب الجعبري، تسعى الجماعات المتطرفة للوصول إلى هدفٍ استراتيجي وهو بلوغ خمسة آلاف مقتحم في موسم واحد، لافتاً إلى أن هذه الجماعات ظهرت وهي تحمل لفائف التوراة قبالة الجسر المؤدي إلى باب المغاربة، في تعبير واضح عن مطلبها بإدخال الأدوات الدينية التوراتية إلى باحات الأقصى المبارك، “لأن جماعات الهيكل تعتبر إدخال أدواتها الدينية إلى الأقصى بمثابة خطوة معنوية على طريق تحويله إلى هيكلٍ”.

وقال الجعبري إن المقتحمين أدوا صلاة الشماع التوراتية بشكل جماعي في الساحة الجنوبية الشرقية من المسجد، تحديداً فوق المصلى المرواني، وهي الصلاة الافتتاحية التي تُفتتح بها كل الصلوات اليهودية، إضافة إلى طقوس علنية أخرى، تتضمن السجود الملحمي والصلوات التوراتية والأناشيد التي تدعو إلى (بناء الهيكل)، وذلك في الساحة الشرقية من الأقصى. وجاءت هذه المشاهد بعد دعوة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، في 5 يونيو/حزيران الماضي، اليهود إلى الصلاة العلنية داخل المسجد، بالتزامن مع ما تُسميه إسرائيل (يوم القدس)، الذي يوافق ذكرى احتلالها الشطر الشرقي من المدينة عام 1967.

الاحتلال أنهى “الستاتيكو” أي الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى منذ ما قبل احتلال القدس عام 1967.

وقال الجعبري إن بن غفير تبنّى سياسة واضحة منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني 2023، تقوم على السماح لليهود بالصلاة في أي مكان داخل القدس، لافتاً إلى أنه اقتحم المسجد الأقصى 11 مرة خلال الفترة الماضية، وأشرف على إجراءات تهويد متسارعة. وكانت شرطة الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت أمس السبت، في بيان، وجهته لاتحاد منظمات الهيكل، ترحيبها بالمقتحمين ووصفتهم بـ”الحجاج”، متعهّدةً بتسهيل دخولهم وتأمين طقوسهم.

واعتبر الجعبري أن هذا البيان حمل رسالة خطيرة مفادها اعتراف واضح بأن هذه الاقتحامات لم تعد مجرد اقتحامات، بل أصبحت ذات طابع ديني رسمي، ويجري توظيفها لصالح الأهداف السياسية لأحزاب الصهيونية الدينية.

ولفت الجعبري إلى أن سلطات الاحتلال انتقلت من مرحلة توجيه أوامر لعناصر الشرطة بأن يسمحوا للمستوطنين بممارسة الغناء والرقص داخل المسجد الأقصى بحرية تامة، إلى مرحلة معاقبة عناصر الشرطة الإسرائيلية الذين يحاولون منع بعض المقتحمين من ممارسة كلّ أشكال الطقوس، وذلك في تأكيد على أن الاحتلال أنهى “الستاتيكو” أي الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى منذ ما قبل احتلال القدس عام 1967.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى