نتنياهو يسعى لإعادة فكرة التهجير إلى عقل ترمب

محمود سمير الرنتيسي

لقد فشلت الفكرة التي طرحها دونالد ترمب قبل أشهر حول تفريغ غزة من سكّانها ونقلهم إلى دول عربية مجاورة وإقامة منتجعات سياحية فوق الأرض التي رويت بدماء الأطفال والنساء في أسوأ إبادة جماعية عرفها التاريخ الحديث.

وكان من أسباب الفشل في ذلك الوقت بشكل أساسي هو عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على تفريغ غزة من سكّانها، بسبب صمود الشعب الفلسطيني على أرضه رغم استمرار حرب الإبادة، وثانياً صدمة الدول العربية التي عارضت الفكرة خوفاً على أمنها القومي من التعرّض للخطر بسبب هذه الفكرة المجنونة.

ولكن قادة الاحتلال الإسرائيلي الذين عملوا على إقناع دوائر ترمب القريبة بهذه الفكرة لم ييأسوا من إمكانية تطبيقها وما زالوا يحاولون بشتى الطرق من أجل تحقيقها.

مع أهمية الإشارة إلى أنّ الذي يرشح ترمب لنيل جائزة نوبل للسلام هو نتنياهو، المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، بسبب جرائم حرب الإبادة في قطاع غزة..

بداية لنتفق أنّ ترمب زعيم مهووس بالإعلان عن أفكار غريبة ويحب أن تجد أفكاره طريقها إلى التنفيذ، وعند وجود شخصية انتهازية وذات خبرة في السياسة مثل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإنّه لن يترك هذه الفرصة تضيع من أمامه من دون محاولة لاستغلالها، ولهذا اعتمد الاحتلال، خاصة نتنياهو، على عدة أمور من أجل استعادة فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأجندة السياسية لترمب.

وإذا وقفنا على آخر التطورات في اللقاء الأخير لـ ترمب-نتنياهو، سنجد أن نتنياهو حاول إثارة غرور ترمب والتأثير النفسي عليه، وكان تقديم رسالة ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، التي يطمح ترمب لنيلها، وسيلة واضحة من نتنياهو للتأثير عليه، مع أهمية الإشارة إلى أنّ الذي يرشح ترمب لنيل جائزة نوبل للسلام هو نتنياهو، المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، بسبب جرائم حرب الإبادة في قطاع غزة.

وعلى كل حال، قدّم نتنياهو هذا الإطراء بين يدي ترمب للتأثير عليه، ثم تناول معه بشكل علني خطة تهجير سكان قطاع غزة، وحاول مجدداً أن يغلفها بفكرة الهجرة الطوعية من خلال القول: مَن أراد المغادرة فليغادر، هذا خيار شخصي وليس سجناً، مشيراً إلى أن دولة الاحتلال تنسق مع الولايات المتحدة للبحث عن دول توافق على استيعاب سكان غزة.

من المهم الإشارة هنا أنّ نتنياهو يستحضر علناً، ملف تهجير سكان قطاع غزة، في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن مساع إلى وقف إطلاق النار في غزة، وهذا حقيقة تشير بشكل واضح إلى نوايا الاحتلال.

ووفقاً لما سبق، فإن حكومة الاحتلال تعمل على استعادة الأسرى الإسرائيليين من أيدي المقاومة الفلسطينية في غزة، عبر صفقة مؤقتة تمنح فيها سكان القطاع بعض فتات المساعدات الإنسانية، ثم تستأنف القتل الذي يمهد إلى عملية التهجير مرة أخرى.

يستخدم الاحتلال التدرّج في تنفيذ فكرة تهجير سكّان غزة، وذلك من خلال تقديم أفكار محدودة ثم العمل على توسيعها تدريجياً..

من جانب آخر، يحاول نتنياهو أن يقول لترمب أن ثمة متغيرات جديدة تجعله قادراً على طرح فكرة التهجير التي قدّمها وكأنها فكرة ترمب من أجل أن تقبلها عدة دول كبداية، ومن هذه المتغيرات جولة المواجهة الأخيرة بين إيران والاحتلال، الذي يعتقد نتنياهو أنه حقّق فيها إنجازات استراتيجية يمكنه من خلالها فرض رؤيته على كل دول المنطقة.

وفي ذات السياق، يستخدم الاحتلال التدرج في تنفيذ الفكرة من خلال تقديم أفكار محدودة ثم العمل على توسيعها تدريجياً، وهنا نشير إلى ما كشف عنه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، مؤخراً، وهي خطة لإقامة “مدينة إنسانية” مغلقة فوق أنقاض مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وذلك لفصل السكان المدنيين عن عناصر حركة حماس، وتقضي الخطة في مرحلتها الأولى، تفريغ منطقة الممر الإنساني في المواصي، ثم نقل ما يصل إلى 600 ألف فلسطيني إليها.

وفي مراحل لاحقة تسعى إسرائيل، وفق المخطط، إلى نقل بقية سكان القطاع -أي أكثر من 2.3 مليون شخص- إلى المدينة الجديدة، من دون تحديد جدول زمني واضح.

ووفق النموذج المطروح، لن يعمل جيش الاحتلال على توزيع الغذاء أو المساعدات مباشرة، بل سيكتفي بتأمين محيط المدينة من مسافة بعيدة، وطبعاً، يمكن توقّع أن تطبيق إجراءات مشددة على هذه المنطقة مع استخدام طرق الترهيب والترغيب، ستفتح الباب للمخطط الأوسع وهو التهجير الكامل لسكان قطاع غزة.

وبالطبع فإنّ مثل هذه الخطط ترضي حلفاء نتنياهو أيضاً، مثل: بن غفير وسموتريتش، وتحافظ على خططه في البقاء بالسلطة لمدة أطول.

وبين التخوّف من مثل هذه السيناريوهات والتعامل معها كتهديد أو كورقة في ملف المفاوضات، يمكن ادّعاء التنازل عنها مقابل تنازلات أخرى، حيث يبقى من المهم، التعامل مع ملف التهجير كتهديد عملي يجب إحباطه في ظل تبني اليمين الصهيوني له بشكل عملي.

ختاماً، نجد أن عملية الحديث عن تهجير سكان قطاع غزة تعود إلى الأجندة بمعدل كل شهرين تقريبا، قبيل وبعيد زيارة نتنياهو إلى واشنطن، كما أن ترمب الذي فقد اهتمامه بفكرة التهجير منذ 6 أشهر، تُستخدم اليوم أساليب جديدة تنطلق من معرفة بشخصيته، من أجل إعادة الفكرة إلى رأسه مجدّداً.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى