الغاز إلى سورية.. لماذا أذربيجان؟

إياد الجعفري

تتداخل الاعتبارات الاقتصادية، مع نظيرتها السياسية والاستراتيجية، في خلفية اتفاق الطاقة الموقّع بين سوريا وشركة “سوكار” الأذربيجانية. وفيما يتأسس “الاتفاق” على اعتبار بسيط يتعلّق بإلحاح ملف الطاقة ضمن مدخلات توفير الاستقرار في “سوريا الجديدة”، تتعقّد الاعتبارات المستقبلية التي يمكن أن تُبنى عليه.

لا توجد تفاصيل وافية حول مضمون “الاتفاق”. ونجد اختلافاً في توصيفه، باختلاف مصادر المعلومات عنه. فالرئاسة الأذربيجانية، قالت إنه “مشروع” لتصدير الغاز الأذربيجاني عبر الأراضي التركية إلى سوريا، “في المستقبل القريب”، بغية المساهمة في حل مشكلة الطاقة “الخطيرة”، التي تواجهها الحكومة السورية. أما وزير الطاقة السوري، محمد البشير، الذي مثّل بلاده في مراسم التوقيع، فوصفه بأنه “اتفاق” بخصوص توريد الغاز الطبيعي إلى سوريا. مضيفاً أنه “خطوة نحو الاستقلال بالطاقة”، في إشارة إلى رغبة الحكومة السورية في تنويع شراكاتها الاستراتيجية على هذا الصعيد. أما “سانا”، وكالة الأنباء السورية الرسمية، فوصفت “الاتفاق” بأنه “مذكرة تفاهم”. وهو توصيف يجعله أدنى من “اتفاق” يحمل صبغة تنفيذية مباشرة. فيما كان التفصيل الذي ألحقته الوكالة، أوسع من مجرد “توريد للغاز”، إذ أشارت إلى أن “مذكرة التفاهم” تضمنت “التعاون والتنسيق في مجالات الطاقة وتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا من خلال تركيا، والتعاون والتنسيق في اسكتشاف النفط”. وهو ما يتفق مع إشارات سابقة صدرت عن مسؤولين أذربيجانيين خلال الأشهر القليلة الفائتة، تكشف اهتمام باكو، بالاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري.

ومع غياب التفاصيل من مصادر رسمية، يمكن أن نفهم مما سبق، أن الجانب التنفيذي قريب الأمد، يتعلّق بتوريد الغاز إلى سوريا. فيما يؤسس “الاتفاق” لخطط مستقبلية تخدم رغبة أذربيجان في الانخراط بإعادة تأهيل قطاع النفط والغاز السوري، كمستثمر، بطبيعة الحال. وإذا ركنا الخطط المستقبلية جانباً، وركزنا على الهدف الآني المباشر من “الاتفاق” -توريد الغاز إلى سوريا- نجده استكمالاً لخطط تركيا المعلنة في هذا الشأن.  ويأتي بعد نحو شهر ونصف من إعلان وزير الطاقة التركي، الانتهاء من ربط خط أنابيب الغاز الطبيعي الممتد من ولاية كيليس التركية إلى مدينة حلب.

وتعتزم تركيا تزويد سوريا بنحو 2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً. ولا نعرف بعد إن كان الرقم المعلن تركياً، يشمل الغاز الأذربيجاني المُتفق على توريده، أم أنه يشكّل كمية منفصلة. إلا أن الرقم المُعلن (2 مليار متر مكعب سنوياً)، يغطي نحو ثلث حاجة سوريا من الغاز الطبيعي اللازم لتوفير تغذية كهربائية على مدار الساعة. مما يعني أن هذه الإيرادات من الغاز، قد تساهم في رفع عدد ساعات التغطية الكهربائية إلى نحو 8 ساعات يومياً. ذلك من الناحية النظرية. إذ لا تنحصر مشكلة الطاقة في سوريا، بالحاجة للغاز لتوليد الكهرباء، بل هناك مشكلات الأعطال في عدد كبير من المحولات الكهربائية. ناهيك عن الحاجة لصيانة خطوط نقل الكهرباء، لتحقيق استقرار التغذية. وهي معضلات تتجه الحكومة السورية لحلها عبر منح تمويلية دولية وإقليمية. وتذهب تقديرات إلى أن النتائج المنتظرة قد لا تظهر قبل سنة من الآن. مما يعني أن الوصول إلى عدد 8 ساعات من التغذية الكهربائية اليومية في سوريا، قد يتطلب نحو سنة، كي يتحقق بصورة مستقرة ودائمة.

وكما هو معلوم، يشكّل تحدي توفير الكهرباء، للاستخدامات المنزلية، وللنهوض بالصناعة المنهارة بصورة كبيرة، أبرز تحدٍّ خدمي- اقتصادي، يواجه حكومة الرئيس أحمد الشرع، وقد يهدد استقرار شعبيته في الحاضنة الواسعة الموالية له، إن لم يتم التقدم في حلّه قريباً. لذا لم يكن من المستغرب، أن يتم توقيع “الاتفاق” مع شركة “سوكار” الأذربيجانية، على هامش زيارة الشرع إلى باكو. لكن الاعتبارات السياسية الخارجية، كانت حاضرة بقوة أيضاً في هذه الزيارة. إذ على هامشها، أعلنت وكالة الصحافة الفرنسية عن عقد لقاء مباشر بين مسؤول سوري وآخر إسرائيلي في العاصمة الأذربيجانية. وبذلك تواصل باكو مساعيها لتعزيز دورها كوسيط بين تركيا وإسرائيل، وبين سوريا وإسرائيل، مما ينعكس على وزنها السياسي وعلاقتها مع حليفها التركي بالتحديد، وانعكاسات ذلك على صعيد مكاسبها الاقتصادية مستقبلاً.

ونستطيع القول إن “اتفاق” توريد الغاز الأذربيجاني عبر تركيا إلى سوريا، يشكّل اختباراً أولياً لما يمكن أن تنجزه “دبلوماسية الطاقة” في خلق فرص للتعاون المستقبلي -الطاقوي- الممتد من أذربيجان مروراً بتركيا وسوريا، وربما في المستقبل البعيد انتهاءً بإسرائيل. فالأخيرة، من أبرز مستوردي النفط الأذربيجاني عبر الوسيط التركي. وبدلاً من استيراد هذا النفط عبر الموانئ التركية، فتمريره عبر خطوط أنابيب، يوفّر في التكلفة بصورة كبيرة. يخدم هكذا تصور رهانات تركيا منذ سنوات، بأن تصبح مركزاً عالمياً لتجارة النفط والغاز، مستغلة موقعها الاستراتيجي. وهي رهانات تخدم مصلحة سوريا أيضاً، بوصفها تتمتع هي الأخرى بموقع جغرافي يناسب هكذا هدف، ويتكامل مع الموقع التركي.

وهكذا فإن الأهداف الاقتصادية قريبة الأجل، لـ”اتفاق باكو- دمشق”، تؤسس لأهداف أخرى أبعد وأعمق. وبدلاً من أن تكون سوريا ساحة لتنافس إسرائيلي- تركي، يدفع السوريون أثمانه، قد تكون برفقة أذربيجان، طرفان يربطان المصالح ويشبكّان الفرص، بصورة تجعل معادلة “الكل يربح” في الإقليم، أكثر جدوى وقابلية للتطبيق، مقارنة بمعادلات التغلّب “الصفرية”.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى