
لقاءات تلو لقاءات واجتماعات تسبق اجتماعات بين الحكومة السورية وتنظيم (قسد) ومؤسساتها، لكن قيادات (قسد) في كل ذلك، ما زالت تمسك العصا من المنتصف، وتتابع سياسات ليست جديدة ضمن سياقات تعنتها وعدم قبولها العملي في عملية البدء ضمن اندماج جدي وحقيقي وفاعل في أتون هيئات ومؤسسات الدولة السورية الجديدة، التي سبق أن وقعت (قسد) ووافقت أيضًا على ضرورة البدء فيها، وصولًا إلى حالة الانحلال الكلي في واقع سوريا الجديد. قد تكون هناك هواجس كثيرة لدى (قسد) من أن اندماجها في مؤسسات الدولة السورية الجديدة، العسكرية والسياسية والمدنية عمومًا، من الممكن أن يفقدها وجودها العملي المهيمن في منطقة الجزيرة السورية وقد يذهب بها إلى حالة الانتهاء ليس العسكري فقط، بل كذلك السياسي، من حيث إنها باتت تدرك تمام الإدراك أن هيمنتها السابقة والحالية على مساحات كبرى شمال شرقي سوريا، في لحظة زمنية ما، كان فيها نظام بشار الأسد المخلوع ضعيفًا ومتهالكًا، لم تكن حالة طبيعية، ولا هي قبولًا حقيقيًا من أهل وسكان المدن الكبرى هناك، وخاصة مدن دير الزور والرقة والحسكة، لأنه حتى ديمغرافيًا لا يصح ذلك بحسب تصنيفاتها الأثنية، التي سبق أن حاولت القيام بها، وعلى أساسها مضت، عندما تم اقتناص الفرصة من قبل قوى عسكرية في (قسد) قبل أن تشكل هذه الهيئات والمؤسسات العسكرية او المدنية ، أي مع بدايات ثورة السوريين، ثورة الحرية والكرامة.. لكن كل هذه الهواجس لا يجب أن تبعدها عن العقلانية السياسية المفترضة، والخبرة العملية في التعاطي مع متغيرات جديدة حصلت في الجغرافيا السورية والمنطقة برمتها، علاوة على تغيرات وانزياحات كبرى جرت حتى ضمن أتون محددات السياسة الأميركية في المنطقة عمومًا. من منطلق أن جل ما كانت تتكئ إليه (قسد) في وجودها وقيامتها (الإدارة الذاتية) كان يعود إلى اعتمادها المباشر أو غير المباشر أحيانًا، على الحماية الأميركية والغربية، بدعوى مناهضة تنظيم (داعش) والانقضاض على هذا التنظيم الإرهابي. ويبدو أن (قسد) لم تدرك بعد أن السياقات كلها أصبحت مختلفة، وأن مياهًا كثيرة قد جرت تحت الجسر، فلا داعش أصبحت أوضاعها كما كانت، حيث انحسرت إلى درجة الزوال والإمحاء بشكل كبير، ولا السياسة الأميركية باتت كما كانت، بل هي تتحرك رويدًا رويدًا نحو حالة من رفع الغطاء الكلي عن تنظيم (قسد) ومن ثم يمكن أن تصل الأمور بعد حين قصير من الدهر، إلى مرحلة الصمت الأميركي وإشاحة الوجه عن سياقات أي عمل عسكري، يمكن أن يحصل شمال شرقي سوريا، سواء جاء من قبل الأتراك، أو من قبل الدولة السورية الوليدة في دمشق.
كما أن (قسد) لم تدرك أو تعي بعد (كما يبدو) أن هناك دولة وحكومة انتقالية جديدة، تمسك بدفة الأمور في دمشق، ومعترفاً بها عربيًا وإقليميًا ودوليا، وتتلقى كل الدعم المعنوي والمادي والسياسي من الجميع، لتنجز حالة من الاستقرار المطلوبة عالميًا ودوليًا في امتدادات الجغرافيا السورية
كما أن (قسد) لم تدرك أو تعي بعد (كما يبدو) أن هناك دولة وحكومة انتقالية جديدة، تمسك بدفة الأمور في دمشق، ومعترفاً بها عربيًا وإقليميًا ودوليا ، وتتلقى كل الدعم المعنوي والمادي والسياسي من الجميع، لتنجز حالة من الاستقرار المطلوبة عالميًا ودوليًا في امتدادات الجغرافيا السورية، علاوة على قدرة هذه الحكومة على إنجاز القضية الأساس وهي مسألة وحدة سوريا شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وهو حق لها، يوافقها عليه كل السوريين دون أدنى شك، وألا أحد في سوريا اليوم، يمكن أن يقبل المزيد من التفتت أو التشظي أو إقامة دويلة داخل الدولة السورية، أو على أطرافها.
لعل مسألة الاستمرار في التمنع من قبل (قسد) في عملية إنجاز وتطبيق البنود التي تم توقيعها سابقًا، كاتفاق وطني سوري بين مظلوم عبدي زعيم (قسد) والرئيس أحمد الشرع في آذار / مارس الفائت، والطلب من حكومة دمشق تمديد فترة تطبيق الاتفاق المشار إليه إلى ما بعد نهاية العام ٢٠٢٥ هو اشتغال قسدي غير واقعي ولا يعبر عن جدية حقيقية، في إنجاز أي استقرار في سوريا الموحدة، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن تفكير سياسي منطقي يهدف إلى وحدة السوريين بشرًا وجغرافيا.
صحيح أن حكومة دمشق ومعها كل السوريين لا تريد المزيد من الدماء في سوريا الجديدة، ولا تود الانخراط في معارك جانبية عسكرية، قد يستفيد منها أعداء الوطن السوري، لكن الحقيقة تشير إلى أنه (وكما يقال) فللصبر حدود، ووحدة الوطن السوري، وبناء سوريا الموحدة لا يعادله ولا يعلو عليه أي هدف، كما لا يمكن التنازل عنه، تحت دعوى قبول فكرة (اللامركزية السياسية) التي قد تفضي إلى التأسيس مستقبلًا لحالة انفصالية يبدو أنها ما زالت تعشش في مخيال أهل (قسد) أو تراود أحلامهم ليل نهار، حيث يتوهم بعض قادة (قسد) في أن هذه المماطلة ثم التعنت والتمنع قد يفضي إلى قبول الحكومة السورية بمطالبهم المستمرة بذلك ومن ثم الوصول إلى ما يصبو إليه أهل (قسد) في إقامة كيان انفصالي شمال شرقي سوريا، يفتت ولا يوحد، ويسهم في فتح الباب على مصراعيه، نحو احتمالات مطالبات أخرى قد تكون بابًا جديدًا لمزيد من التفتيت في سوريا الجديدة.
السوريون اليوم يريدون وطنًا سوريًا موحدًا لا وجود فيه للميليشيات، ولا إمكانية فيه لإنجاز أي كيانات انفصالية، أو شبه انفصالية، قد تؤدي (فيما لو سمح لها بالوجود)، إلى مزيد من التشظي وانحلال الدولة السورية، ويعوق بالضرورة عملية البناء الوطنية القائمة وخطواتها المتسارعة، ضمن مهام كبرى للدولة السورية الجديدة، وصعوبات جمة لمسارات البناء، ليس آخرها جملة الحرائق الكبرى في الساحل السوري، التي قد تكون مفتعلة، وليس أولها حالة إعادة بناء اقتصاد وطني سوري جديد، لدولة كانت نموذج الدولة الفاشلة قبل انبلاج صبح ٨ من كانون أول/ ديسمبر الفائت، اليوم لا بد من إعادة بناء هذا الاقتصاد، على أسس جديدة وعلى أيدي كل أبناء سوريا بلا استثناء، واستغلال كل الموارد البشرية والطبيعية للسورين جميعًا، ومنهم الكورد، كجزء مهم جدًا من النسيج الوطني السوري، الذي لا يقبل الانفلات، أو التهميش بعد اليوم.
المصدر: تلفزيون سوريا