
فتح تحقيق واتخاذ إجراءات مساءلة عقب تورط فصيل “صقور السنة” في حوادث موثقة في بلدة سلوك
شهدت بلدة سلوك، الواقعة في الريف الشمالي لمحافظة الرقة، سلسلة من الأحداث الأمنية بين 26 و28 أيار/مايو 2025، عقب حادثة اعتداء نُسبت إلى أحد عناصر فصيل “صقور السنة” ضد مدني من أبناء البلدة، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات تطورت لاحقاً إلى مواجهات مسلّحة بين الفصيل وعدد من سكان البلدة.
وبحسب ما وثقته الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، تم تسجيل مقتل أربعة مدنيين، بينهم اثنان أُعدموا ميدانياً، وإصابة ثمانية آخرين، إضافة إلى توثيق عمليات احتجاز، وحرق وسلب ممتلكات مدنية خاصة، فضلاً عن نزوح عدد من العائلات من البلدة خلال فترة الأحداث.
تسلسل الأحداث بين 26 و28 أيار/مايو 2025:
الإثنين 26 أيار/مايو 2025 بدأ التوتر في بلدة سلوك إثر وقوع حادثة اعتداء نُسبت لأحد عناصر “صقور السنة” على مدني كان يقوم بتركيب جهاز تكييف على سطح منزله. أعقب ذلك تبادل لإطلاق النار، تبعته تحركات عسكرية للفصيل داخل بعض الأحياء السكنية، مما دفع السكان إلى إعلان إضراب عام في اليوم التالي.
الثلاثاء 27 أيار/مايو 2025 شهدت البلدة نصب خيمة اعتصام وسطها من قبل الأهالي، للمطالبة بإبعاد فصيل “صقور السنة” عن المناطق السكنية. وفي ساعات المساء، دخل مقاتلون من الفصيل إلى البلدة، واندلعت مواجهة مع عدد من المعتصمين، تحولت لاحقاً إلى اشتباكات مسلّحة مع سكان محليين. انتهت الاشتباكات منتصف الليل بسيطرة الفصيل على البلدة، وحرق خيمة الاعتصام، إضافة إلى احتجاز ما لا يقل عن 15 شاباً، أُفرج عنهم لاحقاً عقب تدخل “الفرقة 60” التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية.
الأربعاء 28 أيار/مايو 2025 في اليوم الثالث، وصلت تعزيزات من فصائل أخرى تابعة لـ “الجيش الوطني”، إضافة إلى قوات من الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية، قدمت من مدينتي رأس العين وتل أبيض، وانتشرت الشرطة العسكرية في أنحاء البلدة في محاولة لاحتواء التوتر وضبط الأوضاع الأمنية. ووفق معلومات حصلت عليها الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنَّ فصيل “صقور السنة” يُعد من التشكيلات العسكرية التي لم يُعلن عن انضوائها تحت وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية حتى لحظة إعداد هذا البيان.
أبرز الانتهاكات التي رافقت هجوم فصيل “صقور السنة” على بلدة سلوك بين 26 و28 أيار/مايو 2025:
بحسب الحصيلة الأولية التي وثقناها، تم تسجيل الانتهاكات التالية:
- مقتل مدنيين اثنين بعد احتجازهما، وسط ظروف تشير إلى تعرضهما لإعدام ميداني.
- مقتل مدنيين آخرين خلال الاشتباكات التي وقعت داخل البلدة.
- إصابة ثمانية مدنيين بجروح متفاوتة.
- أقدم مقاتلون من فصيل “صقور السنة” على احتجاز تعسفي لما لا يقل عن 15 شاباً. أُفرج عنهم لاحقاً.
- حرق ثلاثة منازل سكنية، ونهب محل تجاري في سوق البلدة.
- نزوح أكثر من 20 عائلة باتجاه مناطق أكثر استقراراً.
- توثيق مقاطع مصورة تظهر احتجاز مدنيين على خلفية انتماءات عشائرية، مع تهديدات لإجبارهم على الإدلاء بتصريحات قسرية.
تحليل أولي للوسائط المرئية التي توثق الانتهاكات:
حصلت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان على مقاطع مصورة منشورة عبر مصادر مفتوحة، وعملت على تحليلها والتحقق من صدقيتها وتاريخ تصويرها. وقد أظهرت ما يلي:
المقطع الأول: يظهر تسجيلاً للحظة إطلاق نار كثيف من مدفع رشاش (لم يُحدَّد نوعه أو عياره) داخل منطقة سكنية مأهولة، تم على دفعات طويلة وبصورة عشوائية. يشارك في إطلاق النار عدد من الأفراد باستخدام أسلحة فردية مختلفة، دون أن يظهر في المقطع ما يدل على وجود اشتباك فعلي أو هدف محدد. تُظهر زاوية التصوير وحركة المسلحين أنَّ إطلاق النار جرى خارج سياق قتال مباشر، ويُحتمل ارتباطه بسلوك احتفالي، ما يشكل تهديداً مباشراً لسلامة المدنيين.
https://drive.google.com/file/d/1eOSD8u8qYSVGGOGUa0-tb4bGxeBmpcWY/view?usp=sharing
المقطع الثاني: يوثق لحظة احتجاز عدد من المدنيين على يد عناصر من فصيل “صقور السنة”، وقد تم الإفراج عنهم لاحقاً عقب تدخل “الفرقة 60” التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية.
https://drive.google.com/file/d/1eQ0SO4tLlMoJt-lm0E0GI2AZaZ5a_q3V/view?usp=sharing
الاستنتاجات القانونية
تشير الوقائع الميدانية الموثقة في بلدة سلوك، خلال الفترة ما بين 26 و28 أيار/مايو 2025، إلى احتمال وقوع انتهاكات متعددة لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، على النحو التالي:
- القتل خارج نطاق القانون: تم توثيق مقتل أربعة مدنيين، اثنان منهم خلال اشتباكات مباشرة، واثنان بعد احتجازهما من قبل جهة غير رسمية، وهو ما يُحتمل أن يشكل انتهاكاً للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أنَّ “لكل إنسان الحق في الحياة”، وتلزم الدول أو السلطات القائمة بالتحقيق في كل حالة وفاة تقع أثناء الاحتجاز أو تنفيذ العمليات الأمنية، وضمان عدم استخدام القوة بشكل مفرط أو غير مشروع.
- الاحتجاز التعسفي: وُثِّق احتجاز ما لا يقل عن 15 مدنياً دون وجود إجراءات قانونية واضحة أو عرضهم على سلطة قضائية، ما يمثل خرقاً مباشراً للمادة 9 من العهد، التي تحظر الحرمان التعسفي من الحرية، وتكفل لكل محتجز الحق في معرفة أسباب توقيفه والمثول أمام قاضٍ في أقرب وقت.
- المعاملة القسرية أثناء الاحتجاز: أظهرت المقاطع المصورة والمعلومات الميدانية تعرض بعض المحتجزين للتهديد والإكراه على الإدلاء بتصريحات، وهو ما يعد انتهاكاً للمادة 7 من العهد ذاته، التي تحظر إخضاع أي شخص للتعذيب أو للمعاملة القاسية أو للإكراه بهدف انتزاع أقواله.
- الاعتداء على الممتلكات الخاصة: تم توثيق حرق ثلاثة منازل سكنية ونهب محل تجاري، ما يُعد انتهاكاً للمادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تكفل لكل شخص الحق في التملك وتحظر الحرمان من الملكية بشكل تعسفي أو غير قانوني.
- استخدام الأسلحة في مناطق مأهولة: أظهر أحد المقاطع المصورة إطلاق نار كثيف بأسلحة فردية ومتوسطة داخل حي سكني، دون وجود تهديد ظاهر، ودون الالتزام بالضوابط القانونية المتعلقة باستخدام القوة في السياقات غير القتالية، والتي تفرض ضرورة احترام مبدأي التناسب والضرورة، ووجود إشراف رسمي مباشر.
- النزوح الداخلي: إنَّ توثيق نزوح أكثر من 20 عائلة خلال فترة الأحداث يعكس تأثير التدهور الأمني على حق السكان في الإقامة الآمنة. ويتطلب ذلك حماية خاصة وفق مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بالحق في السكن وحرية التنقل.
التوصيات
- فتح تحقيق مستقل لتوضيح ظروف حالات الوفاة، خاصة تلك التي ترافقت مع الاحتجاز، مع ضمان إعلان نتائج التحقيق ضمن إطار قانوني شفاف.
- مراجعة آليات الاحتجاز المعتمدة من قبل التشكيلات المحلية، والتأكد من التزامها بالضوابط القانونية، بما يشمل ضرورة وجود أوامر قضائية وإشراف إداري، للحد من حالات التوقيف غير المشروع.
- الامتناع عن أي ممارسات قسرية بحق المحتجزين، وضمان احترام الكرامة الإنسانية وحرية التعبير، وتوثيق أي تجاوزات والعمل على معالجتها عبر الجهات المختصة.
- تأمين حماية الممتلكات الخاصة ومنع الاعتداءات على الملكية الفردية، من خلال تدابير وقائية فعالة، وتعويض المتضررين في حال وقوع انتهاكات.
- ضبط استخدام الأسلحة داخل المناطق السكنية، وتنظيم حملها من خلال تعليمات مكتوبة وتدريب مستمر، لتفادي أي استخدام غير منضبط قد يعرض المدنيين للخطر.
- رصد أوضاع العائلات النازحة مؤقتاً، وتوثيق دوافع النزوح، وتلبية احتياجاتها، بما يكفل حقها في العودة الآمنة أو الحصول على بدائل تحفظ كرامتها.
- تعزيز الإجراءات الوقائية عبر نشر قواعد السلوك، وتفعيل وحدات الرقابة الداخلية لدى الجهات المحلية، وضمان توفر قنوات تظلّم مدنية وشفافة للسكان.
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان