الشرع- ترامب: هل تحدث المصافحة؟

سميرة المسالمة

يفوّت الرئيس السوري على الرئيس الأميركي، في حال حدث اللقاء أو لم يحدث، فرصة أن يغمز من قناة ملابسه، فقد اعتاد أحمد الشرع منذ أن أعلن انتقاله من جبهة القتال إلى جبهة الدبلوماسية، أن يوظف حضوره الشخصي، وأناقة هندامه، كامتداد لصلابة ملامحه ومواقفه، حتى صار حديث الإعلام والأعلام والسيدات، إلى الدرجة التي سمحت للإعلام الرسمي وتحديداً جريدة “الثورة”، أن تجري لقاءات قيمة تستكشف من خلالها أسباب انبهار النساء به، وربما أكثر من ذلك.
تجاوز حاجز الشكل الذي يهتم به عادة الرئيس دونالد ترامب عند لقائه بنظرائه الرؤساء، (كما حدث عند انتقاده للرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي لعدم ارتدائه بدلة رسمية، أو مديحه  الرئيس عبد الفتاح السيسي لارتدائه حذاء أنيقاً)، ما يمنح اللقاء فرصة الدخول المباشر في مناقشة أكثر ملفات المنطقة العربية صعوبة وتداخلات وامتدادات، بدءاً من الأمن، ومكافحة الإرهاب، وتحجيم الوجود الإيراني، وبالمقابل رفع العقوبات، والمساعدة في خطة إعادة إعمار “مارشال سوريا”.

لعل ما يُحسب لرئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أنه لم يرفع شعارات “خلّبية” يواجه فيها أي طرف خارجي، بل سارع منذ البداية إلى مدّ جسور السلام مع جميع الدول المحيطة، والمؤثرة في الواقع السوري، بهدف تقليل تبعات ما خلّفه نظام الأسد على سوريا الدولة، التي خرجت من حرب دامت أربعة عشر عاماً منهكةً على كل المستويات، ومعزولة، ومصطفة في محور بات يهدد الأمن والسلم الدوليين، حيث وُجد، أو امتدت أذرعه.

من هنا، فإن ما يحتاجه كل طرف من الآخر هو على قدر متساو من الأهمية والضرورة. صحيح أن الكفة في اتخاذ القرارات هي لمصلحة الجانب الأميركي، نظراً لقدرته على ممارسة دور التعطيل والإلغاء، إلا أن ذلك لا ينفي الدور السوري الحالي في تحقيق متطلبات السلام في المنطقة، خصوصاً مع إسرائيل ودول الجوار، وقدرته على اتخاذ التدابير لإنهاء وجود متطرفين إسلاميين، الذين يحمل ماضي الرئيس الشرع نفسه بعض توابع الارتباط السابق بهم، ما قد يجعل المواجهة ليست مع ترامب فقط، كرئيس يحمل شعار الحرب على الإرهاب والتطرف، بل مع معارضين له من داخل إدارته أو من حزبه، في حال خوض هذه المغامرة (اللقاء) غير المتوافق عليها سياسياً.

إلا أن الورقة الرابحة التي يحملها الشرع اليوم، في مواجهة التعنت الأميركي بشأن ملف إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، هي المؤازرة الشعبية السورية التي رافقت تنصيبه رئيساً انتقالياً لسوريا، رغم مرور هذا الأمر بمطبات التوترات الداخلية، التي قوضت – إلى حد ما- مصداقية ما نتج عن المؤتمر الوطني من توصيات تتعلق “بتحقيق العدالة الانتقالية من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وإصلاح المنظومة القضائية، وسن التشريعات اللازمة والآليات المناسبة لضمان تحقيق العدالة، واستعادة الحقوق. وترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب السوري، ونبذ كافة أشكال العنف والتحريض والانتقام، بما يعزز الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي. وتحقيق التنمية السياسية وفق أسس تضمن مشاركة كافة فئات المجتمع في الحياة السياسية، واستصدار القوانين المناسبة لذلك وفق أسس ومعايير عادلة”.
إضافة إلى أن تشكيل حكومة تنفيذية لم يغير في المشهد السوري، على صعيد بسط نفوذها على كامل الأرض السورية، لوجود تحديات حقيقية تواجه وحدة البلاد على الصعيد الشعبي، قبل أن تكون على مستوى وحدتها الجغرافية، وهذا ما يفرض على سوريا اتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق المصالحة الوطنية للتفرغ لبناء مؤسساتها الداخلية القادرة على إطلاق مشروع إعادة الإعمار، الذي يسعى الرئيس الشرع لطرح ملفه على طاولة البحث مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ومن المفيد التذكير، ان اللقاء المفترض سيعقد في المملكة العربية السعودية التي تسعى لاحتضان “التغيير السوري” عربياً، وإبعاده عن محاور العمل الإقليمية التي “سرقت” سوريا لعقود مضت. وهذا ما يجعل الشهية العربية عموماً، والخليجية على وجه الخصوص، مفتوحة على عقد هذه المصالحة السورية -الأميركية، بهدف رفع العقوبات من جهة، لما يعنيه ذلك من انعكاسات مباشرة على حياة السوريين، ومن جهة أخرى، تسهيل عملية انسياب الاستثمارات العربية التي تعتمد معظمها على الشراكات الأميركية، وهو ما يحقق الرغبة الأميركية في فك ارتباط سوريا عن الشراكة الإيرانية -الروسية السابقة. فهل يحدث اللقاء وتطوي سوريا صفحة ماضيها المثقل بالصراعات داخلياً وخارجياً؟

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى