ننتقد الدولة ولا نحاربها

عدنان علي

قد يشعر كثير من الناس، بمن فيهم قسم كبير من الداعمين للحكم الحالي في سوريا، أحيانا بخيبة أمل من بعض الأداء الحكومي، سواء لجهة التعيينات التي تكاد تقتصر على فئة محددة ممن قدموا من الشمال، أو ممن يرشح هؤلاء، أم ضعف الحزم في التعامل مع المظاهر المسلحة، أم في عدم انصاف المظلومين في عهد النظام السابق من خلال تأخر قيام العدالة الانتقالية، وترك المناطق المنكوبة بفعل قصف النظام السابق على حالها، دون تقديم أي عون لسكانها.

وبطبيعة الحال، هذا الأمر، مفهوم ومبرر، وهو ما يرتب على الجميع مواصلة الانتقاد والإشارة الى ما يعتقدون أنها أخطاء، لأننا في مرحلة لم تكتمل فيها بعد مؤسسات الدولة، فلا برلمان ولا أحزاب، ولا صحافة مستقلة، ولا مجتمع مدني ناشط، وكل هذه الأشياء هي من أدوات الرقابة على الحكومة في المجتمعات الناضجة.

إن الغالبية الساحقة من الناس، لا يريدون من دولتهم أكثر من حفظ أمنهم وكرامتهم، وتوفير حد أدنى من الحياة اللائقة لهم ولأولادهم.

 هذا شيء، ومعاندة الدولة بالسلاح، والاستقواء عليها بالأجنبي، شيء آخر. ولا يمكن برأيي أن يندرج إلا في سياق الحماقة الخالصة، أو هو موقف مشبوه، سواء كان صاحبه واعياً بذلك، أم لا، وذلك لسببين بسيطين:

الأول: وفق معطيات عدة، فان الرئيس الشرع، وفريق مهم معه، يسعون فعلاً لإقامة دولة بمعايير مقبولة من غالبية السوريين، ويجب على الجميع الانخراط معهم، ودعمهم، في مواجهة بعض القوى داخل السلطة، ممن لا يؤمنون بفكرة الدولة، ولديهم أوهام خاصة، حول مستقبل سوريا.

والسبب الثاني: أن فشل الشرع وفريقه، هو فشل لكل سوريا، ولن يكون هناك رابح أبداً. وعلى الجميع أن يدركوا حقيقة أنه لا عودة للوراء، وأنه لا خيار عملياً أمام جميع الشركاء الآخرين في الوطن، سوى الانخراط مع هذه السلطة، ومحاولة تحسينها من الداخل، وليس وضع العصي في طريقها، وتصيد أخطائها، والاستقواء عليها بالأجنبي.

والواقع، إن الغالبية الساحقة من الناس، لا يريدون من دولتهم أكثر من حفظ أمنهم وكرامتهم، وتوفير حد أدنى من الحياة اللائقة لهم ولأولادهم، ولا تعنيهم تالياً كل هذه المعارك التي يخوضها البعض باسمهم، للغنيمة بالسلطة أو بعض امتيازاتها.

وعلى سبيل المثال، ماذا يفيد الطائفة الدرزية لو صار كبير المعترضين في السويداء الشيخ الهجري نفسه هو رئيساً لسوريا؟ هل سوف يحصلون على ميزات إضافية تخص منطقتهم كمجموعة أو أفراد أكثر مما حصل العلويين في عهدي بشار وحافظ، وهاهم اليوم بعد أكثر من خمسة عقود من ذلك الحكم، ما زالوا في غالبيتهم من أفقر الناس في البلاد. وكذا الأمر يقال بالنسبة لبقية مكونات المجتمع.

من غير المفهوم أيضا، بقاء السلاح بيد فصائل أو مجموعات تبادر إلى أخذ القانون بيدها، تحت ذريعة الدفاع عن الدولة..

 إن الشعوب لا تتقدم إلى الأمام إلا عندما تدافع عن مبادئ وقيم عليا مستمدة من التجارب الإنسانية الرائدة، تتماشى مع القيم المحلية، وهذه مهمة رجال الدولة الذين يغلبون العام على الخاص، ويسعون لجمع مجتمعاتهم على كلمة واحدة، وليس الإمعان في تمزيقها، والاستعانة بالأجنبي، للتغلب على خصمهم المحلي.

 إن المتسببين في عرقلة التحاق السويداء بالسلطة الجديدة في دمشق خلال الأشهر الماضية، وعلى رأسهم الهجري، يتحملون مسؤولية جزئية عن الدماء التي أريقت في ريف السويداء وصحنايا وجرمانا خلال الأيام الماضية.  ومن الأساس، لم تكن هناك أية مبررات موضوعية للصدام بين المكون الدرزي وسلطة دمشق. ليس هناك أية تراكمات عدائية، كما هو الحال مع المكون العلوي مثلا الذي قد يكون هناك احتقان حياله بسبب ارتباطه بشكل عام بجرائم نظام الاسد.

الالتحاق بالدولة، والعمل المخلص على إنجاحها، في السويداء، وفي كل سوريا، هو الخيار العقلاني الوحيد، وخلاف ذلك مغامرات ورهانات وصدامات تضر بكل السوريين.

لا شك أن السلم الأهلي في سورية مستهدف. والهدف الأبعد هو منع إعادة تكوين الدولة السورية الجديدة. لا يمكن، ولا ينبغي، فهم أي تفصيل آخر على نحو ما جرى في الأيام الأخيرة، وقبله في الساحل السوري، بعيداً عن هذا السياق، وإلاّ فإننا نفقد البوصلة الصحيحة.

سيحاول المتضررون من سقوط نظام الأسد، استخدام كل ما في جعبتهم من أسلحة، وخاصة القضايا الدينية نظراً لحساسيتها، من أجل خلق المزيد من المتاعب للسلطة الجديدة في سورية، وإشغالها في قضايا جانبية، والتشويش على أية نجاحات تحققها على الصعيد الخارجي.

هذه حقائق لا ينبغي إغفالها. غير أن إبطال مفعول، أو الحد من أضرار هذه الخطط، ينبغي أن يتم عبر إجراءات مختلفة، منها قيام كل السلطات والناشطون بواجبهم في التوعية، وعدم الانجرار وراء التجييش، ومنها أيضا ضرورة التشدد في تطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وتطبيق هذا المبدأ على الجميع، لكي يكون له مصداقية.  وكما أنه من غير المفهوم بقاء بؤر مسلحة في ضواحي دمشق، تحت أية حجة كانت، من غير المفهوم أيضا، بقاء السلاح بيد فصائل أو مجموعات تبادر إلى أخذ القانون بيدها، تحت ذريعة الدفاع عن الدولة، وتكون المحصلة، ارتكاب حماقات وأخطاء تشوه صورة الدولة، وتحملها أوزار ونتائج تلك التصرفات، ما يهدر جهدها وإمكاناتها في تشكيل لجان للتحقيق وصد الانتقادات والاتهامات، الداخلية قبل الخارجية.

حصر السلاح بيد الدولة، كفيل بإجهاض كثير من خطط المتآمرين، ولا خيار أمام الجميع، عاجلا أم آجلا، إلا الثقة بالدولة، وتسليمها الأمر كله على الصعيد الأمني، ومن يريد معارضتها فالإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والشوارع، مفتوحة أمامه ضمن القانون، أما السلاح فهو بيد الدولة فقط، كما هو الحال في العالم كله.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى