مفاوضاتٌ في مسقط وانفجارٌ في بندر عبّاس

حسام أبو حامد

في قلب الخليج العربي، حيث تتقاطع خطوط التجارة والطاقة، دوّى انفجار هائل في ميناء بندر عبّاس الإيراني، السبت الماضي، وهو الحادث الذي لا يمكن عدّه مجرّد تصعيد أمني، بل كان بمثابة ضربة أخرى لقلب إيران السياسي، وعصبها الاقتصادي. والأكثر أهميةً، أنه ضربة محتملة للعملية التفاوضية الجارية بين طهران وواشنطن. ففي اليوم نفسه، بينما كانت طاولة التفاوض في مسقط تشهد جولةً حاسمةً بين الطرفَين، تناثرت شظايا انفجار (مجهول) لتلتقي بمداولاتٍ حسّاسة تتعلّق بمستقبل الاتفاق النووي. توقيت الحادث قد لا يكون محض صدفة، بل جاء ليؤكّد أن الوقت لا يعمل لمصلحة أحد، وأن المفاوضات قد تغرق في دوامة جديدة من التعقيد والمخاطر، خصوصاً بعد إعلان السلطات الإيرانية، أمس الاثنين، رصدها واحدةً من أكثر الهجمات الإلكترونية “اتساعاً وتعقيداً على البنية التحتية للبلاد”، واتخاذها إجراءات وقائية. وقد تتأكّد سريعاً محاولات إسرائيل عرقلة المفاوضات أو توجيهها، وإن بطريقة غير مباشرة.
في مسقط، تبادل الطرفان الأميركي والإيراني الأفكارَ بهدوء محسوب. نائب وزير الخارجية الإيراني، عبّاس عراقجي، وصف الجلسات بأنها “جادّة وفنّية”، لكنّه اعترف بأن “الخلافات لا تزال قائمة في الملفات الكبرى”. الأميركيون قالوا إن “هناك تقدّماً، لكنّه محدود”، وحذروا من أن “النافذة الدبلوماسية لن تبقى مفتوحةً إلى الأبد”. كلمات دبلوماسية ناعمة أخفت واقعاً أكثر خشونة: مهما حاول الطرفان تجاهل انفجار بندر عبّاس فإنه ألقى بثقله على الأجواء النفسية للمفاوضين، وإن لم يكن جزءاً من المحادثات، لكنّه قد يصبح جزءاً من السياق العام. وبغض النظر عن نتيجة التحقيق، لا يمكن إغفال تداعيات انفجار بندر عبّاس (وملحقاته) السياسية، فبندر عبّاس ليس مجرّد ميناء تجاري، بل حلقة وصل أساسية للطاقة الإيرانية، ومرآة تكشف هشاشة النظام الأمني الداخلي في مواجهة الضغوط المتزايدة، في وقت يواجه الاقتصاد الإيراني أسوأ أزماته من جرّاء العقوبات. وتتطلّب المفاوضات تنازلات إيرانية مؤلمة على حساب رغبة طهران في الحفاظ على قوّتها النووية مستقبلاً أداةَ ردع استراتيجي، ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية لا تستطيع الحكومة الإيرانية تحمّل أيٍّ من مظاهر الضعف في هذه اللحظة الحاسمة، فالمفاوضات يجب أن تحقّق مكاسب مادّية سريعة، كما أن أي تسوية غير متوازنة قد تكون بمثابة شرارة يمكن أن تؤدّي إلى اندلاع الغضب الشعبي.
قد يجد ترامب (وفريقه التفاوضي) في مزيد من الضغوط الأمنية التي تواجهها إيران، والخسائر الاقتصادية التي تتكبّدها، فرصةً ذهبيةً لتعزيز موقف واشنطن التفاوضي، تدفع إيران إلى تقديم مزيد من التنازلات، فيطرح المفاوض الأميركي برنامج إيران للصواريخ البالستية (وكذلك نفوذها الإقليمي) على طاولة المفاوضات. في تصريح بدا استباقياً، أكّدت طهران عقب انفجار بندر عبّاس أن قدراتها الدفاعية غير قابلة للتفاوض. وفي الواقع، فإن مزيداً من الضغوط الأميركية على إيران تتجاوز نقطة تحمّلها القصوى قد تؤدّي إلى انهيار العملية التفاوضية، إذ لا يمكن لإيران الاستمرار في دفع الأثمان من دون تنازلاتٍ مقابلة. وكما في أيّ مفاوضات معقّدة، الوقت هو عدو الجميع، وكلّما طال أمد التفاوض، زادت احتمالية أن تخرج الأمور عن السيطرة، وفرص انزلاق الأمور نحو الأسوء، لتبدأ بالفعل المرحلة الحرجة في العلاقات الإيرانية الأميركية، مرحلة تتداخل فيها، بصورة أشدّ تعقيداً، الاعتبارات السياسية والحسابات العسكرية، فيكون الحدّ الفاصل بين التفاوض والسلام في أضيق أفق، لنقف أمام حقيقة أن المفاوضات حول النووي الإيراني ليست محكومةً بالمسائل الفنّية فقط (المتعلّقة بتخصيب اليورانيوم والمراقبة)، بل سلّة أمنية متكاملة تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية.
تشير الجولة الماضية من المحادثات إلى أن هناك إرادة لدى جميع الأطراف لوقف التدهور، لكن لا ضمانات لأن تتوّج المفاوضات باتفاق دائم في المدى المنظور، ممّا قد يدفع الأطراف في مسقط، في ظلّ الوساطة العُمانية (وربّما غيرها) إلى الاستعجال بالتوصّل إلى اتفاق مرحلي، يحقّق بعض المكاسب للجالسين إلى طاولة التفاوض، ويثبت نقاط اتفاق ممكنة، قبل أن تؤدّي التعقيدات المتراكمة إلى تفجير المفاوضات من الداخل.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى