كيف ترصد أنقرة نتائج الحوار الكردي – الكردي في سوريا؟

سمير صالحة

ينطلق في مناطق شمال شرقي سوريا جولة محادثات كردية مكثفة، لبحث مسار ومستقبل العلاقة بين أهم شريحتين في المجتمع السوري، والخيارات الكردية القادمة على ضوء المتغيرات السياسية والميدانية في المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد وانطلاق جولات من المفاوضات بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية”، في ظل مساعي الإدارة السورية لتوحيد جميع الفصائل وحسم ملف “داعش” ووضع السلاح تحت إشراف وزارة الدفاع.

يواكب الأجواء التي تسبق المؤتمر تحرك محلي وإقليمي على العديد من الجبهات مع كثير من المرونة والانفتاح والواقعية. تأكيد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش منتدى الدبلوماسية في أنطاليا قبل أسبوعين، على أن عملية السلام فرصة يجب على الجميع أخذها بجدية تامة وأن لا تُفوت هذه الفرصة بأي شكل من الأشكال. ونتائج الحوار الإيجابي في المكان نفسه بين الرئيس السوري أحمد الشرع وبارزاني، كانت مقدمة مهمة لفتح الطريق أمام التحولات الحاصلة اليوم في المشهد السوري بشقه الكردي.

دخول القيادات الكردية في أربيل على طريق التقريب بين “قسد” وبقية الفصائل الكردية السورية المحسوبة عليها خطوة مهمة. لكنه تحرك سياسي مهم أيضا لتسهيل الحوار الكردي مع دمشق من جهة ومع الجانب التركي نتيجة للعلاقات الإيجابية المتزايدة بين أربيل وأنقرة من جهة أخرى.

سترصد أنقرة مثل غيرها من اللاعبين نتائج توصيات وقرارات المؤتمر الكردي بشقه السوري  خصوصا بعد ما سبقه من اتصالات وجهود محلية وإقليمية مكثفة، بهدف قطع الطريق على فشل محاولة جديدة شاركت العديد من العواصم والقوى الحزبية والسياسية في إيصالها إلى ما هي عليه اليوم. ما سيخرج به المؤتمر من مطالب ورسائل سياسية ودستورية واجتماعية تناقش مع دمشق مهم طبعا، فهو  سيوجز ما تقوله وتريده شريحة أساسية في المجتمع السوري عانت لعقود من الإهمال والتجاهل والحرمان في أبسط حقوقها. لكن أنقرة التي بدأت قبل أشهر حوارا جديدا مع قيادات “حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب” على طريق صناعة اختراق سياسي في الموضوع الكردي، تتطلع أيضا صوب توسيع دائرة المحاولة لتشمل المشهد الكردي في سوريا كذلك. فبعد إزاحة نظام بشار الأسد، وعلى ضوء الاتصالات العلنية والبعيدة عن الأضواء على خط أنقرة – دمشق – أربيل والإصرار على إشراك بغداد رغم العرقلة الإيرانية، وما يحظى به كل ذلك من دعم عربي وغربي واسع، لا بد من فتح الأبواب أمام فرصة نقاشات “كردية إقليمية” سانحة قد لا تعوض.

فبعد إزاحة نظام بشار الأسد، وعلى ضوء الاتصالات العلنية والبعيدة عن الأضواء على خط أنقرة – دمشق – أربيل والإصرار على إشراك بغداد رغم العرقلة الإيرانية، وما يحظى به كل ذلك من دعم عربي وغربي واسع، لا بد من فتح الأبواب أمام فرصة نقاشات “كردية إقليمية” سانحة قد لا تعوض.

ما تبحث عنه القيادات التركية أيضا هو خارطة الطريق التي ستناقش بين دمشق والقامشلي وشكل العلاقة الكردية مع الدولة السورية الجديدة. هل ستلتزم “قسد” بالاتفاقيات الموقعة مع دمشق بعد قرارات المؤتمر وتوصياته التي قد تدعو للذهاب باتجاه آخر؟ وما الذي ستطالب به “روجافا” سياسيا ودستوريا وأين ستتوقف مطالبها في نقاشات الحكم الذاتي والفدرالية واللامركزية الإدارية؟ ثم كيف سيأتي الرد من دمشق والقيادة السورية الجديدة، التي أعلنت وكررت أكثر من مرة حدود التفاوض وما لن تقبل به في أي نقاش يطول وحدة الأراضي السورية وتماسكها السياسي والدستوري؟

ستحاول القيادات الكردية في تحالفي “الوحدة الوطنية” و”المجلس الوطني الكردي” الاتفاق على خارطة طريق مشتركة فيما بينها أولا، ثم تحديد شكل الحوار مع السلطة المركزية في دمشق ثانيا. دمشق جاهزة كما يبدو أيضا لطرح ومناقشة مسائل تفصل بين مطالب استعادة الجنسية للأكراد المجردين منها، والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، والانفتاح الواسع على ما سيطرح من مطالب اجتماعية وثقافية ولغوية. لكنها وهي التي تنسق مع أنقرة وتدرك ما يقلق الأخيرة في تحولات المشهد السوري، من الصعب أن تفاوض في مسائل بناء نظام اتحادي أو صيغة حكم ذاتي تحت سقف دولة لامركزية، أو الدخول في نقاشات الوضع الخاص كما رددت القيادات السياسية والعسكرية هناك أكثر من مرة.

يريد الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحقيق ما عجز عنه في حقبة حكمه الأولى قبل 7 سنوات، وهو سحب قوات بلاده من سوريا ولكن في إطار تفاهمات بطابع سياسي وأمني واقتصادي محلية وإقليمية. متغيرات ما بعد التاسع من آذار المنصرم وارتباطها بالشق الكردي في شرق الفرات وملف داعش ومجموعات “حزب العمال الكردستاني”، بين ما يتصدر النقاشات الأميركية التركية هناك. من هنا تأتي محاولات بعض اللاعبين الدخول على خط الحوار بين واشنطن وأنقرة لعرقلة أو نسف التفاهمات الحاصلة. فنتائج اتفاقيات دمشق و”قسد” ودخولها حيز التنفيذ بشكل تدريجي، أزعج لاعبين مثل تل أبيب وطهران وباريس وقيادات السليمانية لأنه يحرمهم أوراق مناورات سياسية وميدانية كثيرة.

شكل ونتائج الحوار بين أنقرة وأربيل مهم هنا بالنظر للتقارب والانفتاح الثنائي الذي ترسخ في الأعوام الأخيرة. هذا إلى جانب ما ستقوله واشنطن شريك الطرفين في العديد من الملفات، مثل خطط الحرب على داعش ومصير آلاف سجناء التنظيم في شرقي سوريا، إلى جانب وضع “قوات سوريا الديمقراطية”وسلاحها. تريد واشنطن أن تبقى بعيدة عن الجانب السياسي في الملف الكردي بشقه السوري مكتفية بتكرار ضرورة احترام حقوق الأقليات. التفاهمات التركية الأميركية بهذا الخصوص هي التي تغضب تل أبيب وباريس وطهران.

يتناسى البعض :

-أن أنقرة كانت بين المرحبين بنتائج الاتفاقيات الصادرة عن المفاوضات بين دمشق و”قسد”.

-وأن البداية جاءت من الاتصالات المكثفة على خط أنقرة – أربيل، ثم حراك الداخل التركي قبل أشهر من خلال خطوات التعامل بطريقة جديدة مغايرة مع الملف الكردي في تركيا. وأن دوافع كل ذلك هي التحولات في ملفات كثيرة تعني تركيا وعلى رأسها المشهد الإقليمي بشقه الكردي.

-وأن أبرز نتائج الاتصالات التركية الأميركية كان باتجاه الترجمة العملية لحسم ملف الآف عناصر داعش في سجون شرق الفرات تحت رعاية “قسد” وتسليم الملف بشكل متدرج لدمشق التي بدأت التواصل مع بغداد والعديد من العواصم الغربية لاسترداد من يحملون جنسياتها ومحاكمتهم هناك، أو أن تتولى السلطات السورية هي عمليات محاكمتهم مع آلاف السوريين الذين التحقوا بهذا التنظيم تمهيدا لإغلاق الملف خلال عامين قادمين على أبعد تقدير.

تنتظر أنقرة مسار المشهد الكردي على جبهتين: في الداخل التركي بعد دعوة عبد الله أوجلان أنصاره في السابع والعشرين من شباط المنصرم لحل الحزب وترك السلاح والالتحاق بمفاوضات سياسية تنهي حوالي نصف عقد من التصعيد والاحتقان. وفي الداخل السوري حيث يستعد المؤتمر الكردي لبحث محاولة رسم خريطة طريق في الحوار مع دمشق وتحديد مواقفه ومطالبه.

ليس ما قاله أوجلان حول دعوة العمال الكردستاني لحل نفسه وترك السلاح هو الذي سيناقش فقط في المؤتمر الكردي. فبين ما تنتظره أنقرة هو حسم موضوع العناصر المحسوبة على حزب العمال في شمال شرقي سوريا، وكذلك مسار ومصير العلاقة بين “قسد” والقيادة السورية الجديدة، وتسريع خطوات التفاهم بين دمشق و”قسد” لناحية المسائل العسكرية والأمنية التي تطالب بها تركيا على حدودها الجنوبية، والوصول إلى نتائج تحسم كيفية دمج مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية” في الإطار الأمني السوري، بعيدا عن التكتلات العسكرية المستقلة خارج سلطة الدولة، وهي مسائل لا تقل أهمية عن غيرها في هذا المسار الجديد المطلوب محليا وإقليميا اليوم.

 المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى