
هل تشغلك فكرة أنك لست على قائمة المدعوين؟ فماذا لو نظرنا إلى مسألة تلقي الدعوة إلى المؤتمر من زاوية الاحتمالات والمنطق، بدلاً من تفسيرها بمعايير شخصية أو اجتماعية؟ بهذه الحال، نجد أن اختيار 1500 شخص من أصل 25 مليوناً، يمنح كل فرد فرصة تبلغ 1 من 16,667 أي (واحد من كل ستة عشر ألفًا وستمئة وسبعة وستين) أو 0.006% أي (ستة من كل مئة ألف). وهي نسبة ضئيلة للغاية. ومع ذلك، من الطبيعي أن يشعر البعض بالإحباط أو التساؤل عن سبب عدم تلقيهم دعوة. لكن من المهم ألا نخلط بين الاختيار وأهميتنا الشخصية أو المجتمعية.
الاختيار لحضور مثل هذه الفعاليات ليس مرتبطًا بمدى شهرة الفرد أو تأثيره في مجتمعه، بقدر ما هو مرتبط بتقييم اللجنة المسؤولة عن الدعوات لهذا التأثير. هذه اللجنة لديها معاييرها وأهدافها التي تسعى لتحقيقها من خلال انتقاء الحاضرين، وغالبًا ما يتم الاختيار بناءً على مدى تطابق الشخص مع الرؤية العامة للمؤتمر، ومدى إسهامه المحتمل في تحقيق النتائج المرجوة. ولذلك، فإن عدم تلقي الدعوة لا يعني الإقصاء أو التقليل من القيمة، بل يعني ببساطة أن الاختيار تم وفقًا لاعتبارات تتعلق بالحدث نفسه وليس بالأفراد بشكل شخصي.
من المهم أيضًا ألا نعتبر الحصول على الدعوة بحد ذاته هو الهدف الأساسي، فالدعوة مجرد وسيلة لتحقيق غاية أكبر. الجوهر الحقيقي يكمن في طبيعة المؤتمر ذاته، وفي ماهية القرارات التي يمكن اتخاذها داخله، وليس في الأسماء التي تجلس على الطاولات. كثير من المؤتمرات تخرج بمجرد توصيات لا يتم تنفيذها، بينما الأساس في أي اجتماع ناجح هو امتلاك الحاضرين القدرة الفعلية على اتخاذ قرارات تُترجم إلى أفعال ملموسة. لذلك، لا يجب أن يكون الانشغال بمن دُعي أو لم يُدعَ هو المحور الأساسي للنقاش، بل ما إذا كان المؤتمر نفسه يمتلك القدرة الحقيقية على إحداث التغيير المطلوب في سياسات الدولة ومشاركتها في قيادة تفاصيل إعادة بنائها!
على مر التاريخ، كثير من الكتاب والمفكرين الذين أثروا بشكل عميق في سياسات دولهم لم يحضروا مؤتمرات سياسية رسمية، لكن تأثيرهم امتد إلى صناع القرار والأجيال اللاحقة من دون الحاجة إلى وجودهم في قاعات الاجتماعات. على سبيل المثال، جورج أورويل لم يكن جزءًا من أي مؤتمر سياسي رسمي، لكنه من خلال رواياته مثل (1984) و(مزرعة الحيوانات) كشف آليات الاستبداد وتأثير الدعاية السياسية، وأصبحت أعماله مرجعًا أساسيًا في تحليل الأنظمة القمعية. ونعوم تشومسكي، رغم أنه لم يكن ضمن دوائر صنع القرار الحكومي، فقد أثرت كتاباته ونظرياته النقدية حول الإعلام والسياسة الخارجية الأميركية على الفكر السياسي العالمي، وكذلك جان بول سارتر، الذي رفض جوائز رسمية وحضور مؤتمرات سياسية كبرى، كان له تأثير بالغ على الفلسفة السياسية والمواقف المناهضة للاستعمار.
أما عن حظوظك في أن تكون موجوداً حول طاولة الحوار الرئيسية بعد التصفيات النهائية، فيمكن لك ان تقارنها كما أفعل دائماً بخساراتي المتتالية مع سحب اليانصيب، التي تبرز جانبًا آخر من الموضوع. فليس كل من يشتري بطاقة يانصيب دمشق الدولي، مثلاً، هو رابح بالمحصلة. إذا كانت أرقام اليانصيب مكوّنة من ستة أرقام، فهذا يعني أن هناك 1,000,000 (مليون) احتمال مختلف للفوز، أي أن نسبة فوز أي شخص ببطاقة واحدة ستكون 1 من مليون أو 0.0001%. ولكن لنفترض أن عدد الفائزين باليانصيب هو 1500 شخص، وهو عدد أعضاء المؤتمر، فسيظل احتمال الفوز لأي شخص يشتري بطاقة واحدة 1 من 666 أو خمسة عشر من كل عشرة آلاف.
بعبارة أخرى، فرصة تلقي دعوة لحضور المؤتمر أشبه بفرصة الفوز بجائزة يانصيب، لكن الفرق أن المؤتمر ليس لعبة حظ، بل قرار مبني على معايير واختيارات بشرية. عدم تلقي الدعوة لا يعني أنك لم تكن جديرًا بها، بل أن هناك عوامل أخرى لعبت دورها، تمامًا كما أن عدم الفوز باليانصيب لا يعني أن البطاقة التي اشتريتها لم تكن صالحة، بل أن الاحتمالات لم تكن في صالحك.
في نهاية المطاف، يجب أن ننظر إلى الأمور من زاوية أشمل. القيمة الحقيقية ليست في الحضور الجسدي لمؤتمر ما أيا كانت أهميته بالنسبة لك ولمكانتك الاجتماعية (بريستيجك)، بل في التأثير الفعلي في المسار العام، سواء داخل القاعة أو خارجها. ليست كل المعارك الفكرية تُخاض من داخل الغرف المغلقة للمؤتمرات، وليست كل الإنجازات مرهونة بالوجود في قائمة المدعوين، لأنها حتما لا يمكنها أن تتسع لكل السوريين المبدعين والمؤثرين، وما نرجوه فقط أن تتسع لأحلامهم وتسطرها على أنها قرارات قابلة للتنفيذ وليس للأرشيف.
المصدر: المدن