محمد بركة روائي مصري مجدّ ومتميز. قرأت له روايته حانة الست. وكذلك رواية عرش على الماء وكتبت عنهم. رواية “مهمة سرية” للروائي محمد بركة التي صدرت عن أقلام عربية للنشر والتوزيع عام ٢٠٢٥م. حيث يتناول موضوع مهم جدا غير متداول كثيرا وغير معروف. انه السياحة الجنسية في المنتجعات السياحية في شرم الشيخ المتواجدة في سيناء المصرية.
تبدأ الرواية التي تعتمد لغة المتكلم على لسان بطلها علاء متابعة حياته، علاء الذي يعيش في قصره وحوله كل ظروف الحياة الموسرة. ضمن تقنية الخطف خلفا.
تعود الرواية للتحدث عن حياة علاء منذ البداية حتى وصوله الى هذه المرحلة.
علاء شاب مصري من أصول صعيدية عائلته فقيرة. والده أعمى له صوت جميل يرتزق من قراءته للقرآن الكريم في المناسبات السعيدة أو الحزينة زواجات ولادات ووفيات. والدته امرأة مليحة بيضاء البشرة. كان والدها قد زوجها من ذلك الضرير الأقرب للزنجي بلونه الاسود. ضمن رؤية من والدها أن يتم صيانتها من زوجها الأعمى القارئ للقرآن الكريم.
لم تكن حياة علاء مريحة فقد نشأ في بيت لا توافق فيه ،والده دائم التنقل في البلدات المجاورة يبحث عن لقمة عيشه. أما والدته فقد اعتمدت على العمل في بيت أحد الخواجات. الذي سرعان ما أصبح بينه وبينها علاقة جنسية. كان يتم إبعاد الصغير علاء الى احدى صديقات أمه “طنط” التي رعت نضج الشاب علاء ودرّجته على ممارسة الجنس اول بأول. كل ذلك عايشه علاء من بيئة الفقر المدقع. وسرعان ما أصبح شابا ببشرة سمراء قريبة للسواد فارع الطول عليه صفات جسدية مكتملة تعطي عنه انطباعا بقدرات جنسية متميزة.
لا بد من ذكر واقع كان موجودا في مراتع وفنادق وملاهي شرم الشيخ المصرية لتكون ملتقى الباحثين عن اللذة بكل أنواعها في تلك المناطق الشبه صحراوية و حيث الشمس الساطعة.
لقد كان الحظ مواتيا لعلاء الشاب الذي التقطته احدى الفتيات الاوروبيات في احدى زياراتها لتلك المنتجعات واتفقت معه على أن تصنع نموذج جنسي ذكري مأجور.
نعم كما كانت الدعارة ظاهرة تاريخية حيث تمتهن بعض النساء بيع جسدها متعة مؤقته.
لكن واقع الحال هنا أن هناك نساء أوروبيات أغلبهن غنيّات يأتين إلى منتجعات شرم الشيخ باحثات عن الجنس و الإشباع الجسدي. حيث يفتقدونه في حياتهم الروتينية حيث يعيشون في أوروبا. لكل من أولئك النساء سبب وقصة تدفعها لتأتي الى شرم الشيخ تستأجر العاهر علاء لتشبع حاجتها الجنسية.
لقد عاش علاء في عالم اقرب لألف ليلة وليلة. غرابة في التصرفات وبذخ لا يتصور. كل ذلك مع انعزال شعوري عنده فهو مجرد آلة جنسية بلا مشاعر يقوم بواجبه بكل حرفية وعقلانية وحيادية. ممنوع ان يشعر بالحب وأن يرتبط نفسيا مع الزبونة. وان يحافظ على التزامه بالقواعد حتى يستطيع أن يخرج من عالم الفقر الموازي للنبش في النفايات بحثا عن ما يقيم وأد الحياة.
مع تحسن عمله وتزايد الطلب عليه بدأ يفكر بتجميع المال والرصيد البنكي واقتناء البيت والسيارة. حصل على ذلك بقروض تدفع تباعا.
استمر الحال هكذا حتى حصلت الثورة المصرية نهاية عام ٢٠١٠م. وأدت لانهيار عمله وخاف علاء من عودته لعالم الفقر.
لكن جاءه الانقاذ عبر متعهد يشتري جهوده الجنسية ويقسم الريع بينهما وفق نسبة معينة ادى الى إعادة الأمل والبشرى له وعاد مجددا للعمل والحصول على ريع لممارساته. استطاع عبرها أن يكتمل ملكية بيته وعربته. وان تكتمل شروط العيش الرغيد وان يصبح من فئة الأثرياء.
لقد كانت معاناة علاء وكثيرين ممن تواصل معهم ذكورا واناث ان هناك ازمة دائمة عند الاغلب من فقدان الحب او ضياع الحب ثم خراب الحياة الزوجية. أو خيانة الطرفين بعلاقات اخرى خارج المؤسسة الزوجية.
هكذا حصل بين علاء واحدى زبائنة التي شعر اتجاهها وشعرت هي ايضا بمشاعر الحب. لكنه كان ملتزما بمهنته ولقمة عيشه. وكانت مرتبطة بزوجها الثري الذي أمّن لها حياة رفاهية. فلا هو ولا هي يريدان تحويل هذا الحب لارتباط دائم.
نعم الجنس حاجة يتم بيعها وشراءها من النساء والرجال. مع الادراك ان التنوع والغرابة في ممارسة الجنس يحاول أن يغوص عميقا في المشاعر المرتبطة بالجنس والإشباع الجسدي. و نقف مليا أمام غياب المشاعر النفسية فأغلب من يشبع جسده إنما يعوض عما خسره نفسيا. خيانة حبيب او حبيبة او زوج او زوجة. أو حتى غياب الاهتمام وحق الإشباع الجسدي الجنسي.
لابد من الذكر أن التتبع الكثيف لحالة الداعر العاهر علاء ممارساته في مراتع المتعة في شرم الشيخ لا تخفي حقيقة الفقر والفاقة والبطالة والتعايش مع النفايات والفساد والبحث فيها عن لقمة عيش مذلّة .
كما تظهر الرواية الوجه الآخر للغرب الذي لم تستطع مشاعية الجنس وتحقيقها بكل الأشكال بما فيها المثلية بنوعيها الذكوري والأنثوي وإن يحمي ذلك بالقانون. لم تستطع ان تخرج نساءها ورجالها من عالم الاغتراب الجسدي والنفسي والاجتماعي وان حل مشكلات الحياة الاقتصادية ومجتمع الحرية المطلقة لم تستطع أن تلغي الاغتراب الحياتي والمجتمعي في الغرب المكتفي الغني الحر.
تنتهي الرواية من حيث بدأت بعيش علاء حياته بعد تقاعده عن مهنته الجنسية كدعارة رجالية. حياة مريحة وهو موسر يتمتع بما جناه من حياته.
تومئ الرواية إلى أصل المشكلات في بلادنا العربية ومنها مصر التي تلحظ حالة الشعب الذي ثار منذ اكثر عقد ونصف. ولكن لم تنجح الدولة الناتجة وتحولاتها المتتالية أن تتجاوز ظروف الحياة المأساوية للمصريين.
وكذلك ماذا عن سيناء المحروم منها المصريين وفق اتفاقات مضى عليها عقود طويلة تظلم مصر والمصريين.والحديث يطول.