هل لدى أحمد الشرع خطابٌ وطنيٌّ للسوريين؟

عمار ديوب

أصبح السوريون يتساءلون عن موعد توجه قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، بخطابٍ “رئاسيٍّ”؟ فهو الرجل الأول في البلاد ولا بد أن يلقي خطاباً جمهورياً. ويتعلق هذا السؤال بإشكالية تبنّي الحكومة المؤقتة سياسات تؤزّم الأوضاع العامة أكثر فأكثر، كتحرير السوق ومن دون خطة اقتصادية للنهوض الاقتصادي، وطرد مئات ألاف العمال، وتبنّي رؤية محافظة للتعليم، والتعطيل المستمر للقضاء، ووجود فصائل خارج جيش البلاد، والبدء بتشكيل هذا الجيش بشكلٍ أربك السوريين وقيادات الفصائل غير المنضوية في هيئة تحرير الشام، وقضايا كثيرة أخرى.

باعتباره الرجل الأول، في الهيئة وفي سورية، فهو يحاول أن يعرف ماذا يريد منه الخارج، بتنوّع هذا الخارج، وكيف سيرتقي بهيئة تحرير الشام من واقعها هيئة عسكرية سلفية إلى أن تصبح السلطة الوطنية في دمشق، ومغادرة مواقعها السلفية إلى الموقع الوطني. من دون الموقع الأخير، ستتراجع الثقة كثيراً بالهيئة والإدارة الجديدة، وقد تحدُث الصدامات مع الفصائل، وقد يكون التأخّر بحسم وجود السلاح خارج الجيش متعلقاً بهذه الإشكالية، وبالتالي، يتأخّر الشرع بالخطاب بقصد أن تستقر له الأوضاع، وهذا غير ممكن قبل انجلاء الموقف الأميركي، ولا سيما بعد تسلم دونالد ترامب الرئاسة، ومصير وجود القوات الأميركية شرق سورية، وبعد أن يَحتكر السلاح، وحينذاك يستطيع الكلام.

ليست الهيئة التي كان الشرع يتزعمها على قلبٍ واحد، ففيها تعدّد فصائلي، ورؤوس كثيرة، وبعضها يريد تشكيل دولة إسلامية متشدّدة، ومنها دولة إسلامية معتدلة، ومنها من غادر إدلب وذهب إلى الصحراء للالتحاق بمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وعدا ذلك، يرى قادة الفصائل كل منهم بنفسه القدرة ليكون قيادياً في الجيش، وهنا تعقيد كبير. يعقد الرجل اجتماعاتٍ كثيرة، معلنة وسرّية، يريد حسم نقاشات وصراعات كثيرة داخلية، ليستطيع تبنّي رؤية وطنية للحكم لاحقاً، فهو حتى اللحظة لم يتكلم عن شكل الحكم مثلاً. خارجياً، عليه كثير من الضغوط العربية والدولية، وجميعها لا تزال تضغط لتطبيق روح قرار مجلس الأمن 2254، وبقصد تشكيل حكومة وطنية، وغير طائفية، وتتمثل فيها كل فئات المجتمع، بينما اضطر هو، وتحت ثقل التعدّد داخل هيئة تحرير الشام، للإتيان بحكومة إدلب إلى دمشق، مع الادّعاء أن حكومة اللون الواحد تساعد على اتخاذ القرارات بشكل أسهل وأسرع، سيما أن البلاد في حالة معقدة، وتتطلب قرارات سريعة فيما يخص الأمن والوضع الاقتصادي وسواهما.

القضيتان أعلاه هامتان، هيئة تحرير الشام والخارج، وهناك مسألة الإعلان عن خريطة للانتقال السياسي، وكيف ستبدأ المرحلة الانتقالية في مارس/ أذار المقبل؟. … والقضية الثالثة، وتتكثف في مطالب داخلية، وتتلاقى مع شروط خارجية بشأن تنفيذ جوهر قرار مجلس الأمن 2254 في تشكيل هيئة انتقالية تعلن عن تشكيل حكومة انتقالية، أو عقد مؤتمر وطني، أو إعلان دستوري مؤقت، وجميعها تستدعي خطّة وخريطة وبجدول زمني محدّد. لا يكفي في هذا ما قاله أحمد الشرع عن أربع سنوات لإقرار الدستور وسواه، وإنما يستدعي تشريع إدارته وحكومته ما ذكر أعلاه.

قد يتأخّر خطاب الشرع إلى بداية شهر مارس/ آذار، وحينها يكون قد استجلى سياسات الخارج تجاهه، وضبطَ الخلافات داخل هيئة تحرير الشام، ومع الفصائل خارجها، وتحدّدت السياسة الأميركية تجاه سلطة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك حُسمت مسألة توحيد البلاد بشكل نهائي، وانضوت الفصائل داخل الجيش المعاد تشكيله. ويخطئ الشرع كثيراً إن كان وإدارته يعملون من أجل فرض سلطة شمولية عبر إعادة تشكيل أجهزة الأمن والجيش، والتراجع عن تحقيق أهداف السوريين في الانتقال الديمقراطي وإرساء أسس الدولة الحديثة.

وهناك مشكلة كبرى تتعلق بالأقليات، العلويين والدروز والأكراد بصفة خاصة، ويمكن ضم المسيحيين والإسماعيليين كذلك. المشكلة مرتبطة بخشيةٍ وخوفٍ من الإدارة الجديدة، التي صفتها الأبرز أنّها إسلامية الهوى والسياسات. حُلّت جزئياً هذه التخوفات عندما بسطت الهيئة سيطرتها على حلب وحماة وحمص، ولكن بمجرّد الاستيلاء على السلطة برزت تلك الإسلامية في توجّهات الحكومة، وعادت مجموعات من الفصائل لتمارس أسلمتها، ولا سيّما تجاه العلويين في حمص واللاذقية بالتحديد.

هناك ضرورة للضبط الأمني السريع، ومنع الانفلاتات كي لا تتشكّل مسألة أقليات

برز كلامٌ عن حماية دولية من بعض الشخصيات من الطائفة العلوية، وهناك وجود أميركي حامٍ للأكراد، وقد نرى شخصياتٍ أخرى، ومن طوائف أخرى، تطالب بالشيء ذاته، ومن دون أن ننسى التقدّم الصهيوني إلى مشارف دمشق، وتوجهات دولة الاحتلال في تفكيك المجتمع السوري إلى طوائف وإثنيات، وهي تعلن بوضوح رغبتها في دعم الدروز والأكراد والعلويين وتقسيم سورية. … حسناً، لتشكيل رؤية أكثر واقعية، لقد جرت المطالبة بالحماية الدولية في العام 2011، بهدف إيقاف الهجوم الوحشي للنظام على المدن وتدميرها وتهجير سكانها وقتل الآلاف، وبغض النظر عن محدودية الانتهاكات للعلويين بصفة خاصة، والحرب المتقطّعة بين فصائل الجيش الوطني و”قسد”، فإن قضية المطالبة هذه تفرض على الإدارة كثيراً من السياسات الهادئة وغير الطائفية لتوحيد البلاد وعزل الأصوات غير الوطنية. يتطلب هذا الأمر الركون إلى مشروع وطني، ورؤية وطنية في كل سياسات الإدارة والحكومة المؤقتة، وحتى في كيفية ضبط الأمن في كامل البلاد، ولا سيما في المدن التي شهدت مجازر وحشية بدلالات طائفية علوية من النظام في السنوات الأولى للثورة، كحمص واللاذقية وبانياس، وأورثت ثارات وانتقامات بين الأحياء المتجاورة والمختلفة مذهبياً.

إذاً، هناك ضرورة للضبط الأمني السريع، ومنع الانفلاتات كي لا تتشكّل مسألة أقليات. وفي هذا، يشكل الخطاب الوطني والممارسات الوطنية الدولتية مع كل السوريين، الجدار الصلب لكل دعوة غير وطنية، أو طلب الحماية الدولية أو الاحتفاظ بالسلاح في هذه المدينة أو تلك. وهناك المسألة الاقتصادية والاجتماعية، وهذه تتطلّب الإسراع بتأمين الخدمات الأساسية، وإيجاد حلول إيجابية للموظفين المدنيين والعسكريين، ومنع تشكل كتلة اجتماعية متأزمة وقابلة للانفجار.

ينتظر السوريون خطاباً جامعاً، يضع أسس الدولة الحديثة، ويعبر عن أهداف الثورة في 2011، فهل يمتلكه أحمد الشرع؟

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى